من طبيعة بعض الأمم أو الدول، ذات الحكومات التي على رأس سلطتها، شخص أو مجموعة أشخاص ذوو نزعة شريرة وعدوانية، وليس لديهم أية توجهات حضارية، أو أي حس إنساني، وهذه في الحقيقة هي من أخلاقيات وممارسات الأنظمة الرأسمالية، التي لا يهمها الشعوب، ولا قيمة للإنسان في مفاهيمها، الشئ المهم بالنسبة لها هي المنافع، ولا شئ غير ذلك.

  فعندما يجدون أنفسهم، أنهم متمكنون من القوة والقدرة، لِكونهم يمتلكون كل إمكانيات التسليح المتطورة، من آلات الحرب المتقدمة، وكل العدة والعتاد التسليحي، عندئذ يتكون لديهم شعور بالتفوق والغطرسة والغرور والاستعلاء على

 الآخرين، مما تدفعهم النرجسية المفرطة، والنزعة الشريرة، والروح العدوانية في استعباد شعوب اخرى والتآمر عليها واغتصاب أراضيها، وسلب ونهب خيراتها، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن هذه الحكومات ذات النزعة الشريرة والعدوانية تريد توسيع رقعة سلطتها وهيمنتها.

وهذا ما ينطبق على الدول العظمى، كما هو معروف في سجل تأريخها الاستعماري الدموي.

(إنَّ الْمُلُوكَ إٍذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ..)  {النمل: 34}

ومعلوم أن فرض الهيمنة لا يتم تحقيقها إلاّ بالغزو، والحرب والبطش والقتل وسفك الدماء والخراب والدمار، وكل الممارسات القمعية والوحشية، لترهيب الشعوب، وكسر ارادة المقاومة التي تواجههم.

 وفي المقابل، ومما لا شك فيه لا توجد أيّة أمة أو شعب إطلاقا، يقبل الذل، وأن تكون مستعبدة، ولا تسمح للغزاة بجيوشها الغازية، وفسح المجال لها، وتركها تفعل بما تشاء، وتسرح وتمرح من دون رادع، ولا يتم كل ذلك من دون مقاومة تتصدى للعدوان.

 فمثل هذا الشئ لم يحصل، ولا يمكن تصوره، وهذا غير وارد في قاموس الحروب، لا قديما ولا حديثا، مهما كانت قسوة العدو وهمجيته وبطشه، وقوته التسليحية.

كما لم يحدث مثل هذا، ولم نجد أية أمة، حتى في عالم الحيوانات لا تقبل الاعتداء عليها، أو تجاوز حدود محيط بيئتها، وإذا ما تعرضت لأي عدوان، فإنها ستدافع عن نفسها، وعن صغارها.

 

وخير دليل على وجود المقاومة في الدفاع عن النفس في مواجهة الخطر، والحفاظ على استمرارية الحياة، والوجود، وأبسط مثال على ذلك، وهو يعتبر من اسس ديمومة واستمرارية الحياة، وكل كائن حي يولد ومعه طاقته المقاومة التي تحميه، وهوما نعرفه بجهاز المناعة، ودوره في حماية الجسم من الأجسام الغريبة الضارة، فيؤدي دوره في الدفاع عن الجسم، ومقاومة الميكروبات بشكل ذاتي.

وهذا أمر مسلم به، ولا نقاش فيه.

وقبل التوسع في مسألة المقاومة، فلنبدأ في تعريفها، ومعنى المقاومة لغويّاً:

مقاومة: (اسم)

مصدر قاومَ

صعوبة تواجهها قوة معينة

مقاومة التجربة: المعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير

ومقاومة الكائن الحي، هي قدرته على أن يدرأ عن نفسه كل خطر.

إذاً المقاومة: هي المعارضة، وعدم تقبل أي شئ يحمل في طياته الضرر، ورفض الخضوع لإرادة مفروضة بالقوة.

ومن أنواع المقاومة:

المقاومة الفطرية (الغريزية): وهي القوة الكامنة لدى الكائن الحي في الدفاع عن النفس (الوجود) من أي خطر.

ثانيا المقاومة الحسية الواعية: وهي القوة التي تنطلق من الوعي الحسّي، والأدراك الواعي بقيمة الوجود وأبعاده.

ثالثا المقاومة المركبة: وهي تتكون من المقاومة الفطرية

 (الغريزية) الذاتية، (أي المقاومة اللا إرادية)، والمقاومة الحسية الواعية، الإرادية، وهو تصدي العدو ومعرفته، عن دراية ومعرفة، واتخاذ الاسلوب الناجع في مواجهته.

فالمقاومة الغريزية هي تلك الطاقة الفعّالة في استخدام وسائل دفاعاتها الحسية والعضوية التي تمتلكها للحفاظ على ديمومة وجودها والاستمرار في الحياة الآمنة، وهذه القوة الدفاعية تأتي بإيعاز من الجهاز العصبي، والجهاز الهرموني ومنه

(الأدرينالين).

والرغبة الفطرية في البقاء على قيد الحياة، هي موجودة في كيان كل كائن حي، ومقاومة كل ما يهدد حياتها للخطر.

وهذا فيما يخص مسألة الحياة والاستمرارية في مواصلتها.

وإذا ما نظرنا الى المجموعات البشرية البدائية التي تعيش في غابات الأمزون، أو في أماكن أخرى، مثل آسيا، أو أفريقيا، فهي كذلك لا تقبل الاعتداء عليها، أو التجاوز على حدود مساحة بيئتها التي تعيش فيها، ضمن نطاق نمط حياتها الخاص بها.

وهذه مسالة طبيعية في حب الذات والدفاع عن النفس في مواجهة أي خطر يهدد حياتها ووجودها.

كل هذا الذي تناولناه أعلاه هو بشكل عام فيما يتعلق بالحياة البسيطة، والتمسك بها غريزيّا، وهو ما يُطلق عليه بالصراع من أجل البقاء بمعزل عن الوعي والأدراك.

أما بالنسبة  للإنسان الحضري الذي يمتلك إدراكا حسيّا  على مستوى عال من الوعي  ومعرفته بكل مقومات الحياة المدنية ، المبنية على  المواطنة والانتماء للأرض التي عاش فيها الآباء والأجداد، والتأريخ الذي تركوه له ، واللغة والعادات والتقاليد والفلكلور، والثقافة، والأعراف الاجتماعية المتوارثة، كلها مجتمعة، تشكل منظومة حسيّة  في ذاكرة الأنسان ، وهو الشئ المهم في بناء شخصية الأنسان  في الاعتزاز بنفسه  وكرامته ، ويمثل الطاقة الفعالة في  صد اي اعتداء ، ومقاومته ، وتسمى  كل تلك ، بالذاكرة الفردية ، التي تولد من الذاكرة الجمعية ، المتمثلة في الذاكرة المجتمعية، وكما يقول عالم الاجتماع الفرنسي  موريس هالبفاكس ( 18877- 1945) :

" ان الذاكرة، حتى تلك الأكثر خصوصية وفردية، تفترض أُطراً يوفرها المجتمع للفرد، ومن دونها لا يمكن لهذا الأخير أن يبني ذاكرة وماضياً خاصّين به.. " . وكذلك يشير هالبفاكس أيضا

  " الى أن الذاكرة الجمعية تتشكل من تعاضد بين الذاكرات الفردية"، أي بمعنى أن الذاكرة الفردية هي حصيلة الذاكرة الجمعية، والتي تنعكس بدورها لتكون ذاكرة مجتمعية، فيكتسبها الفرد لا شعوريا لتتبلور لديه ذاكرة فردية.

فإلى جانب المقومات التي ذكرتها آنفاً (المواطنة، الانتماء للأرض، التأريخ، اللغة، العادات والتقاليد، الفلكلور، الثقافة)، فكل هذه المقومات بمجموعها تشكلت لدى الفرد لترسم له (الذاكرة الفردية)، وهي أهم ما يربط الأنسان بوطنه الذي يضحي ويموت من أجله.

فكلا الذاكرتين، تُشكلان العقل الجمعي الذي ارتبط صميميّاً بمقومات مجتمع متراص مترابط، والفرد فيه بالنسبة للآخر كالبنيان المرصوص، وبهما يكون سدّاً منيعا ً أمام العدو، وقوة تحميه من أي اعتداء خارجي يريد النيل منه أو مسّ كرامته بسوء. 

وكما قلنا إن الحروب التي تشنها قوى الشر الطامعة في خيرات الأمم والشعوب الأخرى، لا تفهم قيمة وأهمية الذاكرة الفردية، والذاكرة الجمعية، اللتين تُعتبران أهم وأقوى سلاح معنوي، ومن ثم السلاح المادي وأدوات المقاومة الدفاعية والهجومية، وبكل هذا حتماً ستواجه بقوة من قِبَل المدافعين عن أرضهم ووطنهم، والتصدي للعدو مهما كانت قوته وعدده، وأساليبه القمعية.

 ومن المعروف والشائع أن اي عدوان على أمة أو جماعة يتصدى له الرجال، شيباً وشبابا، وهذه القوة المقاومة التي تقف بوجه العدو، تحمل كل ما أمكنها، وما لديها من سلاح للقتال، ولمقاومة   الغزو والعدوان الذي تتعرض له. 

ولكن إذا ما امعنّا النظر في تأريخنا المعاصر وحروب التحرير في العالم، وما قامت به المقاومة ضد المستعمرين والغزاة، فسنجد أن هناك نساء في قمة البطولة والشجاعة، رسمن أروع الملاحم البطولية التي سطّرتها المرأة في سجل المسيرة النضالية التحررية، وللأسف لم يُسَلّط الضوء بشكل أوسع، أو بالشكل المطلوب، على ما قدمته المرأة من ملاحم بطولية أسطورية في التضحية والمقاومة في مسيرة النضال التحرري.

وهنا لا يسع المجال في الخوض بالشكل الأوسع في نضالات المرأة، ولكن هناك مناضلات على سبيل المثال لا الحصر، يًحار المرء في ما يقرأ عن بطولاتهن وشجاعتهن وصمودهن أمام العدو واساليبه الوحشية البربرية والقمعية، وهن يقفن بإرادة فولاذية لا تنكسر ولا تنحني.

فتلك الفتاة التي للتو دخلت ربيعها الخامس عشر ، حين تعرضت بلادها للغزو من قِبَل القوات الفاشية والنازية عام 1941، إثناء الحرب العالمية الثانية، وهي بهذا الربيع الخامس عشر ، حملت قلبها على كفها وتقدمت للانضمام الى حزب أنصار بلادها  في القتال ضد النازيين ، وقد حركتها   الطاقة الخلاقة، والحس الثوري الواعي ، المتوهج من روح المبادئ التي تغذت عليها ونمت ، فاستنارت بالفكر الذي استلهمته من بيئتها  وبالأخص عائلتها التي كانت المثل الأعلى  لها، والقدوة في النضال والتضحية ، فتقدمت تلك الفتاة  في الصفوف الأمامية في مقاومة العدو النازي .

وفي إحدى المعارك في شهر شباط 1943، وبينما هي تحاول إنقاذ 150 امرأة وطفلا، كانوا يبحثون عن ملاذ آمن من القصف وإطلاق النار، فواجهت هجوم من بعض جنود العدو النازيين الألمان، فقاومتهم بكل بسالة وشجاعة، وقتلت عددا منهم، حتى نفذت ذخيرتها، مما وقعت في الأسر.

وبعد أن ألقي القبض عليها، تعرضت لأقسى، وأبشع صور التعذيب، لانتزاع اعترافات على رفاقها في المقاومة، وعن الحزب الذي تنتمي اليه، وأسماء الرفاق، وأماكن تواجدهم.

فكانت الشجرة الشامخة القوية التي يصعب على الجلادين النيل منها، أو تحريكها، أو زحزحتها عن ثباتها، حتى أصدروا حكم الإعدام عليها شنقا.

وبعد أن تم إحضارها في شباط 1943 الى المشنقة التي شُيّدت على جذع شجرة، واعتقد الجلادون انها ستخاف ابنة 17 ربيعا

عند وضع حبل المشنقة على رقبتها، وفي اللحظات الأخيرة عُرض عليها العفو وإطلاق سراحها، إن اعترفت، وكشفت لهم عن أسماء رفاقها، أو أية معلومات تفيدهم.

لكن ليبا راديتش الشابة اليوغسلافية بكل صلابة وشجاعة، ردّت على الجلادين بكلمات خلدها التأريخ بحروف من ذهب:

” أنا لست خائنة لشعبي، أولئك الذين تسألون عن أسمائهم سيكشفون عن أنفسهم عندما يأتون لقتلكم جميعاً. عاش الحزب الشيوعي وأنصاره! حاربوا أيّها الناس من أجل حريتكم ولا تستسلموا! سوف أقتل، لكن هناك مَنْ سينتقم لي "

وبهذا تم شنقها، ولكن لم يستطع الجلادون أن يشنقوا الروح التحررية والنضال من أجل الحرية والعدالة الإنسانية.

وتلك النجمة المتلألئة الأخرى في سماء الحرية، والشعلة الوهاجة في طريق ذات الشوكة، والأمل النابض في قلوب الأحرار الثائرين، إنها المناضلة الفتاة ابنة العشرين ربيعا، فكانت الكوكب الدري في افق النضال التحرري، فتغنى بها كبار الشعراء، كالسياب ونزار قباني والجواهري وصلاح عبد الصبور وشعراء كثر.

قالوا لها بنت الضياء تأملي         ما فيك من فتن ومن انداء

سمراء زان بها الجمال لونه       واهتز روض الشعر للسمراء

هذه الفتاة ابنة العشرين ربيعا، حين رأت ابناء شعبها هبوا لمقاومة المستعمر وطرده، فانضمت الى جانب الثوار في جبهة التحرير الوطني في نوفمبر / تشرين الثاني 1956.

فسجلت أروع صور النضال والمقاومة، والدور البطولي الذي القى الهلع والرعب في قلوب جنود المستعمر، حيث كان شغلهم الشاغل، والمسألة الأهم في إلقاء القبض عليها.

وبعد أن حوصرت من قبل العدو، واصيبت برصاصة في كتفها، صرخت، إشارة منها لرفاقها ليتمكنوا من الهرب، وتم إلقاء القبض عليها.

فعُذبت اشد وأبشع أنواع التعذيب، لمدة 17 يوماً، لكنها بقيت صامدة صمود الابطال، ولم تكسر كل تلك الأساليب الوحشية في التعذيب إرادتها، وحافظت على أسرارها، وعلى أسماء رفاقها في النضال، وبعد أن لم يتمكن الجلادون من كسر صمودها، أصدر القاضي حكم الإعدام بحقها، لكنها ضحكت، فصرخ القاضي في وجهها " لا تضحكي في موقف الجد ".

فكان ردّها قويا:

” أيّها السادة، انني أعلم أنكم ستحكمون عليّ بالإعدام، لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، لقد استندتم الى محضر تحقيق وضعته الشرطة وقوات المظليين، وأخفيتم أصله الحقيقي الى اليوم، والحقيقة أنى أحب بلدي وأريد له الحرية، ولهذا أؤيد جبهة التحرير الوطني”.

ثم تابعت" تقتلوننا، لكن لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية،

ولا تنسوا أنكم بهذا إنما تلطخون شرف بلادكم، ولا تنسوا أنكم لن تنجحوا أبداً في منع الجزائر من الحصول على استقلالها ".

ونتيجة الاحتجاجات العالمية، لم يتم تنفيذ حكم الإعدام فتحررت من السجن المناضلة البطلة جميلة بوحيرد عندما نالت الجزائر استقلالها في 5 تموز 1962، بعد أن قضت 3 سنوات في السجن.

 فالنضال التحرري عندما يخرج من الأطر الضيقة الى فضاءات إنسانية أوسع، يكون دوره أقوى في تحقيق الأهداف، ويشكل جبهة تضامنية واسعة بوجه العدو وقوى الشر العالمي.

وصدى الجبهات التحررية في أية نقطة من العالم له تأثير يستجيب له، ويتضامن معه كل أحرار العالم.

وتلك الشابة العشرينية رايتشل كوري الناشطة الأمريكية، وهي في العاشرة من عمرها، قالت في محاضرة في مدرستها حول الجوع في العالم:

" إنني هنا من أجل الأطفال الذين يعانون في كل مكان، لأن أربعين ألف شخص يموتون في العالم يوميا بسبب الجوع، أنا هنا لان معظمهم من الأطفال، نعلم بأن الفقراء في كل مكان حولنا، لكننا نتجاهلهم، يجب أن نفهم بأن هذه الوفيات يمكن تجنبها، يجب أن نفهم بأن في العالم الثالث شعوبا يضحكون ويبكون ،هم بشر مثلنا، لكن الفرق بيننا و بينهم أنهم يعانون، يجب أن نفهم بأن أحلامنا هي أحلامهم، يجب أن نفهم بأننا منهم وهم منا، أن حلمي بأن انهي المجاعة في سنة 2000م ، حلمي أن يمنح الفقراء فرصة ،حلمي إنقاذ أربعين ألف ممن يموتون يوميا ،حلمي يمكن أن يكون حقيقة ، إن نحن تطلعنا إلى مستقبل مليء بالخير  والنور " .

ودفع الحس الإنساني راتشل كوري الى أبعد من أحلامها، فقررت السفر الى قطاع غزة إثناء انتفاضة الأقصى الثانية من أجل الدفاع عن حق شعب احتلت أرضه، وتهدم بيوته يوميا.

وذات ملحمة بطولية في منتهى الإنسانية، وهي برفقة سبعة أمريكيين وأوربيين متضامنين مع الشعب الفلسطيني في منع أعمال التجريف والهدم التي يقوم بها الصهاينة في رفح الذي شرد أكثر من 12000 فلسطيني، وتركهم في العراء دون مأوى، إذ جاءت اللحظة التي تفجرت روحها الإنسانية الخلاقة، وحملت قلبها باليمنى ومكبر الصوت باليسرى، ووقفت أمام جرافة إسرائيلية تنادي سائقها:  

" توقف.. هنا عائلة آمنة، هنا أناس أبرياء " لكن سائق الجرافة تجاهلها وقام بدهسها بكل وحشية، وبلا رحمة.

وهذه الشابة التي سجلت أروع صور الإنسانية والتضحية البطولية من أجل شعب لا يربطه بها اية مسميات ضيقة ومحدودة الأطر ، سوى الرابطة العظمى والأكبر والأقدس ، ألا وهي رابطة الأنسان بأخيه الأنسان ،  ويمكنني القول ان راتشل كوري هي والسبعة من زملائها الناشطين القلائل  الذين تضامنوا مع الشعب الفلسطيني المضطهد ، بعد أن تفهموا معاناته وأثرت في مشاعرهم واحاسيسهم حينذاك، مقارنة بمستوى الوعي الانساني الخلاق  الهادر الذي نراه اليوم ، وصوته المدوي بوجه الأجرام والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني ، وتنديده بالصهاينة السفاحين والذين يدعمونهم ، وعلى رأسهم أمريكا .

عود على بدء، وكما بينّا ان الشعوب لا تقبل أن تكون مستعبدة وذليلة، وذكرت ان المقاومة التي تواجه المعتدي، غالبيتها هي من الرجال، ولكن هناك نجوم لا تأفل في سماء الحرية من النساء اللاتي سطّرن أعظم الملاحم البطولية في سجل حركة التحرر العالمي، والمقاومة الوطنية.

ولكن عندما نبيّن الدور المتميز، والأبرز في تأريخ النضال النسوي البطولي، الذي أخذ أكبر مساحة في صفحات النضال التحرري والصمود والمقاومة، والحجم اللامحدود من التضحية، وتقديم القرابين تلو القرابين على منحر الحرية والعزة والكرامة، وحين تُدهشك، وتُثير فيك الأعجاب، هذه البطولات، وقوة الشخصية والإرادة الصلبة، والصبر الغير متناهي، في تقديم فلذات قلوبهن من أعزاء، أبناء وإخوة وأزواج وأطفال، وكل غال ونفيس، وهن لا يجزعن ولا ييأسن، فهن صابرات صامدات مضحيات، ومقاومات.

فنحن عندما نبيّن مثل تلك النساء، فهذا لا يعني أن ننفي وجود نساء أخريات مناضلات.

فهناك من حملن السلاح، وناضلن ببطولة وشجاعة، وقمن بعمليات بطولية خارقة.

ولكن يسأل الأنسان نفسه: هل حقّاً هناك في الوجود مثل هذه النساء؟

نعم نحن عندما نذكر مثل هذا النموذج من النساء المناضلات والمضحيات ووو، فلا يعني إنكار وجود الأخريات من النساء ولا التقليل من أهميتهن، فعلى سبيل المثال، عندما يقال إن باقة ورد معينة جميلة جدا، فهذا لا يعني أن الأزهار الأخرى غير جميلة، أو شخص ما، أحد أبنائه أقرب اليه من ابنائه الأخرين، فهذا لا يعني أن البقية من أبنائه لا يحبهم أو هم سيئون ...!

أَجَلْ.. أن هذه البطولات ليس مثلها بطولات، والتضحيات ليس مثلها تضحيات، فهنّ الصابرات الصامدات المقاومات، فلم نجد في نساء العالم، ومسيرة النضال التحرري مثلهن ...!

فهل هناك سجل في تأريخ النضال التحرري، ومقاومة الغزاة والمستعمرين مثل ما تجده في مقاومة وصمود وتضحيات المرأة الفلسطينية ...؟

فأي مكان لم تجدها فيه ...؟

في ميادين المقاومة تجدها وهي تحمل السلاح..

في سجون العدو تجدها خلف القضبان صامدة تتحدى القيود والسجان..

في ميدان الكتابة والثقافة والاعلام والأدب، تجدها الأديبة والشاعرة والقاصة، والإعلامية والصحفية..

في سجل العمليات البطولية الفدائية تجدها..

في البيت تجدها أم وأخت وزوجة ومربية تصنع الرجال الأبطال المقاومين المضحين..

فهذه المرأة كأنها خلقت من فولاذ، فلا مبالغة فيما أقول: فإنها امرأة لكنها لا شبيه لها..

هل أن ما نراه هو أسطورة أم خيال؟!

لله درك يا أم، ويا أخت ويا زوجة ويا ابنة الشهداء، تقفين شامخة صامدة صارخة بوجه الطغاة: يا أيها الغزاة مهما قتلتم ودمرتم وخربتم، نبقى هنا لا نغادر أو نهاجر، حتى وان قتلتم شعبنا عن بكرة أبيه، فلن ولم نرحل..

فنحن نعرف ان الرجال عندما تكون عندهم القوة والصمود والتحدي ورباطة الجأش، فلا نستغرب منهم ذلك، لأن الرجل بطبيعته التكوينية يمتلك القوة البدنية وتجربته الحياتية في مواجهة الصعاب التي صقلته، وصنعت فيه الإرادة الصلبة..

أما المرأة بشكل عام، فهي لا تمتلك ما يمتلكه الرجل.

نعم هناك نماذج من النساء في التأريخ القديم والمعاصر كُتبت أسماءهن بحروف من ذهب، ولكن كما قلت نماذج نادرة، وليس كما نراها من نساء أمة وشعب صامد، تراها قوة صلبة، وطاقة خلاقة مبدعة ومعطاءة، وإرادة فولاذية لا تنكسر...!

فحقّا ما قاله الأديب الشهير توفيق الحكيم عن المرأة:

" إن عقل المرأة إذا ذبل ومات، فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات "

فأسمح لي أستاذنا الحكيم، ماذا تقول عن المرأة التي تمتلك العقل والقوة والإرادة والصبر والتحمل والتضحية والصمود

 والمقاومة والتصدي للعدو؟!

سيدي ان هذه الصفات المميزة التي ذكرتها لك، لا تجتمع كلها بامرأة..

ولو افترضنا جدلاً.. أنها تتوفر عند بعض النساء..

نعم عند بعض النساء..

لكن من المستحيل ان تتوفر كل هذه المواصفات عن نساء شعب 

وفي كل بيت ...!

والقول المشهور (وراء كل عظيم    امرأة)، فمحتوى القول يشير الى عظيم مفرد، وليس عظماء، والذي وراءه امرأة مفردة وليس أكثر من إمرأة واحدة.

أليس وراء كل هؤلاء الابطال المقاومين الأبطال نساء، (أم، أخت، زوجة) صنعن منهم هذه الملاحم الأسطورية في مواجهة أعتى وأشرس المجرمين وأقوى الأسلحة الفتاكة، وهم يتصدون لها بكل بسالة وشجاعة وصمود؟!

ألا يحق لنا أن نقول إن المرأة الفلسطينية هي رمز المقاومة وأيقونة النضال التحرري...؟؟

وأنا هنا لا أريد أن أدرج أسماء الفلسطينيات المعروفة في الأدوار النضالية المختلفة، على مدى مسيرة العذاب والمعاناة والمأساة والتضحية والصمود لأنها لا تعد ولا تحصى، لأنّهن أكبر من الصفحات، فكل أسماء المناضلات الفلسطينيات هي رمز المرأة الفلسطينية في الصمود والتحدي، والفلسطينيات المناضلات الصامدات هن الرمز بكل ما تعني الكلمة..

فالمرأة الفلسطينية هي التي أنجبت هؤلاء الأبطال المقاومين..

والمرأة الفلسطينية هي التي صمدت أكثر من 75 عاما أمام المعاناة والمأساة..

والمرأة الفلسطينية هي التي قدمت القرابين تلوَ القرابين ولم تيأس..

والمرأة الفلسطينية هي التي حملت السلاح وقامت بعمليات فدائية هزت الكيان الصهيوني المحتل..

والمرأة الفلسطينية هي التي قالت للعدو: مهما سفكتم من دماء،

ومهما هدمتم بيوتنا، وحتى لو قتلتم شعبنا عن بكرة أبيه، فلن ولم نرحل..

فأين تجد يا ترى مثل المرأة الفلسطينية ...؟؟!

 عاشت المرأة الفلسطينية المقاومة والصامدة

عاش ابطال المقاومة الفلسطينية

الموت والخزي والعار للصهاينة المجرمين

والنصر للشعب الفلسطيني الصامد

 

عرض مقالات: