إستجابة للدعوى المرفوعة أمامها من قبل دولة جنوب أفريقيا ضد دولة الإحتلال الإسرائيلي، متهمة إياها بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ومخالفتها لإلتزامها بإلإتفاقية الدولية لمنع جرائم الإبادة الجماعية، الموقعة عليها، عقدت محكمة العدل الدولية جلستين يومي 11 و 12 كانون الثاني الجاري، خصصت الأولى لمرافعة المدعي- جنوب أفريقيا، والثانية لدفاع المدعى عليه- إسرائيل.
إستندت جنوب أفريقيا في الدعوى المؤلفة من 84 صفحة الى "أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها التي تحمل طابع إبادة جماعية لأنها مصحوبة بالنية المحددة لإبادة فلسطينيي غزة تدميرهم كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الأوسع أي الفلسطينيين، فقتلت اَلاف المدنيين وأصابت اَلاف أخرين وقامت بتدمير كافة البنى التحتية في قطاع غزة، وهدمت البيوت والعمارات والمدارس والمساجد والمستشفيات على رؤوس المدنيين، ومنعت عنهم الماء والكهرباء والغذاء والأدوية.وهجّرت نحو مليون مدني فلسطيني من القطاع، وقتلت المئات منهم في المناطق التي أمرتهم بالإنتقال إليها.
وطالبت جنوب أفريقيا من المحكمة ان تتخذ تدابير وقائية/ إحترازية عاجلة لحماية المدنيين وأولها إيقاف العمليات العسكرية في غزة فوراً. وقدم الفريق القانوني لجنوب أفريقيا، المؤلف من خبراء قانونيين، برئاسة وزير العدل، أسباب موجبة قوية- برأي خبراء في القانون الدولي، موضحاً بان الوقف الفوري للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة، وحماية المدنيين من سكانها الذين يبلغون 2 مليون و 300 ألف نسمة، لهو أمر هام وضروري وعاجل، لأن ما يجري في غزة الآن ومنذ السابع من تشرين الأول الماضي، ونتيجته قتل إسرائيل حتى الآن لأكثر من 23 ألف مدنياً،غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وأصابة نحو 60 ألف اَخرين، هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتُرقى لمصاف جرائم الإبادة الجماعية.
وأكد الفريق القانوني بالأدلة القاطعة ان هذه الجرائم هي جزء من القمع الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدار عقود طويلة.وفي ضوء حجم الدمار في غزة واستهداف المنازل والمدنيين، أصبحت الحرب حرباً ضد الأطفال. وكل ذلك يلقي الضوء على نية الإبادة الجماعية ووضعها حيز التنفيذ، وهو ما يشير بوضوح إلى أن المستهدف من هذه الحرب هو تدمير الحياة الفلسطينية. وان القصد الواضح هو تدمير حياة الفلسطينيين. وأن السمة المميزة للقضية هي تكرار وإعادة خطاب الإبادة الجماعية في كل مجالات الدولة في إسرائيل.وهو سلوك معروف لأجهزة الدولة ووكلائها وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها. وهو ما يشكل انتهاكا لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
وأكد الفريق فشل إسرائيل في منع الإبادة الجماعية، وفشلها في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية من قبل كبار مسؤوليها. وبالمقابل، أعلنت قبولها بالمثول أمام المحكمة لمواجهة ما أطلقت عليه "الاتهامات السخيفة التي لا أساس لها، الموجهة لها من قبل جنوب أفريقيا"، متجاهلة تأكيد معظم المنظمات الحقوقية وذات الطابع الإنساني والإغاثي، مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، وأطباء بلا حدود، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)الأونروا ( ، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، والصليب الأحمر الدولي، للطابع الإجرامي للأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد السكان المدنيين، وحتى ضد موظفي هيئات الإغاثة الدولية. فعلى سبيل المثال، أعلنت الأونروا" ان الحرب الإسرائيلية على على قطاع غزة المحاصرة وجسامة الموت والدمار والتهجير والجوع والخسارة والحزن، في الـ 100 يوم الماضية، تُلطخ إنسانيتنا المشتركة".
وهكذا، كشف الفريق القانوني لجنوب أفريقيا الودجه الحقيقي البشع لإسرائيل ولتمثيلها دور الضحية.
في اليوم الثاني للمحكمة، قدمت إسرائيل دفاعها عن الإتهامات الموجهة لها في الدعوى، وقد فشل فريقها القانوني، المؤلف من خبراء قانونيين دوليين، في سعيه المحموم للإفلات من تهمة الإبادة الجماعية، مقدماً
، برأي خبراء في القانون الدولي، دفاعاً ضعيفاً وبائساً وبعيد كل البعد عن الواقع والحقائق، ويتضمن ثغرات كبيرة.. دفاعا سياسياً، لا قانونياً، تارة يستجدي العطف بإسم المحرقة النازية لليهود أمام المحكمة التي تأسست من إجلها ومن أجل منع تكرارها، وتارة أخرى أراد إيصال تحذير لامحكمة. من أنها تنظر في قضية " ليست" من إختصاصها أو من صلاحيتها، محاولآ التشكيك بالإجراءات الشكلية للدعوى أمام المحكمة ببعد خطابي وليس قانونياً..
في جوهر الدعوى، لم تفلح إسرائيل بتفنيد إتهامها الموثق بالأدلة بتوفر النية في إرتكاب الإبادة الجماعية للفلسطينيين، حيث لم تقدم أي دليل مقنع يبرر جرائمها بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة التي ترقى الى مصاف جرائم الإبادة الجماعية، بالإستناد الى أحداث الحرب على سكان غزة ووفقاً للأتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية، وللقانون الإنساني الدولي.
وفشلت إسرائيل في الرد قانونياً على طلب جنوب أفريقيا من المحكمة إتخاذها الإجراءات الإحترازية لإيقاف العمليات العسكرية على غزة وحماية المدنيين الفلسطينيين.
وفشل فريقها القانوني بالتدليل قانونيا على زعمه:" ما قامت به إسرائيل هو دفاع عن النفس، ولم توجد لديها النية لإبادة المدنيين الفلسطينيين، وإنما حماس هي من يريد إبادة الشعب الإسرائيلي". وكرر بان "الإجراءات الإحترازية المطلوبة تريدها جنوب أفريقيا لحرمان إسرائيل من حق الدفاع عن النفس، وجعلها عاجرة عن الدفاع عن النفس"(كذا!!!).وهم يعلمون ان المحتل لا يحق له الدفاع عن النفس، وفق القانون الدولي.
وبكل صلافة وغباء قال القانونيون الإسرائيليون:" كل ما قامت به إسرائيل لا يستوجب النظر أمام المحكمة الدولية، لأن الجيش الإسرائيل هو أكثر جيوش العالم أخلاقياً، والقضاء في إسرائيل مستقل، ويمكن رفع الدعاوى المدنية أو العسكرية إليه ".. .
عموماً،تقييم الرد الإسرائيلي إختصره خبير قانوني دولي بانه: رد المهزوم والمذعور والمفلس والكذاب والمفتري، الذي سعى وحاول نكران إرتكاب الإبادة الجماعية اليومية التي يشاهدها ملايين البشر في أرجاء العالم على شاشات القنوات الفضائية يومياً.
وعلق رئيس الفريق القانوني لجنوب أفريقيا في مؤتمر صحفي: لم تكن إسرائيل متوازنة أمام محكمة العدل الدولية، وكانت تردد أكاذيب وتوجه الإتهامات الواهية، ساعية لتبرير جرائمها، ولكنها فشلت،إذ لم تقدم أي دليل مقنع على إتهامها للفلسطينيين.وإجمالآ لم تقدم ما يبرر جرائمها التي تُرقى لمصاف الإبادة الجماعية وفق الإتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية..
وكتب الصحفي الجنوب أفريقي، توني كارون، في "الغارديان"، يقول إن شبح العزلة الدولية الذي طالما تخوّف منه قادة إسرائيل ظهر أخيرا في محكمة العدل الدولية.ورأى أن معظم هؤلاء القادة الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعون أن يأتي ظهور هذا الشبح بموجب دعوى قضائية ترفعها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
ولفت الكاتب إلى ما أظهرته تصويتات جرت مؤخرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة من "صدمة المجتمع الدولي من وحشية إسرائيل في غزة، ورغم تلك الصدمة لا يزال هذا المجتمع غير قادر على اتخاذ أي خطوة".
ورأى كارون أن ما يجعل خطوة جنوب أفريقيا استثنائية هو حقيقة أن "اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية يعني بالتبعية اتهام مَن يقدّم لها الحماية والتمكين الدبلوماسي -الولايات المتحدة- بالتواطؤ في جريمة هي الأسوأ بين الجرائم".
وأكد خبراء في القانون الدولي بأن الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس المختل عقليا جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزير دفاعه لويد أوستن، ومساعديهم، جميعهم يُعتبرون مجرمي حرب، وذلك لدعمها السافر لحكومة مجرم الحرب الصهيوني الفاشي نتنياهو،عسكرياً، ولتزويدها بكل أنواع الأسلحة الفتاكة حتى المحرمة دوليا، وإستخدامها ضد المدنيين والأطفال،وتوفيرها الغطاء الدبلوماسي إثناء إرتكابها للفضائع بحق المدنيين الفلسطينيين، وشلها المساعي الدولية لأيقاف المجازر الإسرائلية الهمجية اليومية في غزة.وهذا ما فعلته في إجتماع مجلس الأمن الدولي، مستخدمة حق النقض/ الفيتو،ضد مشروع قرار يدعو لوقف الحرب لأسباب إنسانية، والذي عقب عليه لويس شاربونو، مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في الأمم المتحدة، قائلآ: "حق النقض الذي استخدمته الولايات المتحدة منع مجلس الأمن الدولي من القيام ببعض الإجراءات التي تطالب بها واشنطن نفسها، بما في ذلك الامتثال للقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين وإطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين كرهائن"..وأكدد أنه من "خلال الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة والغطاء الدبلوماسي أثناء ارتكابها الفظائع، بما في ذلك العقاب الجماعي للسكان المدنيين الفلسطينيين في غزة،، فإن الولايات المتحدة تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب"...
الى هذا، لابد من الإشارة الى تزايد الدعم الدولي بشكل متسارع لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل ولإتهامها بالإبادة الجماعية في غزة. فقد أيدت الدعوى 21 دولة، هي: تركيا وأيران وباكستان وماليزيا وبنغلاديش وناميبيا وإندنوسيا وكوبا وبلجيكا وجزر المالديف وتشيلي وبوليفيا وفنزويلا والبرازيل ونيكاراغوا وكولومبيا وجيبوتي وجزر القمر، والأردن وليبيا و العراق .
أما فرنسا وكوستاريكا ومفوضية الاتحاد الأوروبي فقد أدلت بتصريحات تفيد بأنها ستدعم عملية التقاضي في محكمة العدل الدولية وقرار المحكمة، دون الإدلاء ببيانات تدعم جنوب إفريقيا بشكل مباشر.
ومن المنظمات الدولية المؤيدة للدعوى: منظمة العفو الدولية، المجلس التقدمي الدولي، التحالف الدولي لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين، ومنظمة االتعاون الأسلامي وجامعة الدول العربية.ونشير هنا الى ما أعلنه مكتب حقوق الإنسان:" إسرائيل تعرض نفسها للمسؤولية عن جرائم حرب بسبب سير عمليتها في غزة". وكررت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة على أسس إنسانية وحقوقية، وذلك "لإنهاء المعاناة المروعة والخسائر في الأرواح، والسماح بالإيصال السريع والفعال للمساعدات الإنسانية إلى السكان الذين يواجهون مستويات صادمة من الجوع والمرض".
ودعا تحالف سوبار وحزب بودوموس وأكثر من 250 شخصية حقوقية، بينهم قضاة ومحامون وأكاديميون،الحكومة الإسبانية للإنضمام الى البلدان الداعمة لدعوى جنوب أفريقيا ضد الجرائم الإسرائيلية.
وطالب حزبا اليسار البيئة الحكومة السويدية بالوقوف الى جانب جنوب أفريقيا في إتهاماتها لإسرائيل. وطالب جيريمي كوربين، الرئيس السابق لحزب العمال المعارض في بريطانيا، حكومة بلاده بدعم دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية.
وفيما أعلنت الولايات المتحدة (كالعادة) والمجر وباراغواي وغواتيمالا معارضتها للدعوى القضائية، أعلن 200 أكاديمي وخبير في القانون الدولي، معظمهم من جامعات أميركية عريقة، تأييدهم الدعوى ضد حكومة إسرائيل، لانتهاكها اتفاقية منع الإبادة الجماعية .وجاء في الرسالة التي يجري التوقيع عليها من الخبراء: " باعتبارنا باحثين وممارسين في القانون الدولي، ودراسات الإبادة الجماعية، والدراسات الدولية، والمجالات المماثلة المتعلقة بالعدالة العالمية، فإننا نؤيد طلب جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية كخطوة نحو وقف إطلاق النار الضروري في غزة، وتحقيق العدالة في فلسطين".
فتحية إجلال وإكبار وإمتنان لأحفاد منديلا الشجعان،فخر جنوب أفريقيا، لدورهم القانوني المهني الرصين في تعرية جرائم إسرائيل النكراء أمام محمكة العدل الدولية ، وتضامن حكومته غير المحدود مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، في وقت يصر الحكام العرب على مواقفهم الجبانة والمتواطئة المخجلة، وأغلبهم لم يعلن حتى الآن تأييده لدعوى جنوب أفريقيا !
أكاديمي عراقي متقاعد، مقيم في السويد