لا خير في وعد إذا كان كاذبا
ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
تعودنا نحن العراقيين على مماطلة قادتنا التنفيذيين والتشريعيين في حقوقنا، والأخيرون بدورهم تعودوا على نسيان أو تناسي انتخابنا إياهم بالأمس، ووجه المماطلة اليوم صار أشبه بـ (وجه چينكو) بعد أن غضوا النظر عن الحرام، وتخلوا عن العيب وغير الجائز، وجفت من جباههم قطرة (المستحا). فشمروا عن سواعدهم وأذرعهم الأخطبوطية، وراحت أباليسهم تتحالف مع شياطينهم، وتداخل حابل أخيارهم مع نابل أشرارهم، فما كان من الأخيرين إلا أن ينخرطوا مع الأولين، فصار الجميع بقضهم وقضيضهم أشرارا، ومن المؤكد أن قوما مثل هؤلاء لن ينضح إناؤهم إلا بما فيه، ومعلوم أن "كل إناء بالذي فيه ينضح".
إزاء هذا هم على عجالة في جني الأرباح والفوائد سحتا، وإتمام سرقة المواطن حتى آخر سنت في خزينة البلاد، وقد لاأكون المتعجب الوحيد والمتسائل الفريد، عن تصرفات ساستنا وصناع قرارات حياتنا ومستقبلنا، إذ كيف يغمض لهم جفن ويهدأ لهم بال، وهم على علم بملايين الأفواه الفاغرة التي قلما تكتمل لديها وسائل العيش بالحد الأدنى، ومن المؤكد ان أصحاب الأمر والنهي في مراكز قيادة إدارات البلد، على دراية بأعداد الأطفال الذين لم يتذوقوا فرحة الأمان والاطمئنان في بلدهم، إذ أن كثيرا منهم لم تصلهم رائحة الفرح إلا بنزر لا يكاد يذكر، مع أننا في بلد يفيض نهراه حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع فيه مصادر الخيرات والثروات بما لاتقف عند رقم معين، في باطن أرضه وفوقها، وفي مياههه وجباله وأهواره، ومع كل هذا لم نلمس أي تغيير من الذي يتشدقون بأن الخير آتٍ منذ عام 2003 حتى ساعة إعداد هذا المقال.
وأظنهم قد استهلكوا (السين المستقبلية) ومفردة (سوف) من شدة ولعهم بهما، وتكرارهما في كل مقام ومقال وتصريح وحديث ولقاء. وأراهم قد سبقوا بإخلاف المواعيد "عرقوب"، وجاوزت شهرتهم شهرته في المماطلة والتسويف، كذلك هناك من الشبه الكثير بين أولي أمرنا من الساسة الحاكمين في مفاصل البلد، وبين قصة "كمون".
وكمون هذا نبات لايحتاج من السقي إلا قليلا، فكان الفلاحون يتجاوزنه عند سقيهم مزروعاتهم. وتزعم حكاية ان كمون احتج مرارا وتكرارا، وطالب بالعدالة ومساواته بباقي المزروعات في السقي، وكان الفلاحون يعدونه خيرا. إلا أنهم يخلفون الوعد دائما، وقد قال شاعر في هذا:
لاتدعني ككمون بمزرعة
إن فاته الماء أغنته المواعيد
وهذا عين مايفعله القائمون على حكمنا، حتى كأنهم يخاطبون المواطن بمثلنا الشعبي: "أواعدك بالوعد واسكيك ياكمون". ومن الغريب والعجيب أيضا، أن المماطلين بالمواعيد لايهمهم ما يعانيه المواطن من شظف في عيشه، وتدن في أبسط مستحقاته وحقوق المواطنة، وهو الذي انتخبهم في أعراس انتخابية فيما سبق، وقد هموا إلى حصد الأفراح متعجلين بتحالف هنا وتآلف هناك، مقابل هذا دفعوا المواطن قسرا الى الندم على ماوضعه في صناديق الاقتراع، وصار يطلق الزفرات والحسرات على شخصية أو حزب أو تحالف، كان قد وضع أمامها علامة (صح)، فهو يردد اليوم:
بيه حسرة بكد مواعيد الغرام
من اهدهه بوجه واحد يشتعل
وعندي دمعة بعيني اذا ادنك تطيح
وعندي قصة ضيم ابد ماتنحمل