مبادرة محمودة أن تُصدر جريدة “طريق الشعب” الغراء عدداً خاصاً بمناسة الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من تموز الخالدة. وقد جاء العدد حافلاً بالموضوعات القيمة التي تليق بهذه الثورة وبجريدة “طريق الشعب” باعتبارها لسان حال الشعب الذي قامت ثورة تموز من أجل تحقيق آماله في التحرر من الاستعمار وأعوانه الرجعيين والإقطاعيين والجلادين. إنّ الاحتفاء بذكرى هذه الثورة وإبراز قيمتها التاريخية وجسامة مهماتها وإنجازاتها أمر ضروري جداً؛ بل هو واجب وطني وتاريخي نظرا لما تتعرض له ثورة تموز من محاولات تشويه وطمس للحقائق من لدن الأعداء انفسهم الذين تآمروا لإسقاطها مرحلياً , سعياً لاسقاطها تاريخياً. وإذا كانوا قد نجحوا في غايتهم الأولى فإنهم لن ينجحوا في غايتهم الثانية. فبالتصدي لمحاولات التزييف والتشويه وبث الأباطيل عند استذكار ظروف الثورة والكلام عن المرحلة التي تفجرت فيها، ستبوء كل هذه المحاولات بالفشل.

وكان من موضوعات العدد القيّمة موضوع (أربعة أخطاء متعمدة لتشويه ثورة 14تموز) كتبه الاستاذ علي بداي، الذي أورد فيه ردوداً شافية ووافية على تخرصات ومزاعم باطلة يطلقها مغرضون للنيل من مشروعية الثورة وضرورتها التاريخية، وبخاصة الفقرة الثالثة من الموضوع آنف الذكر التي ناقشت قضية مهمة طالما طرحها أعداء الثورة وتمشدقوا برفعها يافطة مهلهلة خرقاء؛ تهمة واهية لا تتوفر على أبسط شروط المصداقية، على الرغم من كل مابذلوه من تدليس ودجل وفبركات لحياكة خيوطها المهترئة، يافطة تتمشدق بديمقراطية النظام الملكي المزعومة ليصطف خلفها كارهو مبادئ ثورة تموز والحاقدون على القوى التي عضّدتها، ومن فقدوا امتيازاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية جراء منجزات الثورة، والمتبلبلون فكرياً والمتنطعون بأية فكرة ترد على أذهانهم من دون تمحيص أو بحث تاريخي رصين واستخلاص للحقائق الراسخة منه.

تمنينا لو أنّ المقالة مرت على أمر مهم وجوهري ينسف من الأساس المزاعم المفتعلة بديمقراطية العهد الملكي، التي يعقد المتخرصون عليها الآمال في تحقيق المكاسب للعراق. وأعني بذلك السلوك الاجرامي ضد المناضلين بأفتك وسائل القمع المختلفة، والتي بلغت حدَّ التصفيات الجسدية سراً وعلانيةً. فبأي ذريعة سيفسرون الإعدامات التي طالت مناضلي العراق..؟

النظام الملكي (الديمقراطي للكشر) افتتح مسلسل الاعدامات في الوطن العربي بإعدام كوكبة من الضباط المشاركين في حركة مايس الباسلة وعلَّق جثثهم في ساحات بغداد، ومعهم مدني واحد هو الشهيد يونس السبعاوي.

لعلهم سيتذرعون بأن هؤلاء الضحايا كانوا يريدون قلب نظام الحكم فنالوا عقوبة الاعدام جراء ذلك. ولكن بماذا سيتذرع مدّعوّ ديمقرطية ذلك العهد إزاء جريمته باعدام كوكبة أخرى من المناضلين قادة الحركة الوطنية عام 1949، وقد كُيّف الجرم هنا قانونياً بـ(أفكارهم) الهدّامة، وهو اعتراف صريح ووقح من النظام بأنه يعدم معارضيه بسبب أفكارهم.. إذن أية ديمقراطية تزعمون ؟!

وبعد تلك الجريمة النكراء وتحديدا في عام 1956 أقدم المجرمون وبإرادة ملكية طبعا، على إعدام كوكبة أخرى من المناضلين الاحرار أبطال انتفاضة مدينة (الحي) الباسلة عطا الدباس ورفاقه الشهداء، ليدشن الملك عهد تتويجه بدماء العراقيين الطاهرة استمراراً على نهج خاله ابّان وصايته على العرش. وهو نهج لا شك مملّى على النظام من أسياده المستعمرين. هذا عدا الشهداء الأبطال الذين سقطوا برصاص السلطة العميلة في سوح التظاهر والانتفاضات.

ولن تمحو محاولات التزييف وتشويه حقائق التاريخ دماء فتاة الجسر الشهيدة صبيحة، ولا شهيدة انتفاضة الحي ركية شويلية ورفاقها الشهداء كاظم الخويلدي وحميد فرحان الهنون. وهم يصدون بصدورهم عدوان فوج المجرم سعيد قزاز الذي أطلق قولته الفاشستية الشهيرة بلكنته (المكسرة) (قزا حي مولازم). كما لن ينسى احد الشهيد جعفر الجواهري شقيق شاعر العرب الأكبر، ولا أولئك الشهداء المجهولين الذين تمت تصفيتهم في سجون ومعتقلات أعتى الجلادين بهجة العطية وسعيد قزاز ومعاونيهما الجلادين الصغار، أو أولئك الفلاحين الذين تمت تصفيتهم بدم بارد بسبب أو من دون سبب من قبل الاقطاعيين الذين كانوا قاعدة ذلك العهد، فملّكهم الحجر والبشر ومنحهم حق استعبادهم وازهاق أرواحهم دون أية مساءلة قانونية، بل بالعكس سنّ قوانين لشرعنة الاستبداد والاستعباد.

ومن مظاهر (ديمقراطية) ذلك النظام استخدامه القوات المسلحة بضراوة في قمع المظاهرات والانتفاضات الشعبية، كما في وثبة كانون عام  1948 وانتفاضة تشرين عام 1952 وانتفاضة 1956 في الحي التي اُقتحمت بفوج من القوة السيّارة من ثلاثة محاور، لتحتل المدينة وتداهم بيوتها ويُلقي القبض على شبابها الثائرين، بعد أن سقط في العملية الاجرامية عدد من الشهداء والجرحى وألقي القبض على قادة الانتفاضة وجرت محاكمة صورية لهم في إحدى المدارس، فحُكم ثلاثة منهم بالاعدام شنقا وما يقارب الثلاثين بمدد سجن مختلفة. وقد نفذ حكم الاعدام بالشهيدين الخالدين علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس. أما رفيقهما الثالث عبد الرضا حاج هويش فحكم بالاعدام غيابيا.

أما الحياة النيابية الصورية في ظل النظام الملكي فلو حسبناها لاكتشفنا مدى ضآلة مددها بالقياس إلى عمر ذلك النظام الذي قارب الأربعين عاما، فكل وزارة تتشكل تحل المجلس النيابي وتجري انتخابات جديدة لتستخرج مجلساً نيابياً على وفق مشتهياتها بشتى وسائل التزوير. مرة واحدة في عمر النظام الملكي انتخب أحد عشر عضوا من الحركة الوطنية، فسارعوا إلى حل المجلس.. فعلى أية ديمقراطية يتباكون وهم يدعون وجودها في العهد الملكي السائر في ركاب الدول الاستعمارية والخاضع لارادتها والمنفذ لسياساتها في الداخل والخارج. بدءاً من قمع وتصفية الاحرار من العراقيين، مرورا بتسليم ثروات البلاد بيد الشركات الاحتكارية والسماح بتدنيس أرض العراق بالقواعد العسكرية، وصولا الى عقد المعاهدات الجائرة والدخول في الاحلاف مشبوهة النوايا والاهداف.

أما اللطم المغرض على قتل العائلة المالكة ومحاولة إلصاق دمهم برقبة الثورة؛ فإن الأدلة وشهادات الشهود التاريخيين للواقعة تفند هذه المزاعم وتبرئ الثورة من مسؤوليته.. فالذي أطلق النار عليهم ضابط غير متوازن نفسيا وليس من القوة التي كلفتها قيادة الثورة بواجب اعتقال العائلة المالكة ولا حتى من تنظيم الضباط الاحرار. هو الضابط ستار سبع العبوسي الذي صادف أن كان خافرا في نقطة عسكرية قريبة من قصر الرحاب وانضم الى المجموعة المكلفة بالواجب من تلقاء نفسه بعد سماع بيانات الثورة من الاذاعة، علما بأن الثابت تاريخياً أنه كان يسعى الى الثأر لاخيه الذي يتهم الوصي عبد الاله بعملية تصفيته في الولايات المتحدة، وكانت له محاولة سابقة لاغتيال الوصي عبد الاله مذ كان طالبا في الاعدادية المركزية، حيث اعترض موكب الاخير عند مروره في شارع الرشيد، لكنه أخفق في تنفيذ نيته. وحتى شهادة اكثر الضباط ولاء للنظام الملكي واشدهم كرها للثورة ومفجريها، الضابط فالح حنظل من ضباط الحرس الملكي سابقا والدكتور لاحقا، وهو ممن شهدوا الواقعة، ثبّت هذه الحقيقة في شهادته التاريخية سواء في كتابه أو عند إدلائه بها من قناة العربية في برنامج الاعلامي المعروف طاهر بركي (الذاكرة السياسية ) أو في فقراتها التي عرضها الاعلامي الباحث الدكتور حميد عبدالله في برنامجه القيم (تلك الايام). ثم أن هناك  وثيقة أشار إليها الكاتب عباس الخفاجي في صحيفة (رأي اليوم) بتاريخ 24\7\2020 ، وفيها نص إفادة الضابط العبوسي التي طلب منه عبد السلام عارف تدوينها يوم الثورة، وفيها تفصيلات كاملة عن عملية تصفية العائلة المالكة وقد اقر فيها بقيامه بالمهمة من دون أوامر.

أما كون الثورة فتحت سجل الانقلابات العسكرية فهذا السجل مفتوح على دفتيه في المنطقة ليس فقط منذ زمن انقلاب بكر صدقي عام 1936 بل منذ عام 1879 عند قيام ثورة احمد عرابي في مصر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أحمد عرابي عراقي الأصل يعود نسبه الى الامام موسى الرضا (ع).

وأخيرا أقول ابحثوا عن  ذرائع أخرى, وقد تجدون لو اطنبتم بالتشويه والافتراء، لكن اعلموا - بل أنتم تعلمون - أنها لن تصمد ، شأن كل الأكاذيب، أمام أبسط حوار جاد بوعي متفتح.

عرض مقالات: