لم يدع شعبنا العراقي ليومنا هذا أن يسيطر عليه الجزع أو قلة الصبر ، بسبب عدم إكتمال ظروف التغيير والإصلاح في العقود السابقة أو بعد إسقاط الصنم ، فقد إلتزم السير وراء التقيد بعدم مقابلة العنف الحكومي بالعنف (عدى حركة الأنصار لنصرة حقوق الشعب الكردي الشقيق) داعيا بإستمرار لممارسة المقاومة السلمية تريثا لما ستفرزه ظروف الحراك والنضال المطلبي السلمي ، من فرص تفرض إنضاج الظروف الذاتية والموضوعية للتغيير والإصلاح ، معتبرا إختيار الوسيلة السلمية هي جزء من غاية يريد تحقيقها بالنضال والمطالبة السلمية ، معتبرا إياهما متلازمتين لا يمكن فصلهما عن بعض ، مثلهما كمثل علاقة الشجرة بالبذرة حسب مقولة المهامتا غاندي.
فمن الممارسة العملية لنضال الشعوب العنفي إستنتج غاندي أن ثمن العنف باهظ على المستوى الشعبي ، لهذا جنح إلى النضال السلمي وتحققت غايته بإنقاذ الهند من السيطرة الإستعمارية . وهكذا بشكل عفوي عقد شعبنا أمله على ما ستنتجه الإنتخابات رغم قانونها الجائر ، وقاسمها المشترك لسانت ليغو (1،7) الضامن نصرة الأحزاب الطائفية والكتل المتحاصصة التي حكمت البلاد طيلة 15 عاما ، وهي تعرقل صعود القوى المدنية الديمقراطية لقبة البرلمان بشتى الوسائل بما فيها المشينة ، لكن ذلك لم يُثن عزيمتها نحو تحقيق مطاليب الجماهير التي طالبت بالتغيير والإصلاح والقضاء على الطائفية المقيتة التي سيدت الفساد في مرافق الدولة ، عبر تظاهر سلمي ومع هذا بعضه فضته الحكومة بإستعمال القوة المفرطة ، مما أدى أن يفقد عدد من المتظاهرين حياته بينما تم أعتقال آخرين ، و مع هذا واصلت الجماهير أيام الجمع وليومنا هذا التظاهرات في ساحات المدن العراقية وبشكل سلمي رافعة شعار بناء دولة مدنية ديمقراطية تنشر العدالة الإجتماعية ، كشعار رئيسي بعد كنس نهج المحاصصة والفاسدين من مواقع القرار السياسي ، وبالتالي وُضعَت تلك الشعارات في أوليات برنامج سائرون الإنتخابي.
حاليا يُمارس سائرون الحوار الجاد العابر للمصالح الحزبية والكتلية والتي قَبَلت تحقيق ما يريده المهمشون وفقراء الشعب من تجاوز الإنتماء المذهبي والعرقي ، وتشكيل حكومة من طراز جديد ، و بوجوه مدنية تكنوقراطية ، تتبع السير نحو نصرة المصالح الوطنية العليا . وخاصة بعد ان بانت شجاعة المعدمين وفقراء الشعب بقولهم لا لذاتية الأحزاب والكتل في صناديق الإقتراع . مؤكدة على أنها لن تقبل بهم مرة رابعة بعد تجربتهم في المرات الثلاث السابقة ، حيث أحكموا سيطرتهم على مقدراته بحكومات طائفية ، قامت بنشرالتمارض في مؤسسات دولتهم ، فشفطوا ثروات البلاد والمال العام ، مع خلق معوقات و وضع العصا في آلية اية محاولة للتغيير والإصلاح ، فتفشى الفساد والمحسوبية ، وإنتعشت البيروقراطية في أجهزة الدولة لتصبح كما أرادها المتحاصصون من أكبر التحديات التي ستواجه الحكومة المقبلة.
كل ذلك حتم حدوث الزلزال الذي جاءت به الإنتخابات والذي من المرتقب أن يُحدث تحوﻻت عميقة داخل المجتمع العراقي . ففوز إئتلاف سائرون سيُمَكنه من كسر توزيع المناصب السيادية التي حولوها لجني مكاسب وإمتيازات شخصية وحزبية ، وسينهض بمرحلة التحول لبناء البنى التحتية وبالتالي ستلمس الجماهير الفقيرة والساعين للحصول على فرص عمل وقائع ملموسة للتخلص من المآسي والويلات التي تتحمل الحكومات السابقة المسؤولية عنها.
إن ألأمل معقود على ما ستنبثق عنه مشاورات تشكيل الحكومة القادمة على اﻷسس التي ينادي بها تحالف سائرون ، فالجماهير لن تحيد عن الدعم لصيغة تحالفه التي لن تبتعد عن ما وعد به الشعب ، فلن يقبل بإعادة صيغة محاصصاتية مطعمة بمسحة مدنية تمارس ديمقراطية هشة لا تربط التغيير والإصلاح بالقضاء على الطائفية المقيتة ، فالشعب الذي صبر على الضيم ، لن يبخل في دعم هكذا حكومة ، وسيقول لها نعم ، كما أن جماهيره التي سارت لصناديق الإقتراع ، وحتى التي قاطعتها لن تقبل بتشكل حكومة فيها سحنة طائفية ، تُطعم بأسماء ليبرالية لإمتصاص نقمة الشعب وتُنسى مسألة سيطرة البعض على الممتلكات العامة من عقارات وأراضي وبساتين ، التي حولت لمنتجعات تحرسها ميليشيات مسلحة ، بل ستقول نعم لحكومة تتخذ الإجراءات الازمة لإعادة ملكيتها لأصحابها ، مع ما تم تهريبه من المال العام إلى خارج الوطن . فالمحاصصة الطائفية قد قبرتها صناديق الإقتراع سلميا ولن تعود ثانية.