غدت موازنة الدولة العراقية اكثر من محكوم عليها بالحبس الشديد، حيث صار لها اكثر من ثلاثة اشهر تتنقل معلقة من اقدامها في  اقبية البرلمان. الذي غدا هو الآخر شبيه الى حد بعيد بمركز الحجز يدور فيه التدقيق والتحقيق والتفتيش بما تنطوي عليه هذه الموازنة. لكي تفرّغ من اي بند يمس بمصالح الفاسدين.

وبهذه الصلافة درج اغلب النواب على التصرف خارج مقتضيات الدستور، فيما يتعلق باعداد الجنبة المالية، علماً انه لا يعطي للبرلمان حق في تقرير مصير الموازنة سوى بامرين وهما اولاً: المناقلة بالاموال بين بنودها. والثاني: تخفيض نسبة الانفاق العام.. ومن ثم حق التصويت عليها. لكن جرى عكس ذلك، حيث صارت الكتل المتنفذة تكرس كل ماتملك من الاسلحة عسكرية و سياسية، بغية تضمين الموازنة باجنداتها الخاصة، المهجنة باصول اجنبية. التي لا تمت باية صلة بمصالح المواطنين العراقيين.

ولابد من الاشارة الى ان الطغمة الحاكمة قد رأت كما يبدو بالثغرات الموجودة في الموازنة منفذاً. يمكن استغلاله للتقرب من الجماهير الملسوعة بارتفاع الاسعار في السوق، من جراء تخفيض سعر الدينار العراقي، مما انعكس سلباً على مستوى معيشة الناس. فاخذته القوى المتنفذة متكأ للمزايدة لعل في ذلك كسب الاصوات في الانتخابات المنتظرة، اذ انها تتوقع الخسارة فيها لا محال..  زد على ذلك يمكن الاسهام في اضعاف وارباك وربما اسقاط الكاظمي. هذا وناهيك عن ايجاد " السلاح المجاز " للمناطحة مع الخصوم. فضلاً عن تبرير التلويح بمعاقبة من يقف بوجهها من خلال الاستعراضات العسكرية غير المصرح بها.

هذا ما يذكرنا بذلك الشخص البلطجي { عبيد اربز } الذي كان قد اشترك ذات يوم مع اثنين من افراد قريته في عمل لصيد السمك. وحينما حوت شبكة صيدهم ثلاث سمكات. واحدة كبيرة الحجم وتسمى سمكة " البز " ، والثانية من نوع " الكطان " ، والثالثة " بنية " والاثنتان الاخيرتان، اصغر حجماً من سمكة البز. وعندما وصلوا الى القسمة بادر " عبيد اربز " قائلاً: { الكطان للكطيني،احد شركائه، والبنية للبنيني، شريكه الثاني } رافعاً صوته بلهجة تهديد {ان سمكة البز لعبيد اربز } شاهراً خنجره ومثبته في السمكة الكبيرة.. مفتعلاً بذلك جواً ابتزازياً لشريكيه، مما جعلهما يقبلون مجبرين بـ "عدالة " شريكهم الغادر.

ان العلة ليست بالشريك المتأبط شراً، انما تكمن بالذي وثق به، ولم يعلم بكنه حقيقته، لاسيما فيما يتعلق بالاموال التي تعتبر لدى البعض أكثر الامور المحفزة للتقاتل دونها.. لقد وصلت الامور في الوسط السياسي العراقي، المتنفذ تحديداً، لحالة الانفكاك عن اي التزام بالقوانين العامة. بل اصبح يفرض قوانينه الخاصة بقوة السلاح، لان الدولة غائبة. وليس بالغريب ان يُستغل اعداد الموازنة لفرض الارادات الخاصة، الذي في اعتابه تسخن عملية المساومات وتبادل المصالح الضيقة على حساب المصالح العامة .

وعند هذه التخوم الملتهبة في ساحة الصراع لم تُدرك غاية الانتفاضة المتمثلة في" التغيير " المرتجى. غير انه يبقى انجاز اهدافها الاساسية مرهوناً بمواصلة النضال المتكامل ضمن حراك الشارع المنتفض، لتحقيق مطالب الناس وعدم التعويل على هذه الموازنة الملفقة البائسة، التي لا تساوي حتى سقط المتاع ولا تداوي جراح الوطن المستمرة تنزف ارواحاً واموالاً لغاية الأن. وهذه نتيجة ليست بالغريبة، عندما يغيب صوت الشعب الثائر. وتبعا ً لهذه الحالة تختفي العدالة الاجتماعية، وتتوارى معالم الدولة ويغيب القانون بفعل سطوة لصوص السياسة والمال العام. ومن ثم تحل عدالة " عبيد اربز " فيسهل اعتقال الموازنة او حتى الدستور ذاته.

عرض مقالات: