عاد الحديث عن السيكسيزم والميسوجينية إلى الواجهة في الوسط السياسي الهولندي. فيا ترى ماذا يتضمن هذان المفهومان وما تأثيرهما على صيرورة حياة المرأة السياسية؟  نلاحظ ، في الآونة الأخيرة، مانشيتات الصحف ومقالات تعبر عن قلق السياسيات الهولنديات من تزايد العنف ضدهن على منصات التواصل الاجتماعي وبالأخص على تويتر. فهل يُعقل هذا في دولة تتمتع النساء فيها بحقوقهن السياسية منذ عام 1919؟ 

 لكن الحدث الأهم وربما السبب في هذه الحملة العدوانية ضد السياسيات هو أن عشرَ نساء تقدّمن ولأول مرة في تاريخ هولندا السياسي، قائمةَ انتخابات شهر آذار / مارس 2021 لكي يَقُدْن أحزابَهن. فمن هذه الأحزاب الكبيرة / المتوسطة والقائدات السياسيات، سيكريد كاخ من حزب D66  (ديمقراطيو66، حزب ليبرالي يمين وسط) ، ليليان مراينسن  الحزب الاشتراكي، ليليان بلومن  حزب العمال وإستر أوهاند من حزب الحيوانات.

   كانت المفاجأة مع صعود سيكريد كاخ الجديدة على الساحة السياسية والتي كانت قد تبوأت مناصب عديدة في الأمم المتحدة وفي وزارة الخارجية الهولندية وهي حاليا وزيرة التجارة الخارجية والتعاون من أجل التنمية في حكومة تسيير أعمال. سيكريد كاغ  أثبتت حضورا مميزا خلال حملتها الانتخابية، الأكثر تقدمية حسب قولها، فكان لها النصيب الأكبر من التغريدات السلبية والرسائل التي انهالت عليها كلها كراهية وعدوان، وذلك لكونها امرأة صاحبة كاريزما، بالإضافة إلى أنها متزوجة من فلسطيني مسلم، أنيس القاق، طبيب أسنان وسفير فلسطين سابق في سويسرا. وهي أيضا أم لثلاثة أبناء وابنة. ولنعُد إلى هذه الحملة ضد السياسيات، ونتساءل  عن دور مفهومي الميسوجينية  والسيكسيزم  في حياة المرأة السياسية.

   إن مفهوم السيكسيزم  حديث العهد. لقد لوحظ استعماله في بداية الموجة الثانية لتيار النسَوية، خلال ستينيات القرن الماضي، في الولايات المتحدة. وغالبا ما يُشار، بالأخص، إلى كُتَيب لشلدوم فناوكر حول "السيكسيزم" عام 1968. وهذا المفهوم هو التمييز على أساس الجنس ويقع غالبا على المرأة أكثر من الرجل. أما الميسوجينية فهي بكل بساطة الكراهية التي تُقذف بها المرأة عندما تدخل، بالأخص، ميدان السياسة؛ كره المرأة بشكل عام، الغير مبرر بالنسبة لها. فالنسَويات تحاربن أيضا السيكسيزم. وهذا الأخير يؤثر على المرأة والفتيات. لكن يمكن أن يؤثر أيضا على الرجال والفتيان في حالة أنهم لا يمتَثِلون لأدوار النوع الاجتماعي وما يَنتظر المجتمع منهم.

   السيكسيزم سلاح خفي وخطر ويولّد عند المرء إحساس بالنقص واللجوء إلى الرقابة الذاتية ومحاولة تجنب المجابهة وتغيير السلوك. وقد يؤدي هذا كله إلى تدهور نفسي و صحي. ولا يقوم السيكسيزم على العدل والمساواة بين الجنسين كما أنه يتواجد في كل الميادين.

   الأفعال الفردية لسيكسيزم تبدو لأول وهلة عادية وقد تبدأ بنكتة. لكنها تخلق مناخ التخويف والخوف وعدم الأمان. وهذا يؤدي إلى التغاضي عن العنف، بالأخص من طرف النساء والفتيات. وبما أن هذا المفهوم له تبعات معقدة لذلك تبنى الاتحاد الأوروبي توصية بشأن منع ومكافحة التمييز على أساس الجنس. وإلى جانب هذا، شكّلت الأمم المتحدة للمرأة، عام 2010، أربع هيئات دولية لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، من ضمنها مكتب المستشارة الخاصة للقضايا الجنسانية.

   لقد كشف بحث "دليل السلطة"(1) machtswijzer  لعام 2001 وهو عبارة عن دليل طوّره مجلس النساء الناطقات باللغة الهولندية، عواقب ميكانزمات النوع الاجتماعي خلال الاجتماعات، في الهيئات الإدارية، في مجال اللوبي وما شابه ذلك. وكيف يمكن التعامل معها بمجرد اكتشافها. وينصب الاهتمام على خمس ميكانزمات  التي تعمل على تقويض مهارات عمل المرأة من قبل زملائها.

أولا، جعلها غير مرئية؛ يتجاهلونها.

ثانيا، يَسخرون منها

ثالثا، لا يُعلِمونها بكل شيء

رابعا، يُعرقلون نجاحها

خامسا، يُثقلونها بالإحساس بالذنب.

   علاوة على ذلك، فالتمييز على أساس الجنس يشمل كل تعبير، سواء فعلا، كلمة، صورة، أو حركة أساسها فكرة التقليل من قدر الآخر وتهميشه.

    في المجال السياسي، تواجه المرأة عراقيل من نوع آخر؛ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما أكّدته The Gardien وThe New York Times   وAmnesty International ومنضمات دولية أخرى مرارا وتكرارا، خلال السنوات الماضية: أن السياسيين يعانون من الكراهية عبر النت، لكن الكراهية تقع، بالأخص، على شخص السياسيات بشكل فاق كل المقاييس. فنتيجة ذلك لم ترشح ثمان عشرة برلمانية نفسها للانتخابات البرلمانية السابقة في المملكة المتحدة بسبب معاناتهن من هذه الكراهية.

   ولدراسة هذه الظاهرة، قامت  سَهْرا محمد ويُورس فربيك، من جامعة أوترخت بالتعاون مع صحيفة خرون أمستردمر العريقة منذ 1877،  ببحث(2) لتحليل 932 339  تغريدة ما بين الأول من تشرين الأول / كتوبر 2020 و26 شباط / فبراير 2021 مُرسلة إلى كل النساء الموجودات على قائمة الانتخابات آذار / مارس 2021. وقد استعمل برنامجا اُستلهم من البرنامج الذي تستخدمه منظمة العفو الدولية لحصر كراهية المرأة؛ يعتمد النوع الاجتماعي والادوار النمطية للمرأة في المجتمع، بالإضافة إلى توزيع التغريدات حسب العمر / الجسم، العرق والديانة.

   نرى من خلال هذا البحث، أن نسبة  10 في المائة من مجموع التغريدات (932 339 ) الموجهة – تويتر- إلى السياسيات الهولنديات فحواها الكراهية والعدوان وأحيانا التهديدات. فأغلب هذه اللعنات / التغريدات تندرج تحت ملصق النوع الاجتماعي والتمييز على أساس الجنس. وفي حال تنتمي السياسيات  إلى أقليات دينية أو عرقية، أو سمراء اللون، فإنهن يتعرضن أكثر للكراهية. ولوحظ أيضا أن النساء اللواتي يدخلن ميدان السياسة يمكن أن يتوقعن تعليقات حول المظهر الخارجي، كالملابس، اللون، نبرة الصوت، تسريحة الشعر، حول أجسامهن وكذلك ديانتهن. ولا ننسى الحملة الأنثوية التي شُنّت ضد هيلاري كلينتون خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. ويستنتج من هذا، أن المرأة تتعرض أكثر للكراهية في المجال السياسي. لذلك تخشى السياسيات من تخوف الشابات وعزوفهن دخول المجال السياسي.

   والملاحظ، أن نسبة  22 في المائة من  كل التغريدات (932 339 )، أرسلت للسيدة سيكريد كاغ، القائدة السياسية لحزب ديمقراطيو 66؛ بمعنى  ثلاث عشرة ألف تغريدة سيئة جدا في أقل من خمسة أشهر؛ أي تغريدة كل ربع ساعة. لكن كوثر بوشاليخت رقم 9 على لائحة الانتخابات لحزب اليسار الأخضر، فقد حصدت نسبة 30 في المائة من التغريدات السيئة وذلك لكونها امرأة، محجبة ومن أصول مغربية . ولقد فقدت مصداقيتها لفترة، لأنها كانت نائب رئيس منظمة فيميسو FEMYSO؛  وهي منظمة جامعة لمختلف حركات الشباب الإسلامي في أوروبا، يدعمها الاتحاد الأوروبي. وتضم في عضويتها مؤسسات في ثمانِ وعشرين دولة. وحسب الخبراء، فإن منظمة فيميسو على صلات بجماعة الإخوان المسلمين المتشددة. لكن بوشاليخت نفت عنها، في برنامج تلفزيوني M""، كل الشبهات. بالإضافة إلى ذلك، أكد رئيس حزب اليسار الأخضر يس  كلافر دعمه لشخصها وللمبادئ التي تحملها، حسب قوله. إلى جانب سيكريد كاغ  وكوثر بوشاليخت، هناك سيلفانا  سيمونيس، من أصول سورينامية، سمراء اللون، مذيعة الراديو ومقدمة برامج تلفزيونية  ورئيسة حزب Bij1""؛ هي أيضا حصدت نسبة 20  في المائة من كل التغريدات السلبية. وتعاني منذ 2015 من هذه الكراهية في حقها.

   فإلى أين تتجه كراهية السياسيات؟ والجواب أن نسبة تغريدات الكراهية توزع كالتالي: 40 في المائة  بسبب الجندر،  30 في المائة الديانة، 25 في المائة أسباب أخرى، 20 في المائة العِرق، و9  في المائة العمر / الجسم. كما لوحظ أن المغردين ينادون البرلمانيات بألقابهن، كلغة احترام،  بنسبة 27 في المائة  فقط مقابل  75 في المائة للبرلمانيين. وهذا أيضا يعني أن البرلمانيات لا يؤخذن، من البعض، بمحمل الجد. ويوجه أصبع الاتهام في هذه الميسوجينية  والسيكسيزم إلى اليمين المتطرف والهولنديين من أصول الأتراك- القوميين.

   لقد شمل البحث أيضا 245 مقابلة في صحف وجرائد يومية مع سياسيين، مرشحين في الانتخابات، برلمانيين، أعضاء حكومة ورؤساء بلديات، رجالا ونساءً، ما بين كانون الأول / يناير 2019  وشباط / فبراير 2020. وقد اتضح اختلاف في وصف واستجواب السياسيات عن السياسيين من خلال المواضيع والكلمات المختارة.  فمن بين الكلمات المتكررة التي تداولها الصحفيون مع السياسيين، ملايين، مالية، ضرائب، خطط ودولة القانون. أما المواضيع التي سُئِلت عنها السياسيات كانت أغلبها عن المرأة، الابنة، الأم والحياة وأيضا عن الزوج.

    فمن البرلمانيات اللواتي تجرأن كسر هذا الحاجز، البرلمانية الهولندية، من أصول تركية، سادات كبولوت من الحزب الاشتراكي، التي تقول أن السيكسيزم  وأنواع أخرى من الكراهية يمكن أن تكون سلاحا، يستعمل ضد السياسيات الحاليات كما ضد السياسيات الجدد.  وتضيف أن عددا كبيرا من زميلاتها يفضلن الرقابة الذاتية والسكوت تفاديا التهميش.

   أما سيكريد كاغ  فتقول، إن الأمر لا يتعلق بي، أنا لست مثيرة للشفقة. لدي أحسن عمل في هولندا. وتضيف أن الكراهية فاقت كل المقاييس وهي موجهة بالأخص للسيدات والفتيات لكي لا يتجرأن فتح أفواههن والتعبير عن رأيهن وإذا فعلن ذلك فهم يعرفون مكانَهن. لكنها لا تستسلم بعد ثلاثين سنة خبرة. فما يهمّها،  بشكل رئيسي، هو طموح الفتيات ونظرتهن للمستقبل.

   ولحسن الحظ، فهؤلاء السياسيات الجدد كما السياسيات الناشطات لم يكترثن لهذه الكراهية وكسرن تابو السيكسيزم ونجحن في جعله قيدَ التداولِ. كما أنهن فُزْن بمقاعد في البرلمان لكي يتابعن مسيرتهن السياسية من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين. حسب تغريدة  بوشاليخت؛ "الأمل فوق الكراهية". 

(1) Definiëring van het concept "seksisme", Magda Michielsens Onderzoekshuis, 2009

(2) نشر يوم 3 آذار\مارس 2021، صحيفة خرون أمستردام، رقم 9

عرض مقالات: