الشعوب المتحضرة الحية، تحترم تأريخها فلا تسمح لأحد بتشويهه فتزييف التأريخ هو إعدام ذاكرة شعب. وهناك من يشوه ثورة 14 منطلقاً من أربع معلومات خاطئة متعمدة وهناك من يكررها دون محاسبة ضمير:

الخطأ الأول: ثورة تموز هي التي فتحت عهد الانقلابات وحكم العسكر

كلا، هذا غير صحيح ، اول من فتح عهد الانقلابات والاغتيالات هو بكر صدقي عام 1936. ثمانية انقلابات عسكرية حدثت في العهد الملكي ولكن ثورة تموز نجحت لأنها إستقبلت بتأييد شعبي لامثيل له بأعتراف المستشرق “مكسيم رودنسون” والمؤرخ “حنا يطاطو” والفيلسوف “ برتراند راسل” وعشرات الكبار. ثم أن معظم مؤسسي الدولة العراقية كانوا جنرالات في الجيش العثماني، نوري السعيد نفسه وهو رئيس الوزراء 14 مرة كان جنرالاً. كما أن 50% من فترة العهد الملكي كانت في حالة الحكم العرفي العسكري.

الخطأ الثاني : ثورة تموز كانت دموية ولذلك لايصح إعتبارها عيداً وطنياً

كلا، ياجماعة، العهد الملكي قمع إضرابات عمال كركوك بالرصاص ، أنهى إحتجاج المساجين في الحي وبغداد بالبنادق، دك قرى الآشوريين والكرد بالطائرات، واجه مظاهرات الجسر السلمية بالرصاص، علق سياسيين مدنيين غير مسلحين على المشانق بساحات بغداد، ومع ذلك فالحقيقة تقول ان عبد الكريم خطط لابعاد العائلة الى الخارج على الطريقة المصرية مع الملك “فاروق” أما الذي إقترف جريمة قتل العائلة المالكة فهو النقيب عبد الستار سبع العبوسي وهو ليس من تنظيمات ضباط الثورة، وقد تصرف فردياً بدوافع قومية انتقاماً لضباط حركة مايس 1941 الذين أعدمهم عبدالإله. انظر لفرنسا كيف تحتفل بعيدها الوطني يوم 14 تموز رغم أنه كان يوماً دموياً. باريس عاصمة النور، مدينة حقوق الانسان وثورتها التي رفعت شعار حرية أخاء مساواة لم يمنعها من الاحتفال بهذا اليوم كعيد وطني أن الجماهير الثائرة قتلت “دي لوني” مدير سجن الباستيل وسحلته وطافت براسه معلقاً على الرماح في شوارع باريس..فهناك فرق بين السبب والنتيجة..الظلم يشرعن العنف. قبل ان تجرّم عنف المظلوم حاسب تهور الظالم فالسبب هو الذي يصنع النتيجة لا العكس!

الخطأ الثالث: النظام الملكي كان نظاماً ديموقراطياً

كلا، هذه مغالطة، الديموقراطية كانت ممارسة نخبوية شكلية ومحصورة بين العوائل الارستقراطية والإقطاعيين. روى أحدهم للدكتور علي الوردي: إنه سمع ذات يوم، في موسم من مواسم الانتخابات، بأن برقية وصلت من بغداد لمتصرف لواء تأمره بانتخاب شخص معين. وقد ذهب هو وجماعة معه لتهنئة الشخص المحظوظ، فقبل الشخص منهم التهنئة، رغم أن الانتخابات لم تحن وكانت في طور الاعداد! أيد هذه الرواية أحمد مختار بابان في مذكراته، وإعترف أنه هو الذي كان متصرفاً في لواء البصرة والذي شكل الوفد لتقديم التهنئة لذلك النائب. وفي عام 1954 جرت في عهد حكومة أرشد العمري انتخابات برلمانية، ورغم كل الغش، فازت أحزاب المعارضة الوطنية بـ 11 مقعدا من مجموع 131 مقعد، فلم يطق نوري السعيد هذا العدد القليل من المعارضين، إنقلب على زميله أرشد العمري، وعطَّل البرلمان، وشكل الحكومة برئاسته، وأعلن الأحكام العرفية فاية ديموقراطية تلك؟

الخطأ الرابع: كل إنجازات ثورة تموز كانت مخططة في العهد الملكي

كلا، هذا غير صحيح. عاش العهد الملكي 38 سنة وعاشت ثورة تموز 4 سنوات ونصف، ولكن الذي نفذ في عهد الثورة يتجاوز مئات المرات ما بني في عهد الملكية. الناس لاتأكل من المخططات. أنظر المشاريع على الورق و التي خططت في عهد المالكي والجعفري وما تلاهما..ما الذي تحقق منها؟

أخيراً، لو ان حركة تموز فشلت لأعدمت الملكية كل الضباط الاحرار مثلما فعلت مع حركة الصباغ ، مقابل ماذا؟ ما المكاسب الشخصية التي جناها قادة الثورة؟ هل أثروا؟ هل ملكوا الاراضي والمزارع؟ هل عين عبد الكريم ابن أخيه وزيراً؟ هل سجل وصفي طاهر او المهداوي او ماجد أمين إقتصاد البلاد باسماء عوائلهم؟ هل تقاسم الضباط الاحرار الكعكة مثل جماعة حنان ومشعان وبرزان وطالبان؟ حكومة تموز هي أول وآخر حكومة عراقية تدك اسوار الطائفية والعشائرية وتنسفها من الاساس..بدلاً من رد الجميل يجلس البعض مكرراً ترديد ما يشاع وكله مبني على خطأ.

عرض مقالات: