تشير المصادر المختلفة إلى أن انتفاضة معسكر الرشيد أو حركة حسن سريع بدأت بمحاولات فردية قام بها شيوعيون، من مستوى لجان المحلية وما دونها، لإعادة بناء التنظيم الحزبي على مستوى القاعدة الحزبية. ويُشار بوجه خاص، إلى أن كادراً حزبياً عمالياً، يُدعى إبراهيم محمد علي الديزئي من مدينة مخمور، كان يعمل في إطار اللجنة المحلية للمشاريع العمالية الصغرى التابعة إلى منطقة بغداد، هو الذي بدأ هذا النشاط وقاده. وقد امتد نشاط هذا التنظيم واتسع بسرعة بين الطلاب والجنود. وكان من بين الذين انخرطوا في هذا النشاط و بهمة عالية، محمد حبيب (أبو سلام)، وهو عامل خباز، وكان يقود "لجنة قاعدية" وينتظم في لجنة قضاء يقودها الشهيد إبراهيم محمد علي. وكان حبيب هو المسؤول الحزبي عن المجموعة الصِدامية الشجاعة التي قادت ونفذت انتفاضة معسكر الرشيد في الثالث من تموز عام 1963، بقيادة المناضل الشجاع الرفيق حسن سريع. وانضم إلى هذا النشاط الخياط حافظ لفتة، والطالب هاشم الآلوسي، وكلاهما أصبحا من قادة هذا التنظيم، الذي صار يعرف ب"اللجنة الثورية". وقد ظلت هذه المجموعة تسعى للاتصال بقيادة الحزب. يبدو أن الشهيد حسن سريع كان صاحب الدور الأوفر في التهيئة والتحضير والكسب للانتفاضة ، إذ كان رصينا ، محبوبا ، تعّلق به الجنود وصف الضباط من أقرانه كثيرا ، فكان يجمع بين الشجاعة والإقدام والطيبة وكرم النفس ، ومن هنا كانت شخصيته قوية وجذابة فنال حب الجنود واحترامهم.

ويُفيد الكاتب حامد الحمداني بأن محمد حبيب "أخذ يتهرب من اللقاء مع إبراهيم في الأيام الأخيرة التي سبقت تنفيذ الانتفاضة، وبات واضحا أنه أراد الانشقاق عن الحزب والاستئثار بالحركة لنفسه". إن الحمداني عديل إبراهيم محمد علي، وكانا يقيمان في بيت واحد وأعتقل الاثنان في يوم 18 تموز. وقد استشهد إبراهيم ببطولة بعد يومين من اعتقاله. .

لقد انضم إلى المجموعة ما يقارب من ألفي شخص، من حزبيين ولا حزبيين، وأغلبهم من العسكريين، جنوداً ومراتب، يتوزعون على العديد من معسكرات بغداد وغيرها.

وفي بداية أيار 1963، كما يذهب تقرير قدمه هاشم الآلوسي إلى الحزب لاحقاً، سعى منظمو المجموعة إلى الاتصال بقيادة الحزب في بغداد. وقد نصحهم جمال الحيدري والعبلي بالتريّث وإعطاء الفرصة للحزب لكي يعيد ترتيب أوضاعه ويغدو قادراً على التحرك. إلا أن المجموعة لم تقتنع بهذا الرأي، وأصرت على مواصلة استعداداتها، وكانت تتحرك باسم الحزب وقيادته. كذلك اتصلت هذه المجموعة بمنظمة الحزب في الفرات الأوسط لتضمن تأييدها، ولم تتمكن أن تثبت إدعاءها بأنها مخوّلة من قيادة الحزب، إلا أنها حصلت على وعد عام بالمساندة بعد التنفيذ.

في حزيران 1963 شاءت الصدف، وربما بسبب كثرة التحرك والاستعجال، أن القي القبض على عريفين من قادة المنظمة. وخشية من أن يبوحا بخطط التحرك، تحت التعذيب، سارع محمد حبيب، وكان كثير الاعتداد بنفسه. إلى تقديم الموعد من 5 إلى 3 تموز، وبمعزل عن مسؤوله الحزبي إبراهيم محمد علي.

في فجر 3 /تموز 1963 قامت مجموعات من الجنود وضباط الصف يقودهم النائب العريف حســن ســريـع بالاستيلاء على وحدة قطع المعادن ( ومنها انطلقت الشرارة ) وعلى مشاجب سلاح سرايا الحراسة في معسكر الرشيد ، وسيطروا عليها واعتقلوا ضباطها. كما احتلوا كتيبة الدبابات الأولى وحاولوا استخدامها ، إلا أنها كانت فارغة من بطاريات التشغيل، وتم اعتقال قائد الكتيبة وهو ضابط برتبة مقدم وضباطه الأربعة. كما احتل المنتفضون مطار الرشيد العسكري، إذ كانت الطائرات الحربية جاهزة بحمولتها القتالية بسبب الحرب في كردستان، وعلى استعداد للطيران بعد أن يتم تحرير جمهرة الطيارين الشيوعيين المعتقلين في سجن رقم واحد في المعسكر ذاته. كما تمت السيطرة على مدخليّ المعسكر والمستشفى العسكري ومقر اللواء الخامس عشر وغيرها من الوحدات العسكرية. كما اعتقل المنتفضون منذر الونداوي القائد العام للحرس القومي والقوة الجوية ، ومساعده نجاد الصافي ووزير الخارجية طالب شبيب ووزير رئاسة الجمهورية حازم جواد وغيرهم . حتى وصل عدد المعتقلين إلى 180 شخصاً .

وتوّجهت مجموعة من المنتفضين لاحتلال السجن العسكري رقم واحد وتحرير السجناء. بيد أن هؤلاء لم يباغتوا السرية التي تحرس السجن، لذا واجهوا مقاومتها فعجزوا عن احتلاله وتحرير الضباط المعتقلين فيه . كما أنهم لم يعتقلوا رئيس الجمهورية آنذاك عبد السلام عارف الذي كان بيدهم صيدا سهلا .

لقد أكدت الحركة، كما جاء في تقييم الحزب لها، على"عجز أعنف موجة إرهابية على قتل الروح الثورية للشعب العراقي، وعرّت عزلة حكم انقلابيي شباط حتى في معسكرات الجيش التي كانت تحت قبضتهم. وكانت عملاً بطولياً حقاً، ولا يتنافى تثميننا لها مع كونها كانت عملاً متسرعاً...الخ"

عرض مقالات: