جرت أخيراً الانتخابات البرلمانية العراقية، واستطاع الحزب الشيوعي العراقي بالتحالف مع إئتلاف يتزعمه مقتدى الصدر أن يفوز بمقعدين في الانتخابات، هذا الانتصار له أهمية خاصة لسببين. الأول هو وصول الحزب الشيوعي العراقي إلى مقاعد البرلمان العراقي، مما يضع حد لأسطورة نهاية الشيوعيين والاشتراكية في العالم وخاصة في الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. لقد أوضحت نتائج الانتخابات العراقية أن أحزاب اليسار والأحزاب الشيوعية في العالم والمنطقة، وخلافاً للمؤرخين المفلسين الرسميين، لم تتأسس بناءً على أوامر من الإتحاد السوفييتي، وهي بذك تنهار بمحض إنهيار الاتحاد السوفييتي. فهذه الأحزاب لها جذور تكمن في حاجات المجتمعات إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وما دامت هذه المطالب قائمة فإن هذه الأحزاب ستبقى فاعلة وتصبح أكثر فاعلية في المستقبل.

أما السبب الثاني، وربما الأهم، فإن الانتخابات البرلمانية العراقية جرت في ظل ائتلاف بين الشيوعيين ومقتدى الصدر المعروف بكونه رجل دين مسلم. هذا الأئتلاف هو حدث له أهمية كبيرة في المنطقة، وهو حدث عبّرت عنه مجاميع يسارية غير قليلة في العالم وفي ايران بعدم الرضى.

في عالمنا الراهن، تسعى الدول المتنفذة المسلطة إشاعة الفرقة في الدول الإسلامية بين القوى التقدمية وتصوير جميع المسلمين على أنهم على غرار "الطالبان" و "داعش" وسائر التيارات التقليدية الرجعية المعارضة للرقي والتجديد، ولذا فهي عبّرت هذه القوى عن عدم رضاها القاطع من هذا الائتلاف والتعاون. فهذه القوى ترسم الخطط من أجل إشاعة الاختلافات بين الشيوعيين والعلمانيين واليسار والمسلمين والقوى الوطنية والتقدمية. ولقد أحرزت هذه القوى أكبر نجاح لها في إيران، حيث استطاعت زرع الفجوة بين المذهبيين وغير المذهبيين والتعصب الديني بحيث وضعت سداً أمام التعاون بين مختلف قوى اليسار في إيران، واستطاعت عبر هذه الوسيلة خلق مواجهة بين القوى الحية في الثورة الايرانية بحيث لم تستطع الثورة تحقيق أهدافها.

إن الحكم في داخل إيران هو الآخر وعلى غرار القوى العالمية المتنفذة غير راض عن التحولات الأخيرة في العراق. فجلوس الشيوعيين العراقيين على مقاعد البرلمان العراقي، خاصة إثر الائتلاف مع رجل ديني شيعي، وبعد أربعين سنة من عدم اعتراف الحكم في ايران بحقوق حملة الأفكار الأخرى من الأقليات الدينية واليساريون وحتى حقوق أطراف من المسلمين، أصبحت حالة يشهدها الجمهور الآن. فهم يشهدون نوعاً آخراً من الإسلام وإدراكاً آخراً من الدين لا يتحدى الحكم في إيران فحسب، بل كل المراجع والتيارات السياسية المذهبية الإيرانية، من المتعصبين والإصلاحيين على حد سواء. إن أولئك الذين أنكروا حقوق حملة الأفكار المغايرة والتعاون معها خلال أربعين عاماً، لا يملكون الآن جواباً على تبرير سياستهم القائمة على الاقصاء والفرقة المدمرة.

إن بعض المجاميع اليسارية في خارج البلاد، هي الأخرى ومنذ اليوم الأول للثورة، وضعت في أساس برنامجها نفي أي جانب تقدمي في الثورة وكل القوى المذهبية المشاركة فيها، والتزمت هذه المجاميع اليسارية الصمت أزاء ما حدث أخيراً في العراق. وفي الواقع أن ائتلاف مقتدى الصدر مع الشيوعيين العراقيين يشكل دليلاً على أن الجوهر الخاص في الاسلام وايديولوجية القوى المذهبية لا يشكلا عائقاً أمام تعاونهم مع قوى اليسار. فلو اتبعت كل قوى اليسار مسبقاً وبعد الثورة الإيرانية سياسة حكيمة، وسعت إلى علاج سوء الفهم والاختلافات بين قوى اليسار والمذهبيين، خاصة بعد الانشقاق في منظمة مجاهدي خلق، وتفادت المواجهة والصراع في كل مرحلة الثورة واستعراض العضلات، لكان من الممكن أن نشهد ملامح من التعاون والتقارب بين قوى اليسار المذهبي وغير المذهبي بعيد الثورة.

إننا، وخلافاً لكل التيارات المشار إليها أعلاه، نعبر عن ارتياحنا لما جرى في العراق، فهذا الحدث يصب في مصلحة الشعب العراقي وفي مصلحة شعوب المنطقة وفي مصلحة الشعب الإيراني. إن ما حدث في العراق هو تحطيم حاجز سعى حزب توده ايران لإزالته قبل أربعين عاماً واستمر في سعيه، وللأسف لم يفلح في ذلك. إننا لا نستطيع إلاّ أن نتذكر سياسة حزب تدوده ايران بعد الثورة حيث كان حزب توده ايران الحزب الوحيد الذي أقدم على تشكيل قائمة ائتلافية في انتخابات مجلس الخبراء وأول انتخابات لمجلس الشورى. وفي انتخابات مجلس خبراء القانون الأساسي على سبيل المثال، وضمن سياسته هذه القائمة على الاتحاد وتحطيم الحواجز بين القوى المذهبية وغير المذهبية والوطنية واليسارية، أعطى رأيه إلى آية الله الطالقاني والدكتور حبيب الله بيمان ومسعود رجوي وابو الحسن بني صدر ومنصور بزركان واحمد حنيف نجاد وغيرهم. وفي أول انتخابات لمجلس الشورى صوّت الحزب، إلى جانب مرشحيه الأربعة عشر ومن بينهم نور الدين كيانوري واحسان طبري ومريم فيروز وسياوش كسرائي ومحمد علي عموئي، فإن الحزب قد صوّت إلى خمسة عشر مرشحاً من الأحزاب السياسية الأخرى ومن ضمنها حزب نهضة الحرية ومجاهدي خلق وفدائيان خلق وحزب الأمم الاسلامية والحزب الجمهوري الاسلامي وحركة المناضلين المسلمين في إطار سياسته القائمة على الاتحاد والتحالف. وهكذا صوّت الحزب إلى محمد جواد حجتي كرماني وكاظم سامي وعزت الله سحابي وموسوي خوييني ها واعظم طالقاني ومسعود رجوي وابو القاسم سرحدي زاده ومدير شانه جي وعلي كشتكر وكاظم بجنوردي وبروانه فرهر وآخرون. وفي وقت لاحق صوت الحزب في انتخابات المجلس الخامس ورئاسة الجمهورية إلى محمد خاتمي. وعلى الرغم من أن الحزب كان محروماً من المشاركة وإلى الآن في الانتخابات وتقديم مرشحيه، إلاّ أنه صوت للقوى التي تسعى أكثر إلى تأمين مصالح إيران وشعبها.

إننا غير ناديمين على الطريق الذي اخترناه صوب اتحاد كل القوى، وإننا على اعتقاد أن التاريخ سيشير إلى مساعينا على الرغم من التشويش الموجّه ضدنا. إننا نشهد اليوم تراجع مكانة بعض القوى المذهبية في المجتمع وانخفضت شعبيتها بين أفراد الشعب إلى حد كبير أو فقدت مواقعها. ورغم ذلك فإننا على اعتقاد بأنه من الممكن بل ويجب التعاون مع القوى المذهبية الصادقة من أجل الدفاع عن حقوق الشعب. وإن النجاح الذي أحرزه ائتلاف القوى الوطنية واليسارية والمذهبية وغير المذهبية في العراق، صرف النظر عما سيكون تأثير ذلك في المستقبل، فهو يدل على الطريق الصحيح الذي تم اختياره.

* عن موقع "راه توده" الإيراني

 

 

 

عرض مقالات: