تُعتبر محنة مرضى السرطان ومعاناتهم اليومية واحدة من أكثر المشكلات الصحية والبيئية والإجتماعية الساخنة في العراق. والطامة الكبرى ان أعداد المرضى والوفيات السرطانية تتزايد عام بعد عام، وبلغت 8-10 أضعاف ما كانت عليه قبل حرب عام 1991 وإستخدام القوات الأمريكية وحليفاتها لذخائر اليورانيوم المشعة على العراق.

 مع كل يوم يمر،وأمام أنظار الجميع، تتفاقم محنة مرضى السرطان وأسرهم، بدلآ من أن تخف، كما يفترض، وذلك لأن الحكومات المتعاقبة لم تهتم جدياً، إن لم نقل تجاهلت المحنة تجاهلآ مخزياً، ولم تحقق شيئاً يذكر في معالجتها نعالجة جدية وفاعلة. فوقفت الجهات الصحية عاجزة تماماً عن عمل أي شيء، والسبب الأبرز هو إستشراء الفساد وهيمنة المافيا وعصابات المتاجرة بصحة وحياة المواطنين على مقاليد الأمور في الصحة. وعندما حاول الدكتور علاء العلوان- وزير للصحة الأسبق- تخفيف محنة المرضى، ضمن خطة علمية مدروسة، وضعها بنفسه، كخبير دولي بالصحة العامة، وله خبرة طويلة في المنظمات الدولية المعنية، لتحسين الواقع الصحي المتردي، تصدى له بكل وقاحة وصلافة المسؤولون المتنفذون الفاسدون، وشهروا به، فأضطر للإستقالة ومغادرة العراق..

لقد علنى المرضى،بشكل عام، ومرضى السرطان،بشكل خاص، كثيراً، وما يزالون يعانون من سوء الخدمات الطبية، وسوء المعاملة، ومن شحة الأدوية في المستشفيات الحكومية.وقد نشرت وسائل الأعلام العراقية،طيلة سنوات عديدة، الكثير عن صعوبة العلاج، بل وعدم توفر العلاجات اللازمة بشكل مستمر، حيث الدواء المطلوب لا يتوفر في المستشفى الحكومي، فيضطرون لشرائه على نفقتهم الخاصة.والدواء المخصص لهم، والذي يتعين إستلامه كل شهر، لا يستلموه إلا مرة كل 6 أشهر، وبعضهم إستلم مرة واحدة فقط، ولم يكمل علاجه، فتوفي..

 وقد تسببت شحة أدوية الامراض السرطانية المتفشية المزمنة الى ارتفاع اسعارها، وزيادة معاناة المواطنين المحتاجين اليها،خاصة من ذوي الدخل المحدود.ولذات الأسباب تعذر على الاغلبية السفر الى الخارج لتلقي العلاج. وناشد مرضى السرطان وذووهم، مراراً وتكراراَ، الحكومة والجهات الصحية ذات العلاقة بتوفير الادوية من مناشئ جديدة وباسعار مناسبة لكي يتسنى لهم اكمال مراحل العلاج.وهذا ما سعى لتحقيقه الوزير العلوان، فأحبطوا مسعاه..

وعدا نقص الادوية والمستلزمات الطبية، يعاني القطاع الصحي نقصاَ كبيراَ في الكوادر الطبية والتمريضية المتخصصة بالسرطان، خاصة في المحافظات الجنوبية.ولذا طالبت العديد من المحافظات بإنشاء مركز تخصصي لتشخيص وعلاج أمراض السرطان في كل محافظة، لأن مواطنيها الفقراء لا يستطيعون تحمل تكاليف السفر لعلاج هذه الأمرض القاتلة..

    وهذا المطلب ملح جداً أزاء تزايد عدد المرضى الذين يأتون من المحافظات للعلاج في مستشفى الأشعاع والطب الذري في بغداد، وفي المستشفيات التي فيها ردهات لمرضى السرطان، ويتكلفون مصاريف باهضة ووقتاً وتعباً، ولم يحصلوا على العلاج، بحجج عديدة، ومنها "عدم إستلام" المؤسسات الطبية للأدوية، بينما الأدوية متوفرة في الصيدليات الأهلية ولدى باعة الأرصفة .

    وقد إشتكى اطباء في مستشفى الاشعاع والطب الذري من ان المستشفى يعاني من زخم كبير في المراجعين والمرضى كونه الوحيد في البلد وليس له اي فرع في باقي المحافظات ولهذا فالمواعيد التي تعطى لهم من ثلاثة اشهر الى سنة وقد يموت المريض اثناء فترة الانتظار.

حكومة الكاظمي إلتفتت لمرضى السرطان وما يحتاجون إليه، ولو بالكلام غير المقترن بالأفعال، فقرر مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية في 28/7/2020 ، برئاسة رئيسه السيد مصطفى الكاظمي، إقرار توصيات المجلس الوزاري للتنمية البشرية، ووافق على إنشاء ردهات جديدة لمعالجة الأمراض السرطانية، وفقاً للمقررات التالية:

 أ- إنشاء ردهات إضافية لمعالجة مرضى السرطان في مستشفى الأمل الوطني، وأخرى مماثلة في المركز الوطني للأمراض السرطانية ، فضلاً عن التوسع في معالجة الأنواع الأخرى من الأمراض السرطانية، وأمراض الغدّة الدرقية.

ب- إنشاء مراكز للطب النووي في محافظات: البصرة، النجف، نينوى، بابل، الأنبار، وفقاً للمخطط الذي أعدّ لمحافظة النجف، وتكليف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- دائرة معالجة المواد الخطيرة، ومديريات الطاقة الذرية، بإنشاء منظومات تصريف الفضلات المشعة، على وفق النموذج الذي سبق تطبيقه في مستشفى الأمل الوطني.

ج- الإسراع في إنشاء مراكز للأبحاث النووية لتلبية المستلزمات والاحتياجات التي تحتاجها المراكز المشار إليها، من النظائر المشعة فضلاً عن مادة اليود المشع.

د- استثناء عملية استيراد المواد المشعة ومنظوماتها من إجراءات الروتين المتبعة في شركة كيماديا، وتسليمها الى الجهة المستفيدة حال وصولها الى المنافذ الحدودية، لتلافي الأضرار التي تسببها تلك الإجراءات.

هـ- الإفادة من الدعم المقدّم من الاتحاد الأوروبي الذي ستشرف عليه وزارة الصحة، والمقدّم لصالح الأنشطة النووية، في توفير المنظومات الإشعاعية وتدريب الملاكات.

و- قيام وزارة الصحة والبيئة والمحافظات باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن المقررات آنفاً.

ز- فتح حساب خاص لدعم مراكز الأبحاث السرطانية.

في مقال لنا بعنوان:"حكومة الكاظمي تلتفت لمحنة مرضى السرطان"،في10/8/2020، إعتبرنا القرار المذكور إلتفاتة طيبة، ومقررات هامة مطلوبة، على أمل ان يقوم مجلس الوزراء بمتابعة تنفيذها جدياً، وعلى نحو دوري، كل شهر مثلآ، في إجتماعاته الأعتيادية، إذا أراد فعلآ ان لا تكون كسابقاتها حبراً على ورق!

    بيد ان حكومة الكاظمي خيبت الأمل، فلا وزارة الصحة والبيئة والمحافظات إتخذت، لحد اليوم، الإجراءات اللازمة لتنفيذ المقررات، ولا مجلس الوزراء تابع مقرراته، التي بقيت لحد الآن حبراً على ورق..

    
حيال هذا، ولتفاقم محنة مرضى السرطان، تواصلت حملات التضامن معهم،واَخرها الوقفة  التضامنية لمركز الفرات الاوسط للأورام،التي نظمها قبل أيام، للمطالبة بإيجاد حلول لمعاناة مرضى السرطان الذين بحاجة للعلاج الإشعاعي. وأعلن مشاركون في الوقفة ان المرضى يصارعون الموت ومنذ فترات طويلة .. وذووهم لا يجدون قوت يومهم، فكيف بتوفير مبلغ جلسة الإشعاع الواحدة ( 130-150 دولار) في المستشفيات الأهلية ؟ . .وفي المستشفيات الحكومية لا تتوفر في المحافظة، فيضطر المريض ومرافقوه  السفر للمحافظات الموجودة فيها، وهذا مكلف. والأدهى هو الأنتنظار الطويل جداً، والذي حتى حينه يكون الكثير من المرضى قد توفوا..

وقد طرح الدكتور حيدر الشبلي- مدير مركز الفرات الاوسط للأورام الحلول التالية،التي تخص المنطقة :

1-فتح المستشفى الألماني في النجف والذي يوجد فيه جهازين للإشعاع ولا احد يعرف سبب عدم افتتاحه

2- شراء عاجل ومباشر لجهاز إشعاع ..

3- عقد صيانة للجهاز الوحيد في مركز الاورام وبشكل عاجل ...

 مثل هذه الحلول السريعة المطلوبة تنطبق على كافة المحافظات التي تعاني من نفس المشكلة، وهي ليست صعبة التحقيق لو توفرت الأرادة والرغبة والمسؤولية والحرص. مثلما ليس صعباً إنشاء ردهات إضافية لمعالجة مرضى السرطان في مستشفى الأمل الوطني، وفي المركز الوطني للأمراض السرطانية،واستثناء عملية استيراد المواد المشعة ومنظوماتها من إجراءات الروتين المتبعة في شركة كيماديا، وتسليمها الى الجهة المستفيدة حال وصولها الى المنافذ الحدودية، لتلافي الأضرار التي تسببها تلك الإجراءات.والإفادة من الدعم المقدّم من الاتحاد الأوروبي، والمقدّم لصالح الأنشطة النووية، في توفير المنظومات الإشعاعية وتدريب الملاكات، الخ.. كما ورد في قرار مجلس الوزراء الصادر قبل نحو 8 أشهر ولم يتحقق منه شيء يذكر..

 فمتى تفي الحكومة بتنفيذ قرارها ؟

عرض مقالات: