ميزانية بائسة

   بعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة البيئة "نجحت باستحصال موافقة مجلس الوزراء على تخصيص أربعة مليارات و929 مليون دينار لإنجاز البرنامج المذكور". وأكد بأن "هذه الموازنة ستسهم بتنفيذ جميع الأنشطة والمشاريع المحددة ضمن البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي" ("الصباح"،2023/3/1).

    لاحظوا.. بجهود مضنية تستحصل وزارة البيئة على قرابة 4 ملايين دولار لتنظيف العراق من التلوث الإشعاعي، ولتخليص الشعب العراقي من سيف الإشعاع المسلط على رقابه والمدمر لصحة وحياة أجياله، بينما هُدِرت، ونُهِبت مليارات الدولارات من خزينة الدولة وأموال الشعب، من قبل المافيات واللجان الأقتصادية للأحزاب المتنفذة ومليشياتها المسلحة، وتُنفق شهرياً ملايين الدولارات على حمايات المسؤولين والنواب، وملايين أخرى على المستشارين ووعاظ السلاطين، وثالثة على الفضائيين، ورابعة على الرفحاويين، وخامسة على الوقفين الشيعي والسني، اللذين بلغت مخصصاتهما  السنوية أضعاف مخصصات وزارات الصحة والبيئة والتربية والزراعة والصناعة، مجتمعة.

 ويتواصل "إعداد" اَليات التنفيذ وتشكيل الفرق

 بعد كل ما أعدته ونشرته الجهات المسؤولة من "خطط" و"إجراءات"، واصلت وزارة البيئة لغاية تموز 2022، حديثها عن "إعدادها لآليات تنفيذ الخطة الوطنية لازالة التلوث الاشعاعي". وكانت قد تمت خلال اجتماع عقدته لجنة الامر الديواني 26 لسنة 2021، برئاسة المستشار حامد الباهلي عضو هيئة المستشارين في رئاسة مجلس الوزراء، مناقشة اخر المستجدات بشان ازالة التلوث الاشعاعي، واعداد اليات تنفيذ خطة لازالته. كما ناقش المجتمعون آليات توفير التخصيصات المالية اللازمة لتنفيذ كامل البرنامج. ووافقت الامانة العامة لمجلس الوزراء على ادراجها ضمن موازنة عام 2022 ("نينا"،6/7/2021). 

    وبعد أكثر من 4 أشهر، أعلن د.الحسيني بإن مركزه " سيقدم الخطة الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لإقرار موازنة الفريق المكلف بتخليص العراق من آثار التلوث الإشعاعي، لا تتعدى الـ4 ملايين دولار"..

    تُرى، هل من المعقول تنفيذ أنشطة ومشاريع برنامج أزالة الأشعاع بمبلغ 4 ملايين دولار ؟ والحسيني نفسه أعلن: "لشركات الأجنبية يمكن أن تكلف العراق 500 مليون دولار في حال قامت بمسح إشعاعي لمحافظة واحدة"  (" الصباح"،27/11/2021)

    وفي نفس الشهر، أعلن د. عبد الكريم الفيصل رئيس هيئة المستشارين في رئاسة مجلس الوزراء عن "تشكيل فريق وطني لإزالة الملوثات الإشعاعية من جميع مناطق العراق"، وذلك بأمر من رئيس الحكومة، مؤلف من 4 جهات حكومية هي: وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجية والبيئة، ممثلة بمركز الوقاية من الإشعاع، وهيئة المستشارين. وان الخطة تنطلق من محافظة البصرة التي تضم أكثر من 28 موقاً ملوثاً بالإشعاع. جاء ذلك في برنامج تلفغزيوني  لـ "الحرة عراق"، في 24/ 11/ 2021، شارك فيه الحسيني  عن وزارة البيئة، مع د. حامد الباهلي عضو لجنة المستشارين التابعة لمجلس الوزراء و د.عقيل مريوش المشرف على تشكيلات النشاط النووي في العلوم والتكنولوجيا والمنسق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وناقشوا " الخطة الوطنية الحكومية لإزالة التلوث الإشعاعي"

     وفي تموز 2022،اعلنت وزارة البيئة، مرة أخرى، "إعدادها آليات تنفيذ الخطة الوطنية لازالة التلوث الاشعاعي "("إينا"،6/7/2021 ). وليس واضحاً فيما إذا إنتهت تماماً مهمة الإعداد لحد اليوم.

 لا تفاصيل وافية ولا ضمانات مكفولة

 بالعودة لـ"الخطة الوطنية لإزالة التلوث الإشعاعي في العراق"، التي أقرّها مجلس الوزراء، وحدد فيها ادوار الجهات الوطنية المسؤولة عن الخطة، وتوفير مستلزمات إنجاحها لتحقيق الهدف منها- "اعلان العراق خاليا من اثار التلوث الاشعاعي باليورانيوم "المنضب"، وازالة اثاره عن البيئة والانسان ، في سعي حكومي جاد لمعالجة هذه الاثار"("إينا"،21/1/2024).

    لم نجد للخطة تفاصيل وافية متاحة للعامة. و هذه سلوكية سلطوية ممنهجة تُمارس طيلة العقدين المنصرمين من قبل غالبية أجهزة الدولة لتحريم الوسط العلمي العراقي من المشاركة بالإطلاع والمناقشة والإغناء.. وكل ما عرفناه عنها هو ما أعلنه مركز الوقاية من الإشعاع من أنه " تم تبنيها في كانون الثاني 2024"، وان مديره العام "إجتمع مع ممثلي هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، ومديرية ادارة النفايات بهيئة الطاقة الذرية، والهيئة العراقية للسيطرة عن المصادر المشعة، وبحضور مدراء الاقسام للمركز، لـ"مناقشة تحديث الخطة في عموم المحافظات العراقية"(المصدر السابق)..

    ولم يوضح المركز أوجه التحديث..

    وفي 20/3/2024،أعلن مركز الوقاية من الإشعاع ان مديره اجتمع مع خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، بحضور ممثلي عن الهيئات الرقابية والتنفيذية الوطنية المعنية بإدارة هذا الملف، وتم الاتفاق على تعزيز ودعم القدرات الوطنية في مجال تطوير قدرات ادارة ومعالجة النفايات المشعة والتخلص منها وفق احدث التقنيات العالمية، وتصفية المنشآت النووية العراقية، وذلك من خلال برامج التعاون التقني مع الوكالة الدولية ..

    وان مسؤول برامج التعاون التقني لجمهورية العراق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في الوكالة الدولية  أكدوا "على تسخير الامكانيات الدولية من اجل دعم العراق في هذا المجال"..

    ولم يتضح ما هو الجديد في هذا الموضوع الذي يجري تناوله طيلة 16 عاماً، ولم تنته إزالة الإشعاع.

    وفي نيسان 2024، أُعلن بان " العراق يؤشر خلو 59 موقعاً من التلوث الإشعاعي"، و" خلو الهواء من اي ملوثات إشعاعية- وفق البيانات المسجلة". وأعلن المدير العام لمركز الوقاية من الإشعاع: "لا توجد مساحات واسعة ملوثة بالإشعاع في العراق، وإنما بقيت 10 مواقع فقط تتراوح مساحتها بين (20 - 25) دونماً في عموم البلاد" ("الصباح"،4/4/2024)..

    إذا بقيت حقاً 10 مواقع فقط، فلماذا إذاً الإستعجال بإعلان العراق خالياً من الإشعاع ؟

   أليس الأولى والأهم إنجاز المهمة أولآ وبعدئذ التباهي وبحق بالإنجاز ؟

   وأين هي الضمانات الأكيدة لإنجاز المهمة قريباً وكلياً ؟

  إعلان خلو البصرة من الإشعاع أكثر من مرة

 أسلفنا بأن مركز الوقاية من الإشعاع كان قد نفى في تقريره لشهر حزيران 2010 وجود أي تلوث إشعاعي في عموم العراق.. وفي عام 2021 تم إعلان " خلو البصرة من التلوث الإشعاعي". ولم يكن هذا الإعلان الأول، وإنما سبقته إعلانات عديدة. وفي أيلول 2021،أعلنت الحكومة العراقية خلال مؤتمر في البصرة عن خلو محافظة البصرة من التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب" (Indipendent" عربية" ،27/9/2021).وفي تشرين الثاني أعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا: "إزالة ومعالجة التلوث الإشعاعي في البصرة " (" الفنار للإعلام"،13/11/2021)..

    والمفارقة انه بعد عدة أيام أعلن رئيس هيئة المستشارين عن: " تشكيل فريق وطني لإزالة الملوثات الإشعاعية من جميع مناطق العراق، وأن الخطة تنطلق من محافظة البصرة". وفي نفس اليوم أعلن مدير مركز الوقاية من الإشعاع  "خلو البصرة تماماً من الإشعاع "(" الحرة عراق"،24/11/2021).

    وفي اَذار 2022 نفت وزارة البيئة من جديد وجود تلوث إشعاعي في العراق (" المدى"،9/3/2022)، وفي نيسان 2024،أعلن المدير العام، للمرة الثالثة:" خلو محافظة البصرة من الإشعاع بعد أن كانت أكثر المحافظات تلوّثاً به " ("الصباح"،23/4/ 2024).

   وهنا تطرح نفسها التساؤلات التالية:

*  مَن نُصدق من البيانات المذكورة ؟!!

*  مَن مِن التواريخ التالية: أيلول 2021 ، تشرين الثاني 2021 ، نيسان 2024، هو تأريخ إعلان البصرة  " نظيفة تماماً من الإشعاع " ؟!!

*  وكيف، أي بأي اَلية نُظِفت المحافظة كلياً ؟

*  وكم هو العدد الحقيقي للمواقع التي تم تنظيفها في البصرة ؟.. إذ يقول مركز الوقاية من الإشعاع هي 23 موقعاً، وتقول "الحرة عراق" 28، ويؤكد أحد الخبراء البصراويين ان  مجموع المواقع الملوثة  بالإشعاع في البصرة هي أكثر من 105 مواقع..

    وذات الشيء ينطبق على الأعداد الحالية للمناطق الملوثة بالإشعاع في عموم البلاد. فمرة يقولون46 ومرة 36 ومرة 40، الخ. بينما أكد مسح جوي لفريق علمي أجنبي وجود أكثر من 140 موقعاً في 7 محافظات. ومؤخراً أشر مركز الوقاية من الإشعاع: " خلو 59 موقعاً ملوثاً بالإشعاع في البلاد"(" الصباح" ،4/4/2024). .

    فماذا يعني هذا التناقض في الأرقام ؟

عرض مقالات: