في كتابه لمحات من تاريخ العراق الحديث،يشير المفكر العراقي الراحل علي الوردي، لأحد الدروس الثورية البليغة، التي جسدها قول للإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، والتي ينبغي على من ينشد التغيير إتباعها وتتلخص في قوله مخاطبا الجماعة التي قاتلت الخليفة عثمان بن عفان:

((استأثروا فأساؤوا الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع))

هنا درس بليغ وذو معان كبيرة، يصح تماما كدرس من دروس الثورة والتغيير، ولكن بشرط استلهام المعاني والحكمة فيه ودون اسقاطات دينية أو مذهبية...الحاكم والطبقة الحاكمة ومن أي لون أو جنس أو ملة، وفي أي وطن أو زمن أو مكان، يفترض أن لا يستغلوا الفرص التي تسنح لهم لقيادة البلاد والعباد وعبر فرض الجور والبطش والاستبداد والأثراء في السلطة. كما أن على عموم الشعب، أو الجماعة التي تنوي التغيير نحو الحال الأفضل بعد استئثار الجماعة الحاكمة، أن لا يصيبهم التهور وسوء التعبير عن السخط والجزع، وعبر اللجوء لوسائل العنف والقتل، وفي ذلك تساويهم منطقيا مع المستبدين الذين لم يحسنوا الحكم الذي استأثروه.

حكمة الفكرة تكمن في أن يتعلم الثوريون دروس الكفاح والنضال السلمي الطبقي التي تمكنهم من كسب تأييد الشعب ووفق ما يتماشى مع الحقوق التي تكفل لهم ذلك في الدساتير وقوانين الدولة، وبعيدا عن الحماس المفتعل أحيانا أو النرجسية الثورية بعيدا عن هضم الظروف، وفهمها وعبر واقعية الحلول وحسن السير والحركة صوب الأماني.

من الممكن أن تتغير هويات وأجناس واديان ومذاهب المستبدين والطغاة في الأزمان والأقطار، ولكن جوهر وجذور طغيانهم يكمن في انهم قد استبدوا بعد أن تحققت لهم السلطة...في ذلك الزمن تمثلوا في الطبقة التي ناصرت الخليفة الثالث عثمان، واليوم يتمثلون في احزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية، سوية من تحاصص معهم من احزاب القومية، والبقية.

الموضوع لا يخص  مثل البطولة أو المقارنة، أو عرض لسير قادة وخلفاء، بل يعني المستبدين، وكيفية التصدي لهم، في كل زمان ومكان...الحكمة والدروس تكمن في كل مسار البشرية، وساهم فيها بشر من ألوان وأجناس ومشارب مختلفة.

إن من نهب وسرق أموال العراق هم في الخانة الثانية من الذين أثروا واستبدوا ونشروا الجزع وسط الناس، وحسابهم لابد منه بدوام الكفاح ضد طغيانهم واستبدادهم وحتى تحقيق بديلهم في الحكم السليم الرشيد عبر مدنية الدولة بمشروعها العادل الديمقراطي..

عرض مقالات: