شهد العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 العديد من الانتفاضات والاحتجاجات ضد ظلم وطغيان الحكومات المتعاقبة، وقد ولد هذا التراكم الثورى والغليان تحول نوعيا اسفر عن ثورة 14 تموز عام1958 التي قلبت موازين القوى لصالح الشعب العراقي وتطلعاته من اجل حياة كريمة وطن حر لا تتحكم فيه الارادات الاستعمارية.
ومن هذه الاحداث: وثبة كانون عام 1948 ضد حكومة صالح جب، وانتفاضة واضراب عمال نفط كاورباغى في كركوك 1946، انتفاضة ال زريج فى ميسان والبصرة 1952
مظاهرات ضد معاهدة بورتسموث وحلف بغداد 1955
احتجاجات على العدوان الثلاثي على مصر1956
انتفاضة الحى اسقاط حلف بغداد عام 1956
هذا الحراك الجماهيري ترك أثره على الجيش العراقي خاصةً بعد هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين1948 و التي كانت لها ردة فعل عنيفة وسط الضباط الوطنيين من بينهم عبد الكريم قاسم وبدء نشوء لجان تنظيمية للضباط الأحرار فكانت في أغلب معسكرات الجيش تنظيمات لمختلف الاتجاهات، و كان للأحزاب السياسية دورها بتعبئة الجماهير، فلقد اعلنت جبهة الاتحاد الوطني بالعراق 1956 التي اتفقت الأحزاب فيها على اسقاط النظام الملكي واعلان الجمهورية، لكنها لم تتفق على المرحلة اللاحقة لنجاح الثورة.
واستعد الحزب الشيوعي بإبلاغ قواعده وكادره بوجود مظاهرات مرتقبة ولما سمعت الجماهير البيان رقم واحد هرعت الى الشوارع لدعم وتأييد ثورة الشعب.
لقد ارعب انتصار ثورة الشعب الوطنية الأصيلة القوى الاقليمية من “شاه ايران” و”عدنان مندرس” تركيا، وملك الأردن حسين بن طلال، وانزلت امريكا طائرات وجنود في الأردن ونزلت في لبنان قوات من الأسطول السادس بطلب من رئيس وزرائه “كميل شمعون”، وهنا تدخل الاتحاد السوفيتي لحماية الثورة الوليدة.
لقد حققت الثورة انتصارات عديدة منها:
قانون الغاء الملكية واعلان الجمهورية، قانون الاصلاح الزراعي، وتحرير الفلاحين من الأقطاع برقم 30 لسنة 1958، قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب رقم 15 لسنة 1958 ، سن الدستور العراقي المؤقت برقم 15 لسنة 1958 وفيه المادة السادسة:( يقوم الكيان العراقي على اساس التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم، ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر الدستور حقوقهم ضمن الوحدة العراقية)، وقانون الأحوال المدنية الذى ساوى بين المرأة والرجل برقم188 لسنة 1959 ،وقانون تحديد مناطق استثمار الشركات النفطية الأجنبية رقم 80 لسنة 1961 ، والغاء قانون العشائر المدنية والجزائية بالمرسوم56 لسنة 1958، واصدار قانون الجمعيات واجيزت 700 جمعية في عام 1961
ومن الانجازات المهمة الأخرى للثورة غلق القواعد الأجنبية والتنويع بتسليح الجيش العراقي، الخروج من حلف بغداد، والخروج من منطقة الاسترليني، واعتماد سياسة عدم الانحياز وعدم الدخول في الأحلاف العسكرية.
لقد تفجر الوعي السياسي بعد الثورة لدى الجماهير الشعبية الواسعة في معرفة حقوقها وواجباتها وتم اطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحرية الرأي والعمل النقابي. بالإضافة الى الغاء الأبعاد الطائفية والعرقية فى ممارسات الدولة والغاء التمييز الطائفي.كما دعمت ثورة 14 تموز الثورتين الجزائرية الفلسطينية، وساهم العراق مساهمة نشطة في منظمة اوبك، و تم التوقيع على اتفاقية صداقة مع الاتحاد السوفيتي.
وهذا مختصر للمشاريع المنجزة بزمن حكومة ثورة 14 تموز 1958 المجيدة:
بناء 2334 مدرسة، بناء مستشفيات كبيرة بالمحافظات ، بناء مدينة الطب ببغداد، بناء 16000مستوصف ، تحقيق 44 مشروع اسكان ، بناء 3 سدود اروائية كبيرة، و شق 10 مبازل، تشيد 80 معاملا ومصنعا و25 معامل طحين، 3 مزارع و16 محزرة حديثة ، بناء 23 جسرا كبيرا، وبناء فنادق وكازينوهات حديثة، تأسيس 875 جمعية تعاونية ، انشاء ميناء ام قصر والميناء العميق ام العمية، بناء سايلوات حبوب، بناء ملعب الشعب، انشاء معرض كولبكيان، فتح قناة الجيش وتوزيع الأراضي والوحدات السكنية للمواطنين كزيونة واليرموك ومدينة الثورة والشعلة وفى المحافظات، وتسيير القروض من المصرف العقاري، بناء مطار بغداد الدولي، إنشاء سد دربندى خان، وهنالك العديد من مشاريع البنى التحتية منها تبليط الشوارع.
اما اسباب اخفاقات الثورة فهى لا تقارن بإنجازاتها بالكم والنوع.
يبقى الزعيم عبد الكريم قاسم، شخصية وطنية عسكرية غير سياسية و نزية أحبّ الفقراء، وتعاطف معهم، فاحبوه لبساطته وإخلاصه للعراق الاّ انه ارتكب أخطاء سياسية كبيرة فلم يشرك الحزب الشيوعي العراقي في حكومة الثورة رغم دعمه لها، بل زاد من التضييق عليه وزج مناضليه في السجون. وكذلك تساهله مع أعداء العراق والثورة رغم جرمهم المشهود وقرارات محكمة الشعب بحقهم الاّ انه اخطأ بعبارة (عفا الله عما سلف ) كما أنه ابعد الضباط الشيوعيين المخلصين من المراكز الحساسة بالجيش وخاصةً كتائب الدبابات حول بغداد والتي كان معظم امرائها من البعثيين والقوميين والمتآمرين وكذلك قوة حماية دار الاذاعة والتلفزيون وقاعدتي الحبانية الجوية واللواء الثامن فيها وقاعدة كركوك الجوية التي انطلقت منها الطائرات لتقصف وزارة الدفاع في انقلاب 1963، وابعد المخلصين من العسكريين الى كردستان حيث كانت اغلب قطعات الجيش تقاتل الأكراد.