لسنا سذج إذا أسلمنا بان الانتخابات التشريعية 2018 نزيهة 100% ولم يحدث فيها أي تلاعب أو تزوير ، فنحن نعرف جيداً أن تاريخ الانتخابات التشريعية على الأقل في العراق وبخاصة بعد السقوط شابها الكثير من التلاعب والتزوير حتى بلغ السيل الزوبى ثم لفلفت بشكل غريب أكثر من الغرابة نفسها و نالت القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي في ذلك الوقت نصيبها من الضيم والاضطهاد والتلاعب والتجاوز على أصوات المواطنين الذين صوتوا لها بمختلف الوسائل بما فيها قانون الانتخابات الذي كان ومازال يخدم القوى المتنفذة، ولطالما منينا أنفسنا بقانون انتخابي عادل يساوي بين الجميع في انتخابات عادلة ونزيهة، إلا أن البعض ممن كان مستفيداً أغلق عينيه وأذنيه من سماع الحقيقة، واليوم بعد ظهور نتائج انتخابات 2018 قامت الدنيا ولم تقعد حيث صدم البعض غير متوقع ما حصل فقامت الضجة الإعلامية وأعلنت الشكاوى بالمئات ونحن ننتظر النتيجة النهائية وقد تكون التوافقية أو تنتهي إلى إلغاء الانتخابات أو إقرار نتائج الانتخابات التي مثلما اشرنا حول اعتراض البعض على جوانب منها أو رفضها بالكامل وصولاً إلى الإلغاء، لكن والحق يقال أن الانتخابات الأخيرة شكلت منعطفاً جديداً في الحياة السياسية على الرغم من أنها شكلت حوالي 45% من الذين يحق لهم التصويت، الكم الكبير الرافض أو الصامت أو اللامبالي له مبرراته المشروعة عرفياً لكنه في الوقت نفسه له سلبية النكوص وعدم المشاركة لان المشاركة وانتخاب ممثلي القوى الوطنية والأيادي النظيفة و المخلصة كانت ستساهم في تعرية الفاسدين والفاشلين الذين وضعوا الدولة بأيدي الفساد وسمحوا للقوى الخارجية بالتدخل
ــــ كيف يمكن الحديث عن التغيير والإصلاح ونحن لا نصوت ضد الفساد والطائفية ، ولا نشارك بالتصويت في إبعاد الفاسدين ومعاقبتهم برفضهم والوقوف بالضد منهم ففي جوهر عملية التصويت يكمن الصراع الذي لا يختلف عن الصراع في ساحات الحرب مع الأعداء المتربصين والذين لا يهمهم سوى مصالحهم الطائفية والأنانية، إن المشاركة الواسعة على الرغم من كل السلبيات تعتبر قارب النجاة الممكن نقل البلاد إلى موقع الخير والتمتع بالحريات وبناء دولة المواطنة، المدنية الديمقراطية ، أما الآن فنحن أمام حالة جديدة للقوى المتكالبة الخاسرة، كتل أو أفراد الذين يسعون إلى تعطيل المسيرة والوقوف أمام آفاق المستقبل المشرق للتخلص من تركة النظام البائد وما خلفته سنين ما بعد الاحتلال.
لقد دأبت القوى المعادية للديمقراطية القوى الظلامية الموغلة بالطائفية التي تحمل مشاريعها الرجعية التي تبتعد عن المدنية والمواطنة والوقوف حجرة عثرة أمام تحقيق مصالح أكثرية الجماهير الشعبية الكادحة في تحسين واقعها المزري، وخلق مستلزمات العيش الكريم في المجالات الاقتصادية والمعيشية بما فيها الاستقرار الأمني وتحسين الخدمات وخير مثال على مواقف هذه القوى التفجير الإجرامي على مقر الحزب الشيوعي في الأندلس وما تقوم به البعض من الميليشيات المسلحة المنتمية للقوى الأمنية من اعتقالات ضد الناشطين المدنيين الذي يختلفون معهم فكرياً وهناك الكثير من الشواهد التي وضعت إشارتها على العديد من التحركات المشبوهة بما فيها عمليات خطف الأطفال لخلق حالة من عدم الاستقرار وإشاعة البلبلة والخوف عند المواطنين، هذه القضايا الإجرامية عبارة عن حلقات مرتبطة بمخطط ومسلسل جديد التوجه قديم الأهداف لوضع العصي أمام أي خطوة أو محاولة للتغيير والإصلاح .
اليوم برزت قضية التلاعب والتزوير في الانتخابات التشريعية 2018 وكأن العراق كان خالياً من التزوير والتلاعب والفساد والفاسدين، وكما ذكرنا في المقدمة فنحن نعرف جيداً من هو الذي تلاعب ويتلاعب ويقوم بعمليات التزوير لكن الضجة المفتعلة لها دلالتها ولم يجر إتباع الأصول القانونية لمعرفة الحقيقة وكشف الأيادي السوداء الذي لعبت وما زالت تلعب بمصير الشعب لكي تحافظ على مصالحها فسبقتها ضجة إعلامية وإطلاق الاتهامات التي كانت مخزونة في مخزن أصحاب الشأن وكأنهم كانوا مجهزين بها وبالوقت المحدد ، وفوراً والأخطر من ذلك المطالبة بإلغاء الانتخابات المذكورة عن بكرة أبيها، وهو طلب بالغ الخطورة إذا ما تم تنفيذه فعند ذلك سيدخل العراق في نفق ودوامة لها مخاطرها المرئية المعروفة ونستشهد ب " زيباري " وزير المالية السابق والعضو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حذر من إلغاء الانتخابات على الرغم من اختلافنا في الرؤيا لمسائل أخرى لكننا نعتقد أنه أشار بشكل حقيقي بان الإلغاء يعني " فوضى عارمة " وأشار أيضا إن "محاولات خطيرة مع عواقب كارثية لأمن واستقرار العراق، تجري حاليا لإلغاء وأبطال نتائج انتخابات ۲٠۱۸ من قبل بعض السياسيين والبرلمانين الخاسرين في الانتخابات" وحاول زيباري وأكمل الصورة فعقب "يجب وقفهم ومنعهم من دفع البلد نحو الهاوية والفوضى العارمة". وفي الوقت نفسه الذي أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يوم السبت (19 من أيار 2018)، النتائج حيث تصدرت قائمة "سائرون" 1 ــ 54 مقعدا، تلاه 2ــ تحالف "الفتح" بـ48 مقعدا، ثم 3ـ ائتلاف النصر" بـ42 مقعدا، 4 ــ ائتلاف "دولة القانون" بـ26 مقعدا، 5 ــ الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بـ25 مقعدا، بينما حصل 6 ــ ائتلاف "الوطنية" على 21 مقعدا، 7 ــ تيار "الحكمة" على 20 مقعدا، 8 ــ الاتحاد الوطني الكردستاني على 18 مقعدا، وعلى الرغم من ذلك فقد سعت البعض من القوى وألافراد الخاسرين لعقد جلسة للبرلمان ليتم إصدار قرار بشأن الانتخابات وصولاً إلى إلغائها، إلا أن المساعي التي تكررت لم تنجح في عقد البرلمان لأسباب عديدة جاءت على ألسنة البعض من النواب ومنهم النائبة عن ائتلاف دولة القانون، نهلة الهبابي التي أشارت أن "النصاب القانوني من الصعب تحقيقه في هذه الفترة، لان الكتل الفائزة تمنع نوابها من الحضور والمشاركة في الجلسة خوفا من إصدار قرارات تكشف عمليات التزوير وتعيد عمليات العد والفرز اليدوي من جديد" كما نشهد اليوم غياب النصاب القانوني سيد الأحكام فقد فشل المجلس للمرة الثالثة على التوالي ونجحت أخيرا في عقد جلسة استثنائية الاثنين 28 / 5 / 2018 (* ) وقد صوت فيها على قرار ( غير ملزم قانونياً المحكمة الاتحادية هي
المسؤولة للعلم عقب الخبير القانوني طارق حرب "اإذا تم ارتكاب جريمة تتعلق بتزوير الانتخابات فإن القانون والقضاء كفيل بإصدار العقوبات وإبطال النتائج، ولا يجوز أن يتحول البرلمان إلى محكمة ."
)" يقضي بقيام الجهات المعنية كل حسب اختصاصة باتخاذ الوسائل التي تضمن إعادة الثقة بالعملية الانتخابية، بصورة عادلة ونزيهة". كما جرى التصويت على إلغاء نتائج انتخابات الخارج والحركة السكانية وقد أعلن بشكل إعلامي على لسان مراسل " الغد بريس " أن "مجلس النواب خلال جلسته الاستثنائية لهذا اليوم صوت على إلغاء نتائج انتخابات الخارج والحركة السكانية الخاصة بالانتخابات البرلمانية لعام 2018". كما قرر إلزام المفوضية العليا للانتخابات بإعادة عملية العد والفرز اليدوي " بنسبة 10% " هؤلاء وغيرهم الذين لا يبالون بما سيجري للبلاد وللشعب ولا يهمهم سوى مصلحتهم وفائدتهم وليحترق الأخضر واليابس فعندما " تنلاص " وتندلع الحرب بين المكونات وبخاصة إن السلاح مبذول وموجود في أيادي الجميع.
الطامة الكبرى إذا نجح المخطط الذي اعد لجر البلاد إلى متاهات التفرقة والانزلاق نحو الحرب الداخلية الأهلية والكثير يتوقع المزيد من التعقيدات في العملية السياسية إذا ما تم إلغاء الانتخابات الأخيرة لأنه خسر وفقد مصلحته الذاتية ومنها
1 ـ تحرك الحشد الشعبي 42 ألف مسلح للسيطرة على بغداد ومناطق أخرى هذا الحشد الذي خالف فتوى السيد السيستاني بالنسبة للجهاد الكفائي وقرارات عدم مشاركته بالانتخابات " الرجوع إلى تصريحات رئيس الوزراء حيدر العبادي بهذا الخصوص
2 ـ فوضى عارمة في الجنوب والوسط إلى حد استعمال السلاح فيما بينهم مما يسمح لإيران بالتدخل بشكل مباشر وغير مباشر.
3 ـ ستظهر بشكل علني وسري تحركات واسعة لقوى الإرهاب وبخاصة داعش واستغلال فوضى إلغاء الانتخابات للعودة إلى بعض المناطق التي خرجوا منها
4 ـ لن تسلم منطقة الإقليم من المشاكل بين القوى الكردية نفسها من جهة وبين الحشد الشعبي وغيرهم وبخاصة في مناطق الموصل وصلاح الدين وكركوك وملحقاتها.
5 ــ ستكون الظروف أكثر ملائمة لحكام تركيا للتدخل بحجج عديدة في مقدمتها حماية تركمان العراق
6 ـ ستعتري الفوضى كركوك وسيكون الصراع دموياً .
على كل حال إلى الآن لم ينجح المخطط لإلغاء الانتخابات أما إلغاء نتائج الخارج الذي أثبتت الوقائع وجود تلاعب وتزوير إضافة إلى الحركة السكانية الخاصة بالانتخابات البرلمانية فهو لم يكف للإلغاء التام، لكن هناك مشكلة جديدة ستجابه الجميع وهي أن السقف الزمني لتشكيل الحكومة العراقية قد يأخذ وقتاً أكثر من المعتاد والطبيعي وستكون التركيبة في تقسيم المقاعد أكثر تعقيداً إلا إذا تم التوصل إلى تحالف اكبر وهي مسالة جديدة طرأت على الواقع الانتخابي في العراق يختلف عما سبقته من انتخابات سابقة حيث هناك تباين واسع في عدد المقاعد البرلمانية يحدد موضوع التفاهم لتشكيل حكومة على أسس طائفية وتوافقية وقد أكد حبيب الطرفي عضو مجلس النواب يوم الأحد 27 / 5 / 2018 حيث قال " التوليفة المعقدة للقوائم السياسية الفائزة والتقارب في إعداد المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها الكتل السياسية سيجعل من السقف الزمني لإعلان التحالف الأكبر وتشكيل الحكومة يأخذ وقتا طويلا" وهو أمر بالغ الخطورة أيضاً سيحتاج إلى مسؤولية تجاه مستقبل البلاد.
مازلنا نؤمن بقدرات شعبنا وقواه الوطنية المخلصة التي تقف بالضد من أي توجه يعيد الأمور إلى الوراء وكلما نراه من صراع سلمي مبني على الأسس الوطنية ضد من يريد إدامة الفساد ويقف بالضد من إنجاح عملية التغيير والإصلاح فهو صحي ومسؤول وسيتكلل بالنجاح مهما طال الزمن ومهما خططت قوى الردة والطائفية والرجعية ، إننا نؤكد أن هناك كارثة الإلغاء بدون معايير قانونية وتفهم من قبل الجميع وليس لجهات معينة وبخاصة التي خسرت مواقعها في مجلس النواب
ملاحظة : حول الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب:
( * ) أعلن رياض غالي النائب عن كتلة الأحرار، الاثنين 28/5/2018 ، إلى أنه "ليس هناك برلمان بالعالم خاسر يقوم بإلغاء انتخابات، فهذه ضد الديمقراطية، كما أن ما يجري ضغط على المفوضية لصعود بعض الشخصيات".
ـــ قال طارق حرب، الخبير القانوني، في تصريح صحفي إن "إلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين بالداخل يحتاج إلى تشريع قانون ولا يكتفى بقرار يصدره البرلمان يوم الاثنين"