ما زال الفضاء السياسي العراقي ملبداً بدخان معارك الحصص المالية الذي اتسم بتشريع مضلل لنهب منظم.. واحلال مرحلة القبض على حقائب المال. وهي كما يبدو قد شكلت جسراً ناقلاً الى حيث تقرير مصير البلاد والعباد. لا أحد يستطيع ان يتكهن بمشروعية الصرف، بعد ان غابت مشروعية التخصيص المالي. غير ان اتضاح مشاهد تصاعد التناقض بين الغنى لدى القابضين على السلطة والمال، وبين القابضين على بطونهم المتضورة جوعاً .. كما ان كشف المستور من خلال جولات " التراخيص السياسية " التي دارت تحت وبين اروقة البرلمان للعبث بالمال العام ، باتت لوحة الفساد اكثر اشهاراً ولن ينفع بتضليلها حتى الخيال العلمي.

ان سيول الخراب التي غدت تجرف ما تبقى من الدولة، تؤشر على ثمة خارطة ملزمة التنفيذ، ولا مناص من استكمال ليس تقاسم المال وانما تشطير البلد، وقراءة الفاتحة على ما كان يسمى بـ " دولة العراق ".. الا ان الادهى هو ما وصلت اليه المجاهرة بالجرم السافر. حيث كان التغليس عن ما سمي بـ " سرقة القرن " احدى أشرس مفردات لغة السراق الفاسدين، التي لا توصف بغير كونها تقطر خزياً وعاراً يجلجل هذه الحكومة، التي باتت فاقدة لأوزانها القانونية. مما امسى من الصعب بمكان ان يعرف من هو صاحب القرار الاول على رأسها.  ولا حاجة الى دليل على ما نقول بعد دراماتيكيا اقرار الموازنة.

لقد حصل تصدع وتم الفرز بين شركاء سلطة المحاصصة، وليس هذا وحسب انما تمدد الفرز ليدخل بأعماق كتلهم ويظهر التدافع بالمناكب للقبض على موقع اتخاذ القرار. وتبين ذلك بجلاء حينما وضعت الموازنة على طاولة التشريح. حينها اخذ البعض من نواب الكتل المتنفذة ذاتها بوضع بدائله الشخصية والمناطقية والمذهبية لمواد الموازنة، التي رسمتها الحكومة متجاوزاً حتى النصوص الدستورية ماضياً بالتمرد وصناعة شأن شخصي له على حساب كتلته، وكل ما كان يقوم به هؤلاء اعضاء من اللجنة المالية النيابية يفتقر لأبعاد وطنية. حيث تتغلب عليه نزعات التعصب تجاه الشريك الوطني.الامر الذي دفع وزيرة المالية للتحذير من التلاعب بالنصوص الحكومية.

ان ما قُدم سرداً وتحليلاً لمجريات " جولة التراخيص السياسية " حول امور ادارة الدولة الذي أصبح لا تحجبه الاعيب المتنفذين، وربما لا يجهله حتى الجاهل بامور السياسة.. وهنا يسبقنا الكثير من الوطنيين لكي يتساءلون عن الضجة التي اثيرت حول الموازنة، التي لم يسبق ان نالت نظيراتها في البلدان الاخرى بمثل زوبعة الجدل هذه، والتي كانت تطغي عليها حالة التنابز والتسابق لوضع البصمات الشخصية. ان زبدة ما تطرقنا اليه نبتغي منه  ان يكون حافزاً للتغيير. هو رسالة الى قوى التغيير الديمقراطي قبل غيرها، من ابناء شعبنا الطامحين المناضلين لبناء دولة مدنية معمدة بالعدالة الاجتماعية، التي غدت انواؤها يغلب عليها السكون بالقياس الى الضجيج السياسي الحاصل في الساحة. فهل يكفي ان ننآى بانفسنا عن زخة الموازنة. ام ينبغي ان تسخن جبهة التغيير وتوظف هذه الاجواء لتكون عاملاً مساعداً لتحشيد القوى المحركة للشارع وكذلك للقائدة له اولاً ..؟

عرض مقالات: