في منتصف شهر كانون الثاني عام 1991، بثت إذاعة صوت أميركا خطاباً للرئيس الأميركي "جورج بوش" الأب وجهه إلى الشعب العراقي، داعياً إياه إلى الإطاحة بنظام صدام الدكتاتوري ( لكنه تخلى عن الشعب الذي دعاه الى الثورة لا بل وقف مع صدام وزمرته لقمع الانتفاضة)، وذلك ليضمن العراق ’الانضمام إلى أسرة الأمم المحبة للسلام‘، كما أعقبه خطاب ثاني يحمل رسالة مماثلة، في الأول من آذار- إي بعد مرور يومين على خروج القوات العراقية من الكويت. و أنطلقت أنتفاضة الشعب العراقي ضد نظام البعث ،إنطلقت لتكسر حاجز الأرهاب، والخوف ، والرعب الصدامي، الذي فرضه على شعب العراق عشرات السنين، أزاحت رماد الصمت ،فأطلقت العنان لنيران الثورةِ والغضبِ الشعبي المتراكم في صدور الشباب،لتُحْرِقَ بسنا لهيبها رؤوس الحقد والتغطرس البعثي،إنطلقت ثورة الشعب من الشعب في داخل العراق لابوحيٍّ خارجي مثلما إدعى النظام وقتها ،إنطلقت بقرار من شباب العراق، بكامل ارادتهم وبهمتهم، بعفويتهم البعيدة عن التخندق الحزبي ،في تظاهرةٍ مسلحةٍ يعلو فيها لأول مرّة صوت الشعب على صوت الجلاد، ولأول مرّة يلتفت العالم الى ذلك الصوت ، ويؤمن بأن هناك شعبٌ وهناك رأيٌ معارضٌ لنظام صدام، بعد أن كان لا يُعير إهتماما لصرخات الشعب العراقي ،ولا استغاثة الضحايا ،كان يتجاهل خطابات المعارضة العراقية، ولا يصدّق دعواتها وإدعائها ،بل كان يتفاعل مع إعلام النظام . منذ بداية هذه التطورات الخطيرة، أساء الإعلام الغربي التعبير عن الانتفاضة العراقية رغم أنها كانت تتسم بالعفوية ورد الفعل التلقائي أمام دخول بقايا الجيش المهزوم من الكويت إلى البصرة، إذ وصِفت الانتفاضة الجنوبية بكونها مقتصرة على طائفة واحدة دون أخرى، كما وصِف الانتفاضة في كردستان على انها ثورة قومية كردية حصراً، هدفها الحصول على منطقة كردية مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي داخل العراق. لكن الحقيقة هي أن انتفاضة شمال وجنوب العراق كانت ثورة شعبية قامت بها الطبقة العاملة . و يتفق المؤرخون والباحثون على أن الانتفاضة بدأت من مدن جنوب العراق وتحديداً مدينة البصرة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت وتدمير آلياته من قبل القوات الأمريكية، الأمر الذي اضطر الجنود العراقيين للعودة سيراً على الأقدام إلى العراق.  وعلى اثر هذا قام أحد الجنود العراقيين في فجر الثاني من أذار من عام 1991 بإطلاق النار على تمثال للرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وانهال عليه بالشتائم والسباب وكان هذا في ميدان يدعى ساحة سعد في البصرة لتنطلق شرارة الانتفاضة الشعبية التي سرت بسرعة كبيرة جداً في أنحاء العراق وبحلول الصباح كانت الاحتجاجات تعم محافظة البصرة والهارثة والدير وبدأ الثوار باستهداف مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش العراقي في المدينة.  وخلال يومين فقط عمت الانتفاضة أغلبية مناطق العراق الأخرى ومنها ميسان والناصرية والنجف وكربلاء وواسط والمثنى والديوانية وبابل وسرعان ما وصلت إلى مدن شمال العراق دهوك، سليمانية، أربيل وكركوك وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة بدأ النظام باستخدام أساليب القمع كافة لإيقاف الانتفاضة واستخدام طائرات الهليكوبتر التي أرسلتها أمريكا للنظام بحجة نقل الجرحى والمصابين من الكويت إلى العراق إلا أن النظام استخدمها بقصف المدن وإيقاف الانتفاضة ووصل الأمر بالسلطة لاستعمال الأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين. بدا الآلاف من العراقيين بالخروج إلى الشوارع وترديد أهازيج تندد بالنظام وتدعو لإسقاطه وقام البعض بالتوجه نحو مراكز الشرطة والمباني الحكومية وإخراج من كان فيها من السجناء الأبرياء والاستيلاء على مخابئ الأسلحة الصغيرة وسيطر المنتفضين على أربع عشر مدينة من مجموع المدن العراقية الثماني عشر.  وهنا بدأ القتال المسلح وبدأ كل من يمتلك السلاح بحمل سلاحه والخروج للقتال وقد وصل القتال إلى اطراف العاصمة  بغداد التي كانت تتركز فيها مباني الوزارات ورئاسة الجمهورية، وكان لدى المنتفضين قناعة تامة بان القوات الأمريكية وقوات التحالف التي كانت مترمكزة في الكويت ستقوم بمساعدتهم للإطاحة بالنظام ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل فقد امتنعت القوات الأمريكية عن تقديم العون للثوار، وبدأ هنا النظام بالقصف العشوائي والقبض ثم إعدام من يُعتقد انه قد شارك في الانتفاضة فدمرت الكثير من المدن وسويت بالأرض وقُتل ما يزيد عن (300) الف شخص في الجنوب العراقي وحده خلال ال14 يوما التي هي عمر الانتفاضة إذ عمد النظام إلى استخدام كافة السبل لاسترداد نظام الحكم باستخدام كافة الأسلحة.                   

وانتفاضة الجنوب هذا العام 2018 ايضا بدأت في مدينة البصرة، وقصباتها (بعد انعدام الخدمات حتى البسيطة منها في المدينة)، وامتدت الى محافظات ميسان وواسط وذي قار والنجف وبابل وكربلاء والديوانية (بل وحتى إلى بعقوبة في شمال بغداد حيث جرت تظاهرات صاخبة في ديالى). هناك حيث حقول النفط تمتد الى الأفق، يجد العراقيون أنفسهم بلا كهرباء (في مكان تصل فيه الحرارة الى أكثر من 50 درجة في الظل، وفيما شركات جباية خاصة تطالب الناس بدفع فواتيرهم وإلا قطعت عنهم الكهرباء التي تصل - حين تصل - ساعات قليلة في اليوم!)، و بلا ماء نتيجة شحّه أولاً وما يترتب على ذلك من ملوحة شديدة ثانيا. وعلى ذلك، تتراكم النفايات بلا اكتراث من المسؤولين، سواء منهم المركزيين أو المحليين، وهم جميعاً منشغلون بالوصول الى السلطة وبصراعاتهم عليها وعلى ما تتيحه من نهب. ويجد الناس أنفسهم عاطلين عن العمل في مكان يدرّ إيرادات كبيرة، ويمتلك إمكانات اقتصادية مهولة والبصرة هي منفذ العراق البحري الوحيد، ويجري تصريف النفط الخام عبر موانئها).  اضافة الى قيام الحكومة بفرض ضرائب عالية على المواطن الفقير البائس وكأنها تريد الانتقام من المواطنين ،والضريبة ظاهرة حضارية في الدول المتمدينة والتهرب الضريبي في هذه البلدان يعتبر معيب ، لكن الضريبة التي تجبيها الدولة من المواطن ترجع له حيث يجدها في المستشفيات والاهتمام وتوفير مستلزمات الراحة للمرضى والادوية والاطباء الاخصائيين المتفانين بعملهم، يجدها في الطرق عندما تسير السيارة 180كم في السيارة لا يشعر الراكب انها تسير يتصورها متوقفة يجدها المواطن في التعليم حيث المدرسة تهتم بالطاب اكثر من اسرته والبنايات الحديثة والتدفئة والتبريد واخلاص المعلم والحرص على ايصال المعلومة الى الطالب ، يجدها في المواد الغذائية الرخيصة الصالحة للإستهلاك البشري . لكن هذا لانجده في البلدان النامية ومنها العراق الذي يعاني منذ خمس عشر سنة من غياب الركن الثالث من اركان الدولة ( الشعب ، الارض، الحكومة  أو الدستور) الحكومة ومع غياب الحكومة انتشرت الفوضى والاجرام والافلات من العقاب جعل المواطن لا يشعر بالامان وانعدام الثقة ، انتشرت الجريمة وظهرت جرائم غريبة على مجتمعنا كقتل الاب او الاخ او الام نتيجة انتشار المخدرات كنّا قبل عقود لا نعرف المخدرات حيث العراق كان من البلدان الخالية تقريبا من المخدرات ، كل هذه العوامل والاسباب دفعت المواطن ان يخرج مظاهرات عفوية بعد ارتفاع درجات الحرارة كانت ومازالت مطالب المتظاهرين سهلة التنفيذ وغير تعجيزية والحكومة بدل ان تتعامل مع المتظاهرين بروح رياضية واحترام لجأت الى العنف وسقط العديد من الشهداء وكلهم الذين استشهدوا اعمارهم دون 25 سنة والطامة الكبرى الحكومة تقول عنهم بعثيين !! وبذلك تحولت المظاهرات الى انتفاضة شعبية وحصلت مواجهات كنا لا نتمناها لان الهدف من الانتفاضة هو الاصلاح تقديم الخدمات الهدف رؤوس الفساد وليس القوات الامنية التي واجباتها حماية المنتفضين.