ما أن تتوقف جرائم قتل نشطاء الانتفاضة على يد ميليشيات مسلحة لايام، وتهدأ لفترة قصيرة الازمات الصحية والمعيشية التي يعاني منها المجتمع العراقي، الا وتعود موجة جديدة من أعمال العنف والقتل والتفجير والهجوم الصاروخي، الذي يستهدف بالدرجة الأولى المدنيين ـ آخرها كان سقوط "طائرة مسيرة مفخخة" في وقت مبكر من يوم السبت 8 أيار على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار. واغتيال الناشط المدني إيهاب الوزني ليلة 9 أيار 2021 أمام منزله في مدينة كربلاء. وفي محافظة الديوانية تعرض يوم الأثنين 10 أيار مراسل قناة الفرات الفضائية أحمد حسن لمحاولة اغتيال، حيث أصيب برصاصتين في الرأس على يد مجهولين نقل اثرها الى المستشفى. وليس خافياً أن القسم الأكبر من هذه الاعمال تقوم بها منظمات تكفيرية وميليشيات مسلحة، تهدف الى تعميق الشرخ الطائفي، الذي نشأ منذ سبعة عشرعاما مع فشل تام للتجربة السياسية وإشتداد الصراع على السلطة وغياب القانون وإنتشار الفساد الإداري وإنهيار شبه كامل للخدمات، مثل الماء والكهرباء والقطاع الصحي، وتدهور القطاع التعليمي وتفشي البطالة والفقر ومخيمات المهجرين. فيما شجع الافلات من العقاب القتلة ومن يقف وراءهم على المضي في جرائم القتل السياسي والتمادي في زرع الفوضى وانتهاك القانون وتهديد أمن المواطنين، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام اللجان "الاقتصادية" للاحزاب والمليشيات لارتكاب المزيد من الفساد وسرقة المال العام وممتلكات الدولة والاستحواذ على عقارات المواطنين، وبالاخص المسيحيين والأيزيديين والصابئة، الذي اضطر الكثير منهم الى ترك الوطن خشية من اساليب التهديد والقتل.

     وفي ظل الحياة المعيشية الصعبة التي تعاني منها شرائح عديدة في المجتمع، تحاول الاحزاب الطائفية المهيمنة على السلطة كسب أبناء طائفتها عن طريق الرشى والاغراءات المادية والمعنوية وتوزيع المناصب والعطاءات، بعد أن أدرك أبناء الشعب العراقي، فشل سياسة المحاصصة الطائفية، التي أسس لها الإحتلال، متبعاً سياسة فرق تسد من أجل الوصول الى أهدافه المعلنة للسيطرة على العراق وتغيير خريطة الشرق الأوسط. والتي جاءت بدستور قائم على أساس الإنتماء الطائفي والاثني لا على أساس المواطنة. وفيما تستغل الكتل الطائفية وجودها داخل البرلمان بـ "التزوير" وتحت زيف المسوغ القانوني والمساومات الطائفية المشبوهة لتحييد القضاء لصالحها، يتعرض آلاف الابرياء للسجن القسري تحت ظروف غير إنسانية دون محاكمات. 

 وقد تسببت هذه السياسة الطائفية بعدم استقرار الوضع في العراق وتدخل دول الجوار في الشأن العراقي حيث تدين أغلب الأحزاب الحاكمة بولائها لايران وأخرى للسعودية وتركيا وقطر، ومنها من دخل في تحالفات سرية تتعلق بالمصالح الحزبية والعشائرية والاثنية على حساب المصالح الوطنية. انّ تدخل هذه الدول في شؤون العراق وتشجيعها للفكر الطائفي الهدف منه الهيمنة عليه.

  عُرِفَ العراق ومنذ القدم بتعدد القوميات والاديان والطوائف، فهو ثري بالهويات الثقافية المتنوعة، وكان فخوراً بتآلفها فيما بينها. ومن شأن هذا التنوع ان يكون عاملا أساسيا لبناء ديمقراطية حقيقية، تضمن المشاركة في الشأن العام على اساس المواطنة والكفاءة. وإنّ ذلك كما توضحه الخطوط البيانية للوقائع، يتطلب إقامة دولة القانون الحقيقية ومحاربة الطائفية بكل أشكالها وحل كل المليشيات وإستقلالية القضاء والإمتناع عن إستغلال الدين من أجل الوصول الى مكاسب سياسية.. وإذا كانت الانتخابات استكمالا لمفهوم الديمقراطية، فيجب أن تكون مشروطة بـ: تحريم المال السياسي ومنع الاحزاب التي تمتلك السلاح من المشاركة وملاحقة القتلة ومعاقبتهم، والاهم هو مواجهة الفصائل المتمردة على الدولة بكل قوة. وإلا فالأوجب مقاطعة الانتخابات ونقض اجراءها امام الامم المتحدة لعدم توفر شروطها القانونية والامنية والبحث عن اساليب جديدة أخرى لانهاء تراجيديا الموت والظلام ومنها: المطالبة بحل البرلمان والدعوة لتشكيل حكومة انقاذ وطني.! 

عرض مقالات: