قبل الخوض في أزمة العاملات الأجنبيات المتراكمة منذ سنوات عديدة، وقبل البحث في النظرة اللبنانية الدونية للمساعدات المنزليات، لا بد من التذكير بأن مآسي كثيرة حدثت على خلفية العنف ضدهن، وقد شهدنا في عدة مرات إما تعنيفهن أو انتحارهن بسبب سوء المعاملة التي يتعرضن لها في بعض المنازل.

ومع حلول جائحة “كورونا” على لبنان، كان للعاملات الأثيوبيات “حصة الأسد”، ولكن ليس من ما تدعي العائلات إعطاءهن: “بياكلوا قبلنا”، منشتريلن أحلى تياب” (مع العلم أن مأكلهن وملبسهن ليس بكرم أخلاق بل من حقوقهن الطبيعية)، بل حصة الأسد من الأسى والمعاناة و” التّعتير”.

فمن جهة “كورونا” والحجر المنزلي وما حمل من ازدياد حالات العنف، ومن جهة أخرى أزمة سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية والارتفاع الجنوني لسعر الصّرف، الأمر الذي صعّب دفع رواتب العاملات المنزليات فزاد ذلك من مأساتهن في “سويسرا الشرق” أزمة جديدة، وذكرى سوداء جديدة.

في مشهد مقيت، في صورة أقل ما يقال فيها أنها “مزرية”، جلست العاملات الأجنبيات على الأرصفة بعد أن تم طردهن من المنازل، مع العلم أن بعضهن لم ينل حقوقه المتراكمة، ولم يستطع الحصول على كامل مستحقاته. وطبعا لا وجود لقانون يحمي العاملات الأجنبيات في دولة “كل مين إيدو إلو”.

ومن أبرز شروط عودتهن إلى بلادهن أن يكون الحجر المنزلي عند الوصول إلى أثيوبيا على نفقتهن الشخصية. مع العلم أن تكلفة الليلة الواحدة هي 50 دولار أميركي، يعني مجموع التكاليف بغض النظر عن سعر التذكرة هو 700 دولار أميركي، أي ما يساوي مدخرات 3 أشهر كاملة بأفضل تقدير.

وفي مشهد مقزز، يدل على النظرة الفوقية المقرفة لبعض المواطنين اللبنانيين، قام بعض الشبان بالتحرش اللفظي، وعرض المال على العاملات اللواتي افترشن الطريق مقابل “خدمات جنسية”، مستغلين الحالة المحزنة، والفقر والتشرد الذي تعاني منه هؤلاء النساء.

أمامنا حالتان مختلفتان في بلدين مختلفين أيضا ولكن النظام واحد، والعنصرية المستترة واحدة. في لبنان مجتمع يدّعي الحضارة والرقي والتقدمية، في بلد لا وجود فيه بالأساس لقانون أو مرسوم يحدد فيه ما يحمي الحد الأدنى من حقوق العمال الأجانب. يعامل ذوي البشرة السوداء على أنهم بشر من درجة ثانية، أو من الفضاء الخارجي. وفي الولايات المتّحدة الأميركية، بلد الحريات الكاذبة، دولة تتغنى وتتفاخر بكونها المدافع الأول عن حقوق المغبونين في العالم، يتعرض فيها ذوو البشرة السوداء وغيرهم من أصول غير “قوقازية” للعنف بشكل يومي خلف الكواليس من قبل السلطة نفسها التي تلعب دور “حامي الضعفاء” دوليا.

تختلف أشكال العنصرية وتتعدد الممارسات التي تهين الإنسان وكرامته، ولكن هذه الظواهر لطالما وجدت، وستبقى حاضرة في مجتمعاتنا ما دامت المنظومة العالمية الحالية سائدة اقتصاديا واجتماعيا والتي فيها يستعبد “القوقازي” الأفريقي، ويستبد صاحب رأس المال من هم تحت رحمته، لتبقى الإنسانية عبارة عن شعارات رنانة لا وجود لها إلا في بعض البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة.

ـــــــــــــــــــــــــ

النداء – 19 حزيران 2020 (بتصرف)

 

عرض مقالات: