سأل الطفل جده ببراءة: جدي حين تنام أين تضع لحيتك الطويلة فوق اللحاف أم تحته؟
لم يجب الجد، والطفل نسى الأمر، ولكن الجد ظل يفكر بالأمر طوال اليوم، وأرقه السؤال، مرة يضع لحيته فوق اللحاف و مرة تحته، إلى أن توصل إلى الحل بإزالتها بموس الحلاقة، ولعن الساعة التي استمع بها إلى حفيده.
وهذا السؤال البيزنطي الذي لا فائدة ترجى منه بالنسبة للطفل، تذكرنا بدعوة السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بدعوته للحوار الوطني، رغم حسن النية في طرحه. ورغم انه ليس هنالك تحديد واضح، للقوى الوطنية المدعوة للحوار، فهل هي قوى الشعب الحية أم أحزاب الفساد والجريمة، وماهي قوى المعارضة المدعوة للاجتماع، شباب تشرين أم ميليشيات الجريمة المنظمة ؟ وهل هنالك جدول عمل أم مادة للحوار، أو قرارات تطمئن الشارع العراقي؟
لنتخيل الأمر، سيلتم الجمع، ويبدأ النقاش، بعض الحاضرين يسأل:
أيهما أهم قناة بنما أم قناة السويس؟ ماذا لو لم يمثل عادل إمام شخصية (الزعيم) فمن هو البديل يا ترى حسين فهمي أو محمود حميدة؟ ترى لو استبدلنا احتياط البنك المركزي العراقي من الذهب هل نستخدم الفضة أو البلاتين؟
ومن جانبهم يقول (المختصون) بالاقتصاد:
أيهما أفضل الرز غير الصالح للاستهلاك البشري التايلندي او السريلانكي؟ ماذا لو أضفنا عبارة (صنع في العراق) على برميل النفط المصدر لإظهار قوتنا الاقتصادية؟
أما (المختصون) الأمنيون يتساءلون: هل الطلقة المستوردة من الغرب حلال أم حرام؟ وإذا قتل فيها متظاهر، هل يموت ميتة الجاهلية؟
ويستمر (النقاش البيزنطي) ويتفرع، لينتهي إلى معارك تشبه معارك البرلمان، وربما يتحول من سلاح النقد إلى النقد بالسلاح.
اما العراق المنسي/ فلا يأتي ذكره لا من بعيد ولا من قريب، وهم يعرفون أن البلاد يدمرها الفساد، ووباء كورونا يفتك بشعبها، ومستويات الفقر في تصاعد، والتنمية الاقتصادية في خبر كان، والعلاقة بين المركز والإقليم ليست على ما يرام، والسلاح المنفلت ببزة حامله الرسمية أو ببزة داعش تزداد ضحاياه، والتدخل الخارجي في شؤون العراق على قدم وساق. كل هذه الأمور وغيرها تتطلب مراجعة جادة وعلى كافة المستويات. ولكنها لن تجد وقتا في الحوار المقترح.
فإذا كان الجد في الحكاية تخلص من السؤال المقلق بإزالة لحيته، فعلى المتحصنين في المنطقة الخضراء، أن يعرفوا قدرهم أنهم فشلوا في مسؤولياتهم، وأنهم أخذوا العراق إلى الهاوية، وآن أوان رحيلهم!