يتفق ذوو الاختصاص ان من بين حلول الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تجتاح العراق منذ عقود السعي الجاد لتحقيق الحد الأقصى من الكفاءة الانتاجية في استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة وتحقيق الاستقرار الدائم لتلافي تلك الازمات ،فضلا عن تحقيق الحد الأقصى من المساواة في توزيع الدخول على قاعدة العدالة الاجتماعية . فهل اسهمت السياسات المالية والنقدية في تحقيق هذه الاهداف النبيلة بكل ابعادها ؟
يمكن اعتبار مشكلات السياسات المالية والنقدية من ابرز المؤثرات على مسار التطور في الراهن والمستقبل على الصعيد الاقتصادي خصوصا والاوضاع الاجتماعية عموما . ففي عام 2011 على سبيل التذكير توجه كل من وزارة المالية والبنك المركزي العراقي بطلب الى البنك الدولي لا جراء كشف كامل على الحالة المالية والنقدية في العراق وبالفعل صدر تقرير من البنك الدولي تضمن مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات تشمل القطاع المصرفي الحكومي والاهلي بالإضافة الى بلورة مجموعة من الحلول الهادفة الى معالجة الازمات الراهنة وتجاوزها معتبرا ان القطاع المصرفي يشكل الثغرة الاكبر في الحالة المالية والنقدية .
وبالإضافة الى المذكرة المشتركة لوزارة المالية والبنك المركزي الصادرة في عام 2006 التي ركزت على الانفصام الملحوظ بين المصارف الحكومية التي تشرف عليها وزارة المالية وهي ستة مصارف في ذلك الوقت والمصارف الاهلية التي تجاوزت الاربعين في الوقت الحاضر التي يشرف عليها البنك المركزي التي يفترض ان تكون مهمتها الاكبر دعم القطاع الخاص والنهوض بمشاريعه في الاقتصاد الحقيقي وتوفير المناخات الملائمة للاستثمارات الخاصة المحلية والاجنبية وتمكينها من ممارسة حرية المنافسة لبناء تجربة اقتصادية جديدة في العراق لكن بدلا من ذلك انصرف اهتمامها الى اسلوب المضاربة والتوجه للاستفادة القصوى من نافذة البنك المركزي التي تجعل من غير المنطقي الاطمئنان الى الكميات المتغيرة من الاحتياطي النقدي الذي يرتفع وينخفض تبعا لتذبذب اسعار النفط المقيدة بالأزمات الاقتصادية العالمية وبالتالي فلا توجد نظرية اقتصادية في العالم ولا قواعد اقتصادية تحول دون الاستفادة من هذا الاحتياطي المتكاثر في معالجة التنمية الاقتصادية ومعالجة ازماتها .فيما تستمر المصارف الاهلية بالتحايل على نافذة البنك المركزي وهدر اموالها عن طريق التهرب الضريبي المترتب على بيع العملة والتي تشكل (10) تريليون دينارا سنويا لا يدفع منها سوى تريليون واحد.
واذا عرفنا ان ابرز معضلات الادارة المالية تتمثل بحجم الديون الداخلية والخارجية بالرغم من وجود فائض حقيقي متوافر لدى الوزارة ولكن الموازنات السنوية تعاني من عجز سواء كان مخططا او حقيقيا .بالإضافة الى عدم القدرة على السيطرة على المنافذ الحدودية التي تقدر مواردها ب (10) مليارات دولار سنويا لم يصل الى الخزينة الحكومي منها سوى مليارين ونصف حسب التقديرات المعلنة وان 90 في المائة منها يذهب الى جيوب الفاسدين . بالإضافة الى عدم القدرة على ضبط النظام الضريبي وهي مشكلة قديمة حديثة .وكل تلك الموارد تذهب الى انفاق فوضوي فاقد القيمة الاقتصادية.
ان السيطرة على الموارد المالية ليس بالأمر المستحيل اذا ما توافرت الارادة الحقيقية عبر حزمة من التدبير والاجراءات نذكر منها ما يلي:
1-
السيطرة على الكتلة النقدية المكتنزة خارج السوق والتي تقد ب 34 تريليون دينار من خلال سعر الفائدة دون ان يؤدي ذلك الى حالات تضخمية في السوق وادخالها في عمليات التنمية عبر الاستثمار الادخاري.
2-
احكام السيطرة على المنافذ الحدودية من خلال ابعاد الاحزاب والمليشيات المهيمنة عليها عبر الاجراءات الرادعة وابعاد العناصر الفاسدة المصحوبة بتنشيط ادوات الرقابة عبر حوكمتها وفي ذات الاتجاه الى مراجعة شاملة للنظام الضريبي وتخليصه من الفساد المواكب له منذ سنين طويلة من خلال السيطرة على اوعيتها ,
3-
الابتعاد عن الهالة الاعلامية التي تمارسها الاجهزة الحكومية في اقناع قوى الاحتجاج بهدف احتوائها التي غالبا ما تصطدم بالتشريعات النافذة التي تستغل في ايقاف الاجراءات الحكومية حتى الموثوقة منها وضرورة دراسة هذه الاجراءات بصورة معمقة مصحوبة بتشريعات مقترحة لتسهيل اقرارها في البرلمان .

عرض مقالات: