الدين هو" مجموعة من المعتقدات والتشريعات والشعائر والطقوس والمؤسسات التي تحيط بحياة الإنسان.
والمحاولات إلي تمارسها قوى الإسلام السياسي ، من خلال فرض رؤيتها وفلسفتها ونهجها على شعب بأكمله ، وهذا بحد ذاته قمعا لحق الناس في الاختيار.
ما مارستها هذه القوى بأسلمة الدولة والمجتمع ، وأثارة النعرة الطائفية والعنصرية المستمرة وفرض رؤيتها وثقافتها على الناس ، وقمع حرية المرأة وتكميم أفواه المثقفين والتضييق على الأنشطة الفنية وفرض الحجاب بشكل مباشر وغير مباشر ، وإعاقة كل التشريعات التي تنصفها وتوسع من حريتها وحقوقها ، ونشر ثقافة الاختلاف وقبول بالأخر وغيرها من الأمور التي أدت الى تراجع كبير في مناحي كثيرة في الدولة والمجتمع.
شعبنا وخلال العقد الأخير لحكم قوى الإسلام السياسي قد خبرهم ، وكان شاهدا على حماقاتهم وما ارتكبوه من جرائم، وحجم تأثير كل ذلك على حياة الناس والواقع هو من يتكلم عن تلك الجرائم والسرقات والتراجعات والانهيارات التي حدثت أبان حكمهم المظلم ، والذي أدى إلى إفقار الملايين ، وإفراغهم لخزينة البلاد.
هذه الملايين التي كانت تنتظر الخلاص من الجوع والظلم والحرمان والموت والمرض والدكتاتورية والقمع والإرهاب ، المتعطشين للحرية والانعتاق والديمقراطية والسلام والعدل والمساواة.
فوجئ السواد الأعظم بعد تجربة مريرة عمرها عقدا من السنين ، بأن الذين جاؤوهم ليحكموهم باسم الله والرسول والأئمة الأطهار ، وصدقهم الناس وساروا خلفهم وانتخبوهم وأيدوهم بكل شاردة وواردة ، على اعتبار هؤلاء يخافون الله وأهل بيته و يحرصون على حقوق الفقراء والمتعففين والمحرومين والبؤساء!
انتظروا كل تلك السنوات العجاف على أمل أن تتحسن أحوالهم ويرمون أثار ما خلفته الدكتاتورية الإرهابية خلف ظهورهم ، لكن تبين في أخر المطاف بأن هؤلاء لا يعرفون الله ولا نبيه ولا أئمتهم ولا كتابهم المقدس ، متنكرين لدينهم وشريعته السمحاء ، واتخذوه غطاء وخيمة لتمرير أجنداتهم وتحقيق مصالحهم الذاتية الأنانية ، ما كان يشغلهم يوما مصالح الناس وسعادتهم وأمنهم وعيشهم ببحبوحة ، أنما كان همهم الوحيد هي مصالحهم وجشع وأنانية والاستحواذ على المال والسلاح والجاه وأخذهم ما ليس لهم حق فيه.
سلكوا كل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، ليملؤوا خزائنهم وجيوبهم وبنوكهم من ثروات هذا البلد ،على حساب دم ودموع الملايين من الجياع والمحرومين ، متلحفين بعباءة الدين ليصادروا الدولة ومغانمها حتى وإن كان ذلك على حساب الناس كما بيناه ، وعلى جماجمهم ودمائهم ودموعهم ، فذهب الألاف من الضحايا الأبرياء من كل الأطياف والألوان من هذا الشعب الصابر المكافح ، نتيجة طائفيتهم المقيتة.
افتعلوا الصراعات وغذوا بشكل محموم النعرات الطائفية والإثنية والمناطقية والحزبية ، وصادروا الحريات والحقوق ، وساد الظلام والتخلف ،وأستشرى الفساد المالي والإداري والسياسي والعنف والحرب الطائفية.
أن قوى الإسلام السياسي التي احتكرت السلطة وصادرت الرأي المخالف، وتكريس سياسة الإلغاء والإقصاء والإبعاد والتهديد والوعيد والتعنيف والاعتقال والخطف والاغتيال، وما زالت تلك الممارسات مستمرة بنهجها هذا، لتمرير سياساتهم وفرض إرادتهم على الجميع، وتجري محاولات محمومة لإسكات كل الأصوات التي كانت تنادي بالدولة المدنية الديمقراطية ، ومن أجل العدل والمساواة والحرية والديمقراطية والتقدم.
واعتبروا كل تلك المناشدات والنداءات الصادقة والأنشطة المختلفة ،معادية للدين ولإشاعة الإلحاد والمجون والتحلل حسب هواجسهم المريضة ، وبدعم ومباركة من قبل بعض المراجع والعمائم التي خرجت من رحم الإسلام السياسي، ليفتوا بما يدعم دعواتهم وادعاءاتهم الكاذبة المضللة والمجافية للحقيقة ، لخداع الجماهير وإسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم المغتصبة ، المطالبين بالدولة الديمقراطية العلمانية المدنية.
نتيجة لهذه التراكمات الهائلة من التراجع المريع لكل شيء في [ الدولة ] والمجتمع ، الذي بان للعيان وتلمسها السواد الأعظم من الناس وبانت حقيقتهم وفشل هذا الطبقة المتربعة على دست الحكم منذ عقد من السنين ، واكتشفت هذه الملايين زيف الادعاء الكاذب لهذه الأحزاب الغاشمة.
هؤلاء الذين يحكمون شعبنا اليوم باسم الدين من قوى وأحزاب ( الإسلام السياسي ) وقد برهنوا لشعبنا بأن هذه القوى أبعد ما تكون عن الدين وقيمه ، قيم ومبادئ الدين الحنيف وشعائره وقيمه السامية ، وكل دعواتهم كانت كاذبة ومفبركة ومضللة ، لتحقيق مأربهم ونزواتهم وأهوائهم ، التي تتقاطع مع مصالح الناس وتطلعاتهم وأهدافهم في العيش الكريم.
فخرجت هذه الملايين وهي تصرخ بصوت مدوي وهادر، وزلزل الأرض من تحت أقدام السراق المفسدين والفاسدين الطائفيين حتى النخاع ، وتهتف هذه الجماهير ( باسم الدين باكونه الحرامية ) وكشفت هذه الجماهير بعفويتها وبصدق حدسها وأحاسيسها ...كشفت عن عورات هذا النظام المتهرئ ونواياه وما أرتكبه من جرائم وسرقات وإثم.
بالرغم من كل هذا الذي حدث ، والهزيمة المنكرة لهذه القوى الشريرة والظلامية وموقف الجماهير في سوح التظاهر في العديد من المحافظات ، مازالت هذه القوى المهزومة تحاول أن تشكك بموقف الملايين المنتفضة الثائرة، لتخرج علينا ومن دون حياء بأن ما يحدث في سوح الاحتجاجات عمل مدبر من قوى ركبت الموجة مثل ما حدث في الأنبار قبل عامين وفي نينوى بعد احتلال داعش الإرهابي في 10/6/ 2014 م وأماكن أخرى حسب ما يدعون.
هذا الخطاب الغبي البعيد عن السياقات العامة وعن المنطق ، الخطاب الهابط في جوهره وفحواه لتبرير فشلهم في إدارة الدولة.
على هذه القوى أن تقر بحقائق ما توصلت إليه الملاين التي خرجت لسوح التظاهر مطالبين باستعادة حقوقهم المهضومة ، من أبناء وبنات شعبنا ، واكتشفت بعد سنوات من هيمنة هؤلاء على مقدرات البلد ،÷ اكتشفوا وبما لا يقبل الشك ، بأن الإسلام السياسي قد فشل في إدارة الدولة والمجتمع ، ولم يتمكن من تلبية تطلعات السواد الأعظم من الناس ، وتحقيق أماني الجماهير التي نفضت يدها من هؤلاء الفاسدين ، والتي أعلنت البراءة من نهج وسياسة الخداع والكذب ، وما يسوقوه من افتراء وأكاذيب على الله والدين وعلى الناس الذين صدقوهم لفترة غير قصيرة.
اعتقد نظام المحاصصة الطائفي بأن الجماهير سوف تبقى في سباتها ، بحسب بنات أفكارهم ومخيلتهم المريضة ، ولن يحسبوا لهذه الجماهير وحراكها أي حساب ، وبأن حدسها وصدق توجهاتها ونهوضها في لحظة من اللحظات ستنهض وبكل قوة ، وبأنها عملية غير محسوسة ولا ترى بالعين المجردة ، بالرغم من ديناميكيتها واستمرار حركتها وحراكها ونشاطها ، وعندما تصل الى لحظة الانفجار ، فلا راد لإرادتها وعزيمتها وشكيمتها وتقول قد حان وقت الحساب.
يبدوا بأن هذه القوى لن تحسب لهذا اليوم حساب ولن تحترم شعبها وإرادته في دفاعه عن مصالحه وحقوقه !..
فأخذتكم العزة بالإثم ، وأعمتهم نزواتهم ومصالح الأنانية الضيقة القصيرة المدى ، فأفقدتم بصرهم وبصيرتهم ..وساقتهم أهوائهم ونزواتهم إلى الحضيض.
عليكم العودة إلى مكانكم الطبيعي !.. فعودوا إليه ؟...
عودوا وعاضا ودعاتا ومرشدين للناس في أمور دينكم ، عودوا إلى المساجد والحسينيات ودور العبادة وأماكن الدعوة والإرشاد ، واتركوا السياسة لأهلها ، واتركوا ( دينكم السياسي ) وأرجعوا لإسلامكم الحنيف ، وادعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فتحسنوا لدينكم ودنياكم ، فإن التقوى مخافة الله ..ومخافة الله يعني أن تخشاه في السر والعلانية ، وهو سبيلكم إلى الرشاد والصدق في أقوالكم وأفعالكم إن كنتم صادقين.
خلاصة تجربة قوى الإسلام السياسي وما ارتكبوه من خطأ وخطيئة ، وما سلبوه وسرقوه ، وما أل إليه وطننا وشعبنا، ، لهو درس بليغ ويحتاج من قوى شعبنا الديمقراطية والتقدمية والمستقلة ، ومنظمات المجتمع المدني وكل المثقفين والكتاب والأدباء ورجال الفكر والسياسة في الدولة والمجتمع ، أن يستخلصوا الدروس من هذه التجربة التي مازلنا لن نخرج من دائرتها ومخلفاتها وتراكماتها الهائلة ، مما يتوجب على الجميع أن يبقى متيقظا وحذرا ومستعدا لكل التطورات والمفاجئات.
على هؤلاء جميعا أن يسعوا وبشكل حثيث، على تحسين خطابهم السياسي ، وأن يكون متناغم مع حركة الجماهير، ولا يتخلف في هدفه ومسعاه وفي جوهره عن حس الجماهير وتطلعاتها ورغباتها الملحة في التغيير.
إني على ثقة بأن التغيير قادم وليس بمستحيل وإن بعد حين.
المسألة الأخرى والمهمة الأكبر ، استمرار النضال الحثيث والدعوة ودون تردد وانتظار وبخطاب واضح وصريح ، والمطالبة بالدولة المدنية العلمانية الديمقراطية في عراق حر ومستقل ، باعتبارها ضرورة وطنية وموضوعية ومطلب ملح تفرضها المرحلة الراهنة، وتكريس كل الأنشطة والفعاليات بخطاب رصين ، يجمع ولا يفرق ، ويستقطب كل قوى الخير والتقدم والسلام على الساحة العراقية وهذا يحتاج لمزيد من الضغط على نظامنا السياسي الجاثم على صدور الناس منذ زمن ، والذي سيدرك مرغما بأن السبيل إلى الاستقرار والرخاء والسلام والأمن والتعايش يمر عبر ملامح هذه الدولة ولا سبيل غير ذلك أبدا.
على الجميع تسخير كل الإمكانات المتاحة لتحقيق هذا الهدف السامي و المعبر عن تطلعات وأمال وطموحات الملايين من شعبنا.
ولابد من فضح كل ما من شأنه تكريس نهج وفلسفة وثقافة الإسلام السياسي ودولته الدينية المراد قيامها ، وسياساتهم المتخلفة العنصرية ، التي كانت وما زالت تنتهجها والتي أثبت الواقع فشلها الذريع ، وتسببت وما زالت بكل هذا الدمار والخراب والموت ، وهي بالضد من مصالح شعبنا ، واعتبار أن مرحلة ما قبل 7/8/2015م يجب أن تصبح شيء من الماضي ولا يمكن الرجوع أليه أبدا ، ويجب إفهام هؤلاء المتخلفون بهذه الحقيقة.
أخيرا علينا دعم كل ما من شئنه أن يعمق برامج وخطط التغيير المرتقب ، ومساندة كل خطوة للسير نحو هذا الهدف، وبنفس العزيمة التصدي لكل المحاولات التي ستقوم بها هذه الجهة أو تلك ، لإعاقة عملية إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية ومؤسساتها المختلفة ، وفضح وتعرية ولجم النهج الظلامي المعادي لقيام الدولة الديمقراطية العلمانية ، والتصدي لهؤلاء المعادين لحركة الحياة.
العمل النشيط لتوسيع مساحة الحريات والحقوق وما تطالب به الملايين لتحسين ظروفها الحياتية والخدمية وتحريك عجلة الاقتصاد ، وتنمية نشاطات المجتمع المدني والجمعيات والاتحادات والنقابات ، ودعم المهرجانات والفعاليات الفنية والثقافية والأدبية باعتبار ذلك مدخل من مداخل ديمقراطية الدولة والمجتمع.
لنعمل جميعا وبتلاحم مكونات وطوائف شعبنا المختلفة، وتوحيد جهدنا وعملنا لهزيمة الإرهاب والإرهابيين والعنصريين والطائفيين ، وكل القوى التي تسعى لبقاء العراق في دائرة العنف والتمزق والتقاتل والتخلف.
لا تراجع عن مسيرة شعبنا ووطننا ، بل السير بخطى حثيثة للعبور إلى شاطئ الأمان والسلام والتقدم والديمقراطية.