لقد جاء الاحتلال للعراق بتحالف إسلامي إثني، يتماهى مع ما وصفه البعض، بأنه يمثل التزام بنصرة الطائفة والقومية، لكن بصحوة مذهبية، فوضعه على قيادة العملية السياسية، وبداْ هذا التحالف، بإصدار تعليمات ويُشرع قوانين تَضع حواجز أمام تطور وتنمية البلاد. ومن هذا الأساس ومن منطلق ترويض ناسه لصالح تنفيذ أجندات المحتل ودول الجوار، بسط سيادته على المرحلة الانتقالية. وتناسى القائمون عليها ما تعهدوا به للجماهير من وعود  قطعوها بالتخلص من موروثات الدكتاتورية، ومهدوا السبيل امام هضم حقوق واحلام الشعب العراقي، وراحوا يُثبتوا مواقعهم في الحكم ويستغلوا ثروات البلاد لصالحهم، ومؤيدهم  من الطائفيين والقوميين ، وبسرعة تبنوا ما اقترحه عليهم المحتل، نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت،  ذلك لكونه ودول التحالف لا يمكنهم أن يروا القوى الوطنية والديمقراطية، وخاصة الأحزاب ذات التاريخ النضالي البطولي، الذي حضي  بمقبولية الجماهير أن تشاركهم مسؤولية قيادة المرحلة الانتقالية، التي لم يلتفتوا لها ولا إلى الظروف الذاتية والموضوعية التي المت بالشعب والوطن  نتيجة الاحتلال. فأخذت تعادي، وعلى طول الخط مشاريع وحدة اليسار اقتصاديا وسياسيا ثقافيا وعلميا داخليا وخارجيا، من أجل التغيير والإصلاح الوطني الحقيقي. فتلك المنظومة (القوى اليمينية والإمبريالية)، تعادي وحدة اليسار الوطني مهما كانت. كما حصل في بوليفيا وفي العراق، بعد ثورة الفقراء. ففي الأولى لم يخضع الشعب البوليفي لمشيئتها، فعاد وانتخب موراليس، الرئيس الذي جاء للرئاسة نتيجة انتخابات ديمقراطية، لكن الجيش اسقطه، فما كان من الشعب إلا أن يعيد انتخاب حزبه بتحالف يساري اشتراكي، تبنى بناء مجتمع مدني تسوده العدالة الاجتماعية. أما في العراق وما يجري فيه حاليا، فقد وقف الإسلام السياسي وتحالفه مع دول الجوار ودول التحالف التي جاءت لتسقط الدكتاتورية، حجر عثرة أمام وحدة القوى الوطنية والديمقراطية وأبرزوا هذه المهمة جماعيا لإجهاض تحرك الشباب وحركة الشعب الاحتجاجية، منذ مطالبتها بالتغيير والإصلاح في 25 شباط عام 2011. وظهر ذلك بشكل واضح للعيان عند انتفاضة الشباب التشرينية السارية حاليا في وسط وجنوب العراق، واضعا معوقات أمام انتشارها في بقية مناطق العراق. تَمثل في عدم الاستجابة لمطلبهم العادل، نريد وطن.

 لقد اتخذت مطالبهم اللاحقة الطرق السلمية، البعيدة كليا عن كونها ذات طابع هوياتي ومناطقي، فمنذ بدايتها السلمية اتخذت بعدا وطنيا عاما، ومع هذا أطلقوا عليها أوصافا تجانب الحقيقة، ليبقى التحالف المذهبي والقومي هو من يتحكم بمصير الشعب والوطن، وليتحول إلى قوة أساسية، تعكس ما تريده الاحزاب المتحاصصة وميليشياتها الولائية لدول الجوار بالوقوف ضد كل من سعى ويعمل على تلبية طموح الجماهير الشعبية، بالمجتمع المدني الحر والديمقراطي، محولين الديمقراطية الهشة التي حملها إلينا (المحتل) الى ركن استغل دينيا وطائفيا لصالح تحالفهم، وبذلك خنقوا الآمال والأحلام الوردية لشعبنا وذهبت الديمقراطية مع الريح رغم عدم انسجام أحزاب التحالف مع بعضها الشيعية منها والسنية وحتى القومية إلا أنها تتضامن مع بعض لخنق الانتفاضة ودق إسفين في مسارها، عن طريق زج عناصرهم في الانتفاضة السلمية، لإخراجها من سلميتها، مستعملين كل ما من شأنه عدم     

الكشف عن مسببي إراقة دماء أكثر من 700 شهيد وأكثر 25 ألف جريح ومعاق. الم يكن هذا دافع إساسي لقوى اليسار العراقي؟! أن تعالج سبل تبعثرها وعدم وحدتها فتنطلق في تحالف على أقل تقدير لخوض الانتخابات المبكرة، سيما وأن الأحزاب المتحاصصة، بدأت مبكرا بوضع العراقيل أمام مطلب المنتفضين ومؤيديهم بأجراء انتخابات مبكرة، والتي عقدت الجماهير والشباب المنتفض سلميا  آمالا كثيرة عليها، منها تخليصهم من مواصلة نهج المحاصصة الطائفية، بالإضافة إلى أنها ستهز عروشهم إذا جرت في أجواء بيئة آمنة وبشكل نزيه، وتحت إشراف دولي، كما إنها ستكنس سيطرة تحالفهم من المواقع القيادية في الدولة، فيحرموا من مصادر ارتزاقهم، ومن مواصلة سرقة ثروات البلاد، ولتغطية ما سيصيبهم من فشل وخذلان جراء الانتخابات المبكرة، خاصة بعد أن نزع المنتفضون الاقنعة المزيفة والتي انطلت على بسطاء الناس. لجأوا إلى التبجح بعدم وجود استقرار أمني،(هم وحدهم وراءه)، وغياب قانون المحكمة الإتحادية التي ستصادق على نتائج الانتخابات المبكرة ، ناهيك عدم استكمال قانون الانتخابات، علاوة على خلقهم خلافات حول الدوائر الانتخابية المتعددة التي يريدون بها مجيء نفس الوجوه، بإصرارهم على إلحاق مناطق لا تتقارب جغرافيا مع مناطق أخرى لتشكيل دائرة انتخابية واحدة، هادفين من وراء ذلك الإتيان بنفس الوجوه، وتحويلها( الانتخابات المبكرة) إلى إبراز الهويات الثانوية وطغيان محليتها وهذا ما يراد له أن يكون في محافظة نينوى وديالى، ومناطق أخرى في البلاد، وإذا ما اضيف لذلك عدم قدرة الحكومة على لجم السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، والتمكن من ملاحقة مرتكبي الجرائم السياسية والاجتماعية والتردد الواضح في محاسبتهم، فستثار تساؤلات بجدية تنظيمها وبنزاهة وعدالة إجراءها في هكذا بيئة، لتتحول إلى مجرد ضربا  من الخيال.

 

عرض مقالات: