ما الذي يبقي حزبا مثل الحزب الشيوعي العراقي حيا ومستمرا في عطائه، رغم ما تعرض له قادته وقاعدته من الإعدام والاغتيال والسجن والمطاردة والمحاربة برزقهم اليومي، عبر تاريخه الطويل الذي زاد عن ثمانية عقود ونصف؟
وما الذي يعطي للشيوعي القوة في مواجهة أعتى النظم الدموية والتسلطية، ولا بأبه بالموت؟
ومن الذي يجعل مناضليه قدوة في العمل والتضحية ونظافة اليدين رغم ما يعاني الكثير منهم شظف العيش وصعوبات الحياة الكثيرة؟
وما الذي يجعل النساء يجدن في الحزب الشيوعي آملهم في تغيير نظم الاستبداد والعبودية المنزلية، ويتعرضن للسجن والاعدام والاغتصاب والتشرد؟
وما الذي يجعل الشبيبة ان ترى في نضال الحزب الشيوعي العراقي طريقهم في التغيير نحن حياة أفضل، والتطلع الى مجتمع الحرية والديمقراطية؟
هذه الأسئلة وغيرها، نقترب بالإجابة عليها لأن الحزب الشيوعي العراقي كان أول حزب سياسي يسعى لإنهاء الاستعمار والاستثمار، قبل ان يتغير اسمه الى الحزب الشيوعي العراقي. وبهذا أصبح الحزب وريث كل القيم والنضالات التاريخية في العراق ضد كل اشكال الاستبداد والظلم الاجتماعي والاستغلال، وأيضا سلاح الشعب الحقيقي في مقارعة الأنظمة الاستبدادية التي توالت على الحكم. وكان نزع هذا السلاح وإضعافه عبر الاغتيالات والسجن والمطاردة، يعني الاستمرار في معاملة قوى الشعب الحية كعبيد وجعلها مسلوبة الإرادة مغتربة عن مجتمعها.
ونشر الحزب عبر مثقفيه وصحافته ونشاط رفاقه القيم والمبادئ والافكار التقدمية بين الناس وغير الكثير من اتجاهات النظر الى الأشياء في السياسة والادب والفن والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني والنظر لحل مشكلة القوميات ومنها القضية الكردية، واكتسبت أفكار الحزب عبر التجربة والتواصل القوة المادية في اذهان الناس. وكان من الصعب محوها وازالتها عبر محاربة الحزب والشيوعية بشكل عام.
وأصبحت الشيوعية هي الصفة الأكثر التصاقا بالوطن وهمومه، بحكم مواقفه الأكثر جذرية في تحرير الإنسان من كل براثن الاستغلال والتبعية والتطلع الى المجتمع الذي ينهي استغلال الانسان للإنسان.
وعلى الرغم من أن اكتساب لقب الشيوعي تحتاج الى جهد غير عادي في الثقافة والفكر والسلوك وليس في حمل العضوية فقط، فقلد اعطى الكثير من الشيوعيين مثالا عظيما على نكران الذات في التضحية من اجل وطنهم وشعبهم، مضحين بأرواحهم أو شبابهم في السجون، في الأهوار وجبال كردستان والمنافي متحملين كل اشكال التعذيب والحرمان، وهو خيار فرض عليهم، رغم أنهم من محبي الحياة والفرح. وقد بدأت هذه التضحيات من قادة الرعيل الاول للحزب ورفاقهم الاخرين ولم تنته عند أبسط شيوعي في الوقت الحاضر.
وقد يتساءل البعض أين هو الحزب الآن، وهل يشهد انحسارا قياسا في الفترات السابقة؟
إن انحسار الاعداد تعود بسبب الى ظروف الإرهاب والقمع الدموي للنظام السابق والحصار الاقتصادي، وما رافقه من انتشار الفكر المتخلف وتحطيم أسس الثقافية والمعرفية التقدمية وغياب الطبقة الوسطى وانتشار الأمية. كما لعب تكريس نهج المحاصصة والطائفية في الدولة والمجتمع بعد التغيير عام 2003 والاعتماد على الاقتصاد الريعي وتدمير أسس الصناعة والزراعة الى بروز الاشكال المتخلفة للاقتصاد الطفيلي، وما افرزه من وعي متدن وخلق تنظيمات عديدة مافيوية من العاطلين وأصحاب السوابق بأموال قوى الفساد لإرهاب الشارع العراق، بالإضافة الى انتشار القيم المنحطة وثقافة الرشى، كل هذا أدى الى صعوبات جدية لقوى اليسار لصالح اليمين وقوى الفساد المستشري، ولكن مع الحراك الشعبي والانتفاضة العارمة التي تشهدها مدن العراق، بدأت اشكال الوعي ترتفع، ولم تعد قوى المحاصصة والفساد هي المتحكمة، وأخذت الجماهير تجد في الحزب الشيوعي العراقي سندا وعونا فكريا وسياسيا، في تحليل الأمور والنظر للأمور بمنظور أخر.
إن الزخم الجماهيري المتصاعد يعطي للحزب الأمل للعب دوره التاريخي في أنهاء النظام الفساد والنهب وخروج الوطن من المأزق الذي دفعته اليه قوى الفساد بالتعاون مع القوى الخارجية.
فالمجد لعيد ميلادك ال 86 أيها الحزب المجيد، والخلود والذكر الطيب لشهدائك الأبطال.