انطلقت الانتفاضة الكبرى في الاول من تشرين وضربت بقسوة, ولظروف تأجل استمرارها لحين ال 25 من تشرين ليشارك فيها مئات الالوف من الشباب بمختلف اعمارهم وفي تسعة محافظات.وصلتُ بغداد في 24 كانون الاول في الثالة صباحا لالتحق بمفرزة حزبنا الطبية  مفرزة اكتوبرالساعة العاشرة من نفس اليوم.كان قد سبقني زميلي الدكتور فاضل المندلاوي في عمله في المفرزة لاكثر من شهرين في عمل مضني بعلاج الجرحى والذين تعرضوا لمضاعفات تنفسية بسبب ضرب المنتفضين بكل الوسائل المحرمة دوليا.لقد اجاد زميلي المندلاوي في عمله مع طاقمه المسعف  لنصرة ومعالجة المصابين.

بدأت التواجد في المفرزة يوميا تقريبا , ماعدا بعض الايام القليلة لالتزامات اخرى وكنت حريصا على التواجد حتى لساعات العصر المتاخرة عدا ايام الجمعة لحد الساعة الواحدة تقريبا. التقيت الصحفية السويدية  سيسيليا وتحدثنا عن اسباب الانتفاضة الشبابية ومشاركة باقي ابناء الشعب العراقي فيها. كنت اتابع نشاطات المنتفضين, وفي اوقات توقف ضرب المنتفضين قليلاً من الوقت اذهب لخيمة ثوار التحرير لاستمع لمحاضرة او اتجول مع زميلي المندلاوي بين الخيم وتبادل الاحاديث وكنا نساعد من يحتاج لمساعدة.

اضافة للدعم الصحي المستمر للمتواجدين في ساحة التحرير كنت قد اقدم الدعم بالمواد الغذائية للخيم التي تقدم الاكل للمتواجدين في الساحة, طبيعي لم يكن كلهم من المنتفضين وانما من المناطق المحيطة بساحة التحرير , البتاوين , حيث يكثر فيها الفقراء.

لقد كنت شاهداً على اعتداءات احدى الفصائل على المنتظاهرين السلميين الشباب في ايام الاحد والجمع حيث استخدمت الهراوات والقضبان الحديدية والتي كانوا يتجولون بحرية في الساحة ويخفون ادواتهم تحت ملابسهم. لقد اعتدوا بالضرب وبكافة الوسائل على الشباب في احدى ايام الاحد في بداية نفق التحرير, كانوا مجاميع منفلتة يتقدمهم احد البلطجية مسلحاً. جرى اعتداء على احد المسعفات بسبب التظاهر ضد الفاسدين في الساحة.

كنت حريصاً وقت اشتداد المعارك ان اكون قريبا من ساحة الخلاني حيث كانت قنابل المسيلة للدموع تنهال على الشباب ويسقطون اما بسبب الاختناق او تعرضهم لاصابات او الاستشهاد. كانت التُكتُك التي اذهلت الفاسدين تنقل المصابين وبسرعة للوصول بهم الى  المفارز او نقلهم للمستشفيات القريبة.كانت بعض القوات المدججة بالسلاح تلتف في المناطق المحيطة (بالمعارك) من الفروع لمباغتة الشباب لضربهم ومن هناك كانت تنطلق بعض المجاميع المدنية المسلحة لضرب الشباب لحين صدرت الاوامر بالانسحاب بعد ان انفضحت مآربهم وتوجهاتهم المشبوهة.

  ليث شاب عشريني من اهل بابل , اهل والدته يسكنون في بغداد.كان ينام في خيمة مفرزتنا حتى في احلك الظروف من البرد القارس, يضع البطانيات لينام على ارضية الخشب فوق الارض.كان قد اسرني بانه من سكنة بابل, وكان قد خطب بنتا من اقرباءه وكانت خطيبته ضد توجهه لبغداد للاشتراك في التظاهرة, فخيرته بين ان تبقى له او المشاركة بالتظاهرة. قال وبرحابة صدر قلت انا ذاهب للتظاهرة ومن ثم رمى حلقة الخطوبة.في يوم من نهاية شباط او بداية آذار كان ليث صاحياً وقرابة الساعة الثانية فجرا شبّ حريق خلف النصب حيث كان شباب بابل نائمين فسارع مع احد الشباب لايقاضهم  واخراجهم من الخيمة ولولا تظافر الجهود لذهب شباب الخيمة حرقا.لم تحدث اصابات ماعدا ان اوراقهم الثبوتية احترقت.

كان احد المتطاهرين الكبار في السن هو فنان متواجد  دوماًمع زوجته التي كانت تضع الاعلام العراقية فوق رأسها في خيمته الصغيرة  خلف نصب التحرير, كان قد ذهب لبيته يوما وتفاجأ في اليوم التالي بان خيمته قد احرقوها(المندسين) , قال لن يثنوني من التواجد في الساحة فشرع بنصب خيمة اخرى.

كانت مفرزة اكتوبر الطبية  التابعة للحزب الشيوعي العراقي تعمل بنكران ذات سواء طاقمها الطبي المكون من الدكتور فاضل المندلاوي او مني شخصياً  ومن الاخوات  والاخوة المسعفين 

ولظروف قاهرة كنت قد تركت الساحة وودعت  زميلي والمسعفين في المفرزة والشباب الذي كان دوما فيها.

لن تذهب دماء الشهداء هدراً الذين سقطوا بالالاف دون كما اراد الفاسدون  ودون حساب ولكن الانتفاضة سوف تستمر وان جاءت جائحة الكورونا منقذاً مؤقتا لهم لكن القصاص من القتلة  وباقي مطالب المنتفضين لابد وان تتحقق وبدونها لن تتوقف الانتفاضة.

14 حزيران2020

عرض مقالات: