بلغني أيها القارئ العزيز، أن حكاية (الصحفي المهزوم، والديناصور المأزوم) قد قصتها شهرزاد وهي تولول قائلة:

في أناقته المعهودة، وعطره الفواح الذي كاد أن يخنق المشاهدين بقوته، ظهر المسؤول العراقي على فضائية عربية، وهو يوزع الابتسامات للمقدم والمشاهدين. رحب به المقدم، وسأله مجاملا كيف هي أحوال العراق؟ فأجاب صاحبنا بأريحية يحسد عليها: أحوال الصومال جيدة، وكذلك نيكاراغوا!

وحين كرر المقدم سؤاله اعتقادا منه، أن هنالك لبسا في إيصال أو فهم السؤال، أجاب صاحبنا والابتسامة العريضة تكاد تشق فمه، لا عليك من العراق، فهو يرفل بالنعيم.

وحين سأل المقدم: لماذا يظهر المواطنون على الشاشات يشكون من سوء الخدمات ونقصها وانعدامها في أحيان أخرى؟

 ضج المسؤول بالضحك بحيث لم يستطع المقدم سوى أن يجاريه، وحين كتم ضحكته قال:

- والله دعايات، وبيني وبينك....

-     نحن على الهواء!

-     لا يهم ...المواطنون العراقيون جشعون، تعطيهم الكهرباء يطالبون بالماء، وحين توفر لهم الماء يطالبون بتبليط الشوارع، وكأن الحكومة لا شغل لها ولا عمل سوى تلبية طلباتهم، فمتى نرتاح ومتى نتوجه إلى الأشياء الكبرى من صناعة وزراعة وأمن ودفاع!

المقدم: ولكن يا أستاذ، لا توجد صناعة، والفلاح العراقي يشكو من قلة الدعم وتأثير المستورد عليه.

يقهقه المسؤول، ويجيب بعد أن يعدل ربطة عنقه، ويمسد باروكة شعره: أنت أصبحت مثل الصحفيين العراقيين تجتر ما يقال بدون تدقيق.

المقدم: أرجوك يا أستاذ.. أنا سألت وعليك أن تنفي أو تؤكد من دون تجريح!

المسؤول: أنت تطرح علي أسئلة غريبة.. المهم.. في الحقيقة الصناعة العراقية بخير، وخطتنا تغطية المنطقة والعالم بمنتوجاتنا وربما ننافس الصين في ذلك، وكذلك لدينا الخطة نفسها في المجال الزراعي.

المقدم: حدودي علمي، لا توجد بالواقع مثل هذه الخطط بإجماع كل الاقتصاديين العراقيين ماعدا صناعة النفط، كما أن المنتوج المحلي العراقي يتراجع بسبب الأمور التي ذكرتها.

المسؤول تعلو على وجه أمارات الغضب، ويبدأ يتأفف ويعدل من جلسته، وقد انتفخت عروق رقبته ويقول منفعلا:

-من أنت.. حتى تكذبني؟ سأقيم عليك دعوة قذف وشتم .. وكذلك على الذين وظفوك!

يرمي المايكرفون، ويقوم وهو يؤشر بإصبعه بتهديد واضح للمقدم، ويضيف عليها إشارة بذيئة، حاول مخرج البرنامج أن يتلافيها.

وفي الليل كما تقول الأنباء، قصفت الفضائية بصاروخ مجهول الهوية، وأنهزم الصحفي ولعن الساعة التي تورط فيها بمقابلة مثل هذا الديناصور..

في الصباح اليوم الثاني، يظهر المسؤول نفسه، في بذلة جديدة، وفي فضائية أخرى ويظهر معه مقدم مداهن لغسل نتانة أمس، تعالت الضحكات السمجة، والاجابات التي (تشگ الگلب)، وسكت شهرزاد، رغم انه لم يأت الصباح عن الكلام المباح عن تكملة حكايات مملكة الديناصورات!

عرض مقالات: