إن الوضع السياسي في العراق أصبح في حالة يرثى لها وبخاصة بعد محاولات لإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة أو الالتفاف عليها وتحويلها إلى هرج ومرج بحيث تفقد أهميتها الكامنة في رفض الكثير من الفاسدين وتحديد هوياتهم ورفض ترشيحهم لعضوية مجلس النواب، هذه الحالة باتت تشكل خطراً على مصالح أكثرية القوى المتنفذة ولمجرد ما ظهر خطاب المرجعية بخصوص الأوضاع تراكضت هذه القوى للترحيب والتأييد لما جاء في خطاب المرجعية الدينية ، المرجعية الدينية الشيعية في النجف كما يقال "علمٌ فوقه نار"  وهي تتمتع بتقدير واحترام واسع النطاق ولها مواقف ايجابية  فيما يخص الوضع العراقي وبخاصة بعد سقوط النظام الدكتاتوري، واستغلت المرجعية من قبل العديد من الأحزاب والتنظيمات الشيعية في الكثير من الأحيان، وباسم المرجعية جرى التجاوز وخرق القوانين وحشد المواطنين خلف شعارات طائفية ولاسيما منذ الانتخابات الأولى وغيرها من القضايا، وآخر استغلال ولا نعتقد سيكون الأخير قضية فتوى السيد علي السيستاني فيما يخص احتلال داعش الإرهاب للمناطق الغربية ومناطق أخرى  حيث تم تحوير واستغلال فتوى " الجهاد الكفائي " إلى تجميع عدداً غير قليل من التنظيمات والميليشيات المسلحة وإطلاق العنان للحشد الشعبي بينما فتوى الجهاد الكفائي كانت تعني التطوع الفردي في القوات المسلحة لقتال داعش والإرهاب، لكن فتوى الجهاد الكفائي أصبحت في وادي والحشد المتكون من عدة قوى مسلحة في واد آخر وهذا بعيد عما كانت المرجعية تهدف إليه، وبتصورنا أنها كانت تعني  مختلف المكونات في جبهة قتالية لمحاربة داعش الإرهاب وتحرير المدن من جرائمه وبهذا تكتمل صورة الدفاع الوطني بتكاتف الشعب مع الجيش، والرأي المجمع عليه "بان السيد علي السيستاني كان المفروض توضيح جوهر فتواه فيما يخص الجهاد الكفائي كي يتم معالجة هذه الموضوعة الخطرة"، لكن الذي حصل هو تحويل الجهاد الكفائي إلى تمثيل طائفة واحدة وتحديد أسس تنظيمه من عدة تنظيمات مسلحة جاهزة سميت بالحشد الشعبي مما جعل المكونات الأخرى تنظر إلى الحشد الشعبي بعين القلق والتشكك في نوايا القوى المسلحة من أحزاب وتنظيمات وميليشيات مسلحة شيعية، وما زاد الطين بلة ما قام به البعض من هذه الميليشيات المسلحة من أعمال وخروقات وتجاوزات على مكونات أخرى بعد طرد داعش وهنا ظهرت النية المعقودة بتكوين تنظيم مسلح من طائفة معينة تضاهي قوة الجيش العراقي حيث تكون أهدافه ومخططاته على غير الفتوى حول الجهاد الكفائي، وفي هذا المضمار نستطيع ذكر الكثير من استغلال اسم المرجعية الدينية،  لكننا نكتفي بهذه الإشارة العابرة لأنها أكثر ملموسية، ولهذا  كان نداء المرجعية الدينية في النجف الأخيرفي الخطبة الثانية لصلاة الجمعة في (27 تموز 2018) ليس هو الأول بخصوص الأوضاع المتردية في العراق فهناك في جعبة الوضع السياسي منذ 2003 بعد السقوط والاحتلال العديد من التوصيات والنداءات والتحذيرات التي وجهتها المرجعية الدينية في النجف وعلى رأسها السيد على السيستاني، لكن لنكن صريحين هل التزمت القوى السياسية الشيعية ؟ لا نعتقد فقد قامت أكثرية القوى السياسية المتنفذة والمهيمنة على السلطة فقط بالترحيب والتأييد ورفعت أصواتها بالتأكيد على الصواب كل الصواب فيما تدعو عليه المرجعية من نداءات وفتاوى ونصائح وتوجيهات ومحاربة الفساد وإنجاز المشاريع  والخدمات ...الخ، لكن في الوقت نفسه بقى الحال في إطار الشكل وليس الجوهر كما هو لا بل ازدادت الأمور من سيء إلى أسوأ، وكأنما هناك تناغم في قضية إظهار التأييد إعلامياً وفي واقع الحال عدم التنفيذ وهي عملية معروفة كشفت خيوطها خلال السنين السابقة، إن الادعاءات الكثيرة التي تتحدث عن " خطابات المرجعية ومدى تأثيرها على المعادلات والتوجهات السياسية" يبقى مجرد حديث وفي الكثير من الأحيان يكون عابراً وخاضعاً للاستغلال لتمرير حالة أو حالات تحتاج إلى لجم المواطن المحتج على سياسة الحكومات التي تعاقبت على السلطة بعد 2003 وهناك اتهامات واضحة ومعلنة في أكثر من مكان بأن الحكومات العراقية لا تملك القرار بشكل كامل ومستقل عن التدخل الخارجي وهذا مرهون بعلاقات القوى السياسية المتنفذة وارتباطها الخارجي وهذا ما أكده سعدون السعدي عضو تحالف سائرون "  معظم الكتل السياسية لديها ارتباط بدول خارجية وتعتمد على تمويلها في برامجها السياسية"، فإذا كان الأمر بهذا الشكل فهو أمر مفزع حقاً لإبقاء القرار العراقي تابعاً ومرهون بالعامل الخارجي ولهذا لن يحقق الإعلان الشكلي عن تأييد لخطابات ونداءات المرجعية الدينية لكنه يتناقض معه فعلاً ومع ما هو ملموس من أعمال وأفعال حكومية كثيرة، ويتناقض مع إضافة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي الذي أكد أن "كل ما دعت إليه المرجعية الدينية العليا كان وسيبقى نصب أعيننا منذ فتوى الجهاد الكفائي  والى ما تضمنته خطبة المرجعية الجمعة والتي رسمت خارطة طريق لمستقبل العراق وشعبه" ونحن نسال العبادي بكل شفافية

 ــــ أين هي فتوى الجهاد الكفائي من الواقع  العام والخاص وما بين تشكيل الحشد الشعبي من تنظيمات مسلحة وميليشيات طائفية؟

ونستطيع الإتيان بأمثلة جوهرية كثيرة حول المواقف المضادة لخطابات المرجعية الدينية في النجف واعتماد الضجة الإعلامية في التأييد والإشادة.

إن ما جاء على لسان ممثل المرجعية الدينية عبد المهدي الكربلائي  في (27 تموز 2018 ) حول طلب الإسراع في تشكيل الحكومة شرط أن يكون  رئيس الوزراء حازم وقوي لكي تنجز الحكومة مهماتها وتنفذ مطالب الجماهير الثائرة التي تناضل من اجل الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد والتوجه الجاد حول الخدمات والكهرباء والماء ومسائل البطالة والفقر ثم إصلاح النظام السياسي والتخلص من المحاصصة البغيضة، إلا أن الحكومات المتعاقبة كانت غير آبهة بهذه المطالب وغيرها على الرغم من الدعوات المخلصة الوطنية بضرورة الاهتمام بمطالب الجماهير وعندما ظهر داعش واحتل أكثرية المحافظات الغربية ومناطق من الوسط وبغداد لم تجر بشكل جدي محاسبة لا رئيس الحكومة السابق المسؤول الأول في الحكومة وقائد القوات المسلحة ولا الحكومة عن ما جنوا وجنت سياستهم من كوارث ومآسي مازال الشعب يدفع ثمنها لحد هذه اللحظة، وبدلاً من إدانة المسؤولين المباشرين عن دفع الجماهير إلى السلبية ثم التهاون مع تنامي الإرهاب على شكل داعش وغيره والتهاون مع الميليشيات الطائفية المسلحة التي لعبت أدواراً لا تقل خطورة عما ارتكبه الإرهاب المتمثل بالقاعدة ثم داعش والبعثيين الصداميين وغيرهم.

إن النظام السياسي الذي تأسس على أسس المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة هو الذي جر البلاد إلى كوارث لا تحصى ومن كان يعتقد ومازال على اعتقاده أن المسؤولين ستوقفهم نداءات وخطابات المرجعية الدينية في النجف فهم على خطأ كبير ولنا تجربة فيما يخص الانتخابات وكيف تم استغلالها تحت غطاء اسم المرجعية ومازال الكثير منهم يتفاخر بان المرجعية الدينية تساندهم ووفق تحوير خطاباتها وخلق حالة من التشويش لخداع وعي المواطنين باسم " المجرب لا يجرب ثانية " وتحريف حسن الاختيار وانتخاب الكفء الحريص، ولو دققنا في العديد ممن انتخب لوجدنا الكثير من الفاسدين وبهذا وضعوا نداء المرجعية على لسان ممثل السيد علي السيستاني عبد المهدي الكربلائي  على الرفوف المنسية وقوله  أن "الآلية المثلى للإصلاح هي المشاركة الواعية في الانتخابات المبنية على حسن الاختيار أي انتخاب الصالح الكفوء الحريص على المصالح العليا للشعب العراقي والمستعد للتضحية في سبيل خدمة أبنائه".

هذا الواقع المؤلم الذي أنتجته سياسة المحاصصة بكل تجلياتها سياسياً واقتصادياً وامنياً واجتماعياً وخدمياً وتعليميا وكل ما مرتبط بحياة المواطنين الكادحين وأصحاب الدخل المحدود والعاطلين عن العمل من جميع مكونات الشعب العراقي يجب أن ينتهي وذلك بالإسراع لتشكيل الرئاسات الثلاث وفي مقدمتها تشكيل الحكومة على أسس وطنية ونبذ الطائفية وتحديد مهمات الحكومة فيما يخص عودة النازحين وإعادة بناء المدن والبنى التحتية والتوجه لإنجاز الكثير من القضايا التي تنتظر الحلول السريعة، ولنكن واقعين إن استغلال الدين واستغلال المرجعيات وفي مقدمتها المرجعية العليا في النجف سيبقى قائماً إذا لم تتصدى المرجعية له بشكل علني وتتبرأ من كل الذين استغلوها ويستغلوها للمنفعة الخاصة والحزبية والطائفية.

عرض مقالات: