ليس شيء يصحُّ أن يعلَّقَ عليه اسم “الجدل البيزنطي” في هذا البلد وفي هذه الأيام، كهذا الجدل الذي يدور منذ أيام، أو أسابيع، في أوساط “المعارضة”...
وأول مظاهر “البيزنطية” في هذا الجدل، أنّ “المعارضين” المتجادلين لم يستطيعوا، بعدُ، أن يعرفوا ماذا “يعارضون” ومَن ذا “يعارضون”!
ونحن نسأل الآن مع هذا الشعب الحائر بأمرهم، ونسأل هؤلاء المعارضين أنفسهم: ماذا “يعارضون” ومن ذا “يعارضون”؟
كلُّ فريق في حلقة هذا “الجدل” يرى في “المعارضة” معنىً لا يراه غيره، وكل فريق يحس “للمعارضة” صدىً في نفسه يحس الآخرون غيره، وكل فريق تداعب “المعارضة” طموحه بأنامل تختلف عن أناملها التي تداعب طموحَ غيره ... تختلف لوناً وشكلاً وجمالاً وسحراً..
وحين يعجز”المتجادلون” أن يتفقوا على معنىً واحد “للمعارضة” وعلى إحساس واحد “بالمعارضة “، وعلى مطمح واحد تنطلق إليه “المعارضة”... وحين يعجز “المتجادلون” أن يقيموا “للمعارضة” غرضاً واحداً ومنهجاً واحداً وأسلوباً واحداً ... وحين يعجز “المتجادلون” أن يفرض فريق على فريق غرضَه ومطمحه وإحساسه ... حينذاك ماذا يصنعون؟
أيتركون “المعارضة”، وهي غاية لهم بذاتها؟ أتراهم “يفختون الدفَّ ويتفرّق العشاق” ويذهب كلّ منهم في سبيله “يغني على ليلاه” وحده؟
لا، كيف يصنعون ذلك، و”المعارضة” هي قوام وجودهم الحاضر؟ كيف يصنعون ذلك و”المعارضة” هي “الورقة الأخيرة” الباقية في أيدي بعض “اللاعبين” منهم، وهل تنفع “الورقة” دون اجتماع “اللاعبين” معاً على “مائدة اللعب”؟
لا بدّ، إذن، من المعارضة، ولا بدّ “للمعارضة” من “أقانيمها” الأربعة أو الخمسة، ولا بد “للأقانيم” هذه أن تكون “جبهةً واحدة “، وما دام هذا كلّه لا يتحقق إلا باجتناب “المسائل الأساسية التي تشكل نقطة الاختلاف الرئيسية”، فلتكن “المساومة” ولينزل، إذن، كل فريق في حلقة “الجدل” عن “جزء” من معنى “المعارضة” في ذهنه، وعن “جزء” من منهجه في “المعارضة”.. ولتكن هناك، إذن، “نقطةُ التقاء” ولتكن “الحلول الوسط”، إذن، بدل الحلول الكاملة لمشكلة البلد!
وبعد هذا يريدون من البلد إضراباً عاماً ... فعلام يضرب البلد؟ ماذا يعارضون، ومن ذا يعارضون؟ ما منهج “الجبهة المتحدة “، ما مطاليبها؟ ما هدفها، كيف تريد الإصلاح أن يكون ومن ذا يقوم منهم بهذا الإصلاح؟
الشعب، أيها “المعارضون”، يريد الخلاص حقاً، يريد الإصلاحَ حقاً، يريد الانعتاق من نظامه الحاضر حقاً، ولكنه يعرفكم أنتم بالذات: يعرف أنكم من “أسباب” قوته وسلطانه وطغيانه، ويعرف أن “الحلول الوسط” ليست هي سبيلَ الخلاص والإصلاح والانعتاق، وإنما هي سبيلكم أنتم “لاستلام” الحكم أو الاشتراك بالحكم ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في جريدة “الحياة” البيروتية، 5 أيلول 1952