لم تختفِ بعد اثار اقدام بابا الفاتيكان من تراب العراق، حتى عادت احزابنا الحاكمة لدفع العراق الى مستنقع الطائفية والقومية المقيتة، في محاولة لإعادة العراق الى العصور المظلمة من خلال محاربة التنوع الديني وقتل حرية الفكر والاختيار. وفرض شروط غير معقولة او مقبولة على قانون المحكمة الاتحادية.

لقد جاءت زيارة بابا الفاتيكان داعيةً الى تعزيز العمل ضد الفساد واستغلال السلطة، والتمسك بقيم السلام والاخوة والعيش المشترك، ومن أجل وطن يعيش فيه العراقيون بأمان في وئام الحياة المدنية، والتغلب على الخصام والمجابهات، وتقدير الجهود التي تسعى الى التعايش السلمي، والتصدي الفساد وتحقيق العدالة وتطوير الاستقرار.

وتحدث راعي الفاتكان عن التسامح وبناء البلد ووضع المصالح الخاصة جانبا، وإرساء اسس المجتمع الديمقراطي وضمان الحقوق الأساسية، وعدم اعتبار أي مواطن من الدرجة الثانية. وقال إن الله خلق الكائنات البشرية متساوية في الحقوق. ودعا الى مواصلة العمل لمكافحة الفكر المتطرف ودعم التعايش والتنوع وهو أفضل هبة تمنح للأجيال القادمة.

وبدوره أكد المرجع السيستاني على "اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام.

وتحدث السيد السيستاني عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان مِن الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية. وشدد على ضرورة حث الأطراف المعنيّة على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحها الذاتية على حساب حقوق الشعوب.

وقال الكاظمي في تغريدة له: " بمناسبة اللقاء التاريخي بين قطبي السلام والتسامح، سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وقداسة البابا فرنسيس، ولقاء الأديان في مدينة أور التاريخية، نعلن عن تسمية يوم السادس من آذار من كل عام، يوما وطنيا للتسامح والتعايش في العراق.

وغرد برهم صالح رئيس الجمهورية قائلا: ألقى حضوره المطمئن لمسة سلام ومحبة، وستبقى خالدة في قلوب كل اطياف الشعب، التّواقون للأمن والسلام.

طيب، فما حدث لأحزابنا السياسية المتنفذة الممثلة في مجلس النواب العراقي وصور بابا الفاتكان لا تزال في شوارع العراق.

المشكلة تكمن في إقرار قانون المحكمة الاتحادية وفقراته المثيرة للجدل والتي تدعو الى ضم أربعة خبراء في الفقه الإسلامي الى أعضاء المحكمة لتتكون المحكمة من سبعة قضاة وأربعة فقهاء دين واثنان من خبراء القانون.

والاربع فقهاء الدين يكونان اثنان من الشيعة واثنان من السنة يعينان من قبل الوقف الشيعي والسني، وتعطى لهم صلاحية النقض (الفيتو).

وهذا يعتبر مخالفا للدستور الذي نص على مدنية الدولة والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، فضلاً عن كونها ترسيخاً جديداً للمحاصصة الطائفية في البلاد. وتهميش لمكونات الشعب العراقي الأخرى. ومخالفا لنص المادة 14 من الدستور والتي تقول: " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس، أو العرق، أو القومية، أو الأصل، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، أو المعتقد، أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي".

فإذا تم تمرير هذا القانون في مجلس النواب من قبل الأحزاب الطائفية المتنفذة، فمعناه انتهاء لأي توجه مستقبلي نحو المدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وحرية الرأي والفكر وحقوق المرأة والاسرة، لان كل هذه المصطلحات ممكن أن تتعارض مع تفسيرات ممثلي تلك الأحزاب من فقهاء الدين في المحكمة الاتحادية.

لقد كنا قد استبشرنا خيرا بزيارة بابا الفاتيكان للعراق، وقلنا ربما يأخذ البعض بما عكسته الزيارة من تسامح وقبول الاخر والابتعاد عن الهيمنة والسيطرة والاستغلال.

ولكن للأسف صدق المثل العراقي "عادت حليمة لعادتها القديمة."

9 أذار 2021

 

عرض مقالات: