عندما كنت اعمل في قسم تكنولوجيا المعلومات في احدى الجامعات الحكومية في ولاية مشيكان الامريكية كمحلل أنظمة قبل سنوات، كان لدينا برنامج بسيط للذكاء الاصطناعي صممه مجموعة منا لغرض تطويره، وكنا في بعض الأحيان نُدخل في البرنامج ابياتا شعرية ناقصة لإدغار آلان بو و تي سي أليوت ونطلب من البرنامج اتمامها، والنتيجة في اكثر الأحيان كانت مضحكة، ولكن في بعض الأحيان كانت جديرة بالاهتمام.
فالذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. من أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة.
ونسمع اليوم كثيراً عن مصطلح الذكاء الاصطناعي؛ وأغلبنا يربطه بأفلام الخيال العلمي في هوليوود، ويتخيل الروبوتات التي تسيطر على العالم، لكن في الحقيقة الذكاء الاصطناعي ليس مقتصراً على الروبوتات؛ بل يدخل في عديدٍ من التطبيقات التي نستخدمها كل يوم دون أن نشعر، ويقدر المختصون أن 63% من الأشخاص في العالم لا يدركون بالفعل أنهم يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبحث الانسان على مر التاريخ على اختراع يمكنه أن يحاكي العقل البشري في نمط تفكيره، فقد حاول كل من الفنانين والكتاب وصناع الأفلام ومطوري الألعاب على حد سواء إيجاد تفسير منطقي لمفهوم الذكاء الاصطناعي. وعلى مر الزمن، كان الذكاء الاصطناعي حاضراً فقط في الخيال العلمي، فتارةً ما يسلط الضوء على الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي على البشرية وجوانبه الإنسانية المشرقة، وتارةً أخرى يسلط الضوء على الجوانب السلبية المتوقعة منه، ويتم تصويره على أنه العدو الشرس للبشرية الذي يعتزم اغتصاب الحضارة والسيطرة عليها.
وأخيرا فقد خرج الذكاء الاصطناعي من مختبرات البحوث ومن صفحات روايات الخيال العلمي، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ابتداء من مساعدتنا في التنقل في المدن وتجنب زحمة المرور، ووصولاً إلى استخدام مساعدين افتراضيين لمساعدتنا في أداء المهام المختلفة، واليوم أصبح استخدامنا للذكاء الاصطناعي متأصلا من أجل الصالح العام للمجتمع.
فبالإضافة إلى استعمالنا اليومي للذكاء الاصطناعي عن طريق منصات التواصل الاجتماعي وخرائط الطرق والتبضع الإلكتروني، فإن المجتمعات الإنسانية تستطيع استعمال الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات لتحسين المعيشة بشكل عام عن طريق:
تسهيل الوصول إلى الخدمات العامة
متابعة التغييرات المناخية
تقنيين استخدام الطاقة
الحفاظ على السلامة العامة
تطوير وسائل النقل العامة
التخطيط العمراني
متابعة الامن الغذائي والزراعي والمائي
تطوير التعليم والتقدم العلمي
والعشرات من التطبيقات الاخرى
وعادة يتم ذلك عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل قواعد بيانات ضخمة في العديد من الصناعات والدراسات، للوصول إلى رؤى وقرارات أفضل للمشاكل المطروحة.
ولكن هناك البعض يرى بعض السلبيات في تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل سريع وبدون حساب تأثيراته على المجتمعات، ويستشهدون ببعض الأمثلة مثل:
فقدان العديد من الوظائف
انعدام الخصوصية الشخصية
قتل الإبداع في العنصر البشري
زيادة التنافس بين الشركات
فقدان البيانات في حال التعرض للأضرار التقنية
زيادة التفرقة العنصرية من خلال استخدام تقنية الصور النمطية الشخصية (تقنية التعرف على الوجوه)، والتي ممكن ان تستخدم ضد مجموعة من الناس.
تزوير الصوت والصورة لبعض الاشخاص لغرض خداع الناس.
وبالرغم من أن ثقافة الذكاء الاصطناعي لا تزال في بداياتها، فإن البعض يتطلع إلى تطوير الذكاء الاصطناعي باعتباره ظاهرة اجتماعية لها تفاعلات مع الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي يتطور فيها ويتشكل من خلالها، وعليه ممكن أن يساعد تعميم ثقافة الذكاء الاصطناعي على توسيع وتعميق العلاقات المجتمعية.
وحسب براد سميث الرئيس والمدير القانوني في شركة مايكروسوفت فإننا "نعيش في فترة استثنائية غير مسبوقة من التاريخ، إذ أصبحت لدينا ولأول مرة حلول حقيقية لمعالجة بعض من أكبر المشاكل حول العالم، ولقد حان الوقت لجعل الذكاء الاصطناعي يأخذ دوراً ريادياً في خدمة الإنسانية وإنقاذ كوكبنا".
9 حزيران 2023