شهدت الساحة السياسية السودانية هذا الاسبوع ضمن احداث متلاحقة اخرى، انسحاب تجمع المهنيين من كل هياكل قوى الحرية والتغيير، وتوقيعه اتفاقا سياسيا مع الحركة الشعبية - شمال جناح عبد العزيز الحلو. وهذا يرتب اثاراً بالغة على مستقبل الحكومة، بفقدانها اهم مؤسس شعبي لها. وهي خطوة ربما تدفعها لتقديم تنازلات عديدة امام الشريك الاخر في السلطة.  كما انها قد تؤثر على مفاوضات السلام التي تجري في جوبا. وقد عكست ذلك تصريحات “الحلو” الذي وصف بيان الكيان المهني بالوثيقة السياسية الاكثر اهمية في تاريخ السودان، نظرا لما حمله من مطالبة صريحة بعلمانية الدولة، التي سبق ان اشترطها الحلو نفسه في مفاوضاته مع  الحكومة في وقت سابق، وكانت سببا في تأجيل تلك المفاوضات، كما اثارت جدلاً في الساحة  السياسية من حيث توقيت الطرح. واشارت قوى سياسية عديدة الى ان مكانه هو المؤتمر القومي الدستوري وليس مائدة التفاوض المعنية بوقف القتال وتحقيق السلام.

اصل الحكاية

جرت قبل فترة انتخابات سكرتارية تجمع المهنيين وفازت فيها قائمة مختلفة عن القيادة السابقة، وصفت من قبل قيادات نقابية وحزبية بانها يغلب فيها نفوذ الحزب الشيوعي. 

وقد اكدت  السكرتارية الجديدة للتجمع ان العملية الانتخابية سليمة ولم يطعن احد في صحتها. لكن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير رفض قبول عضوية  السكرتارية الجديدة، بحجة انها تخل بالتوزان السياسي داخله،  الشيء الذي اعتبرته السكرتارية استمرارا في خرق الوثيقة الدستورية، كسلوك درجت عليه القيادة لصالح تيار التسوية مع العسكريين، وتلبية لمطالب احد محاور الصراع الاقليمي التي يتارجح بينها السودان منذ ان تفجرت الثورة.

واتجه الفريقان الى الشارع استعداداً للمواجهة.  فخاطب د. محمد ناجي الاصم احد  اعضاء القيادة القديمة في صفحته على الفيسبوك،  جماهير المهنيين واصفاً ما حدث داخل التجمع بالاختطاف الحزبي. وردت السكرتارية الجديدة بان المجموعة  المهزومة لم تقبل بنتائج الديمقراطية التي اتت بغيرهم.

 واعلنت قيادة الحرية انها تقوم بعملية رأب للصدع داخل جسم التجمع. وسعت مع جهات اخرى لخلق قيادة توافقية من الكتلتين، الأمر الذي رفضته السكرتارية الجديدة واعتبرته تدخلا سافرا في شؤونها.

 وفي اطار تصعيد المواقف اعلنت السكرتارية الجديدة تأييدها للمسيرة التي دعت لها لجان المقاومة  احياءً لذكرى 30يونيو، والتي وجدت استجابة جماهيرية واسعة. كما انها ادرجت

 مطالب سياسية في مذكرتها التي اكدت  فيها مشاركتها في المسيرة، مثل علمانية الدولة وتأسيس دولة المواطنة. لكن البعض اخذ عليها تخليها عن مهمتها الاساسية، المتمثلة في تاسيس النقابات. وردت السكرتارية قائلة ان التجمع جسم مطلبي ذو ابعاد سياسية، وقد وافقت جموع الشعب على  مشاركته في اكبر عملية سياسية متمثلة في اسقاط النظام، وان الحديث عن عدم مشروعية رفعه مطالب سياسية  يظل بلا معنى.

ولم  تتوقع قوى الحرية والتغيير الخطوة من جانب التجمع، الذي فاجأها باعلان انسحابه من كل  هياكلها، وتوقيعه اتفاقا سياسيا مع تيار آخر يتوقع ان تنضم اليه كيانات اخرى ناقمة على عملية السلام التي تجري في جوبا، والتي اعلن التجمع عدم اعترافه بها ووصفها بانها لن تحقق السلام.

 وجاء في الاتفاق السياسي الذي وقعته حركة الحلو مع التجمع، ان من الضروري عودة ملف السلام الى مجلس الوزراء، حسب نص الوثيقة الدستورية. وهذا يعني سحبه من المجلس الاعلى للسلام، الذي شكله مجلس السيادة برئاسة القائد العسكري حميدتي.

وعلى صعيد اخر اعلنت حركة تحرير السودان جناح اركو مناوي ترحيبها بالاتفاق، بعد ان انتقدت العملية السلمية التي تجري الان. فيما وصفت قوى الحرية والتغيير على لسان ناطقها الرسمي كمال بولاد الخطوة بانها مستعجلة.

 وبذلك يكون قد ظهر اصطفاف سياسي  جديد، يملك طرفه الجديد من اسباب القوة المدنية والعسكرية ما يجعله منافسا شرسا، ربما يدفع الحكومة لاعادة النظر في ارتباطها القديم، بعد ان  تتبين ان التحالف الداعم  لها اصبحت تسانده قوى اجتماعية ضعيفة. في وقتٍ تزداد فيه الاصوات المؤيدة للتحالف الجديد.

ومن المتوقع ايضاً ان تلقي العملية بظلالها على استكمال هياكل الحكم في المرحلة المقبلة، والتي تبقّى منها تكوين المجلس التشريعي، بعد ان خضع تشكيل الولاة لمحاصصات حزبية صارخة. لكن رئيس الوزراء حمدوك اعتمد القائمة الحزبية رغم احتجاج جماهير بعض الولايات، مما يشكل ظرفاً مواتياً قد يستفيد منها التحالف الجديد، اذا تجاهلت الحكومة وجوده.

الخرطوم

عرض مقالات: