تميز الحزب الشيوعي العراقي عن الاحزاب القومية والاسلامية بتفهمه العلمي للتحولات الاجتماعية، فجاءت ممارساته اليومية للحياة السياسية متماهية مع مفردات حراكه ونضاله المطلبي. وباتت الجماهير الشعبية لا تستغني عن تراثه النضالي، باعتباره ملهما لها ولأجيالها القادمة. تعضد به حراكها الطبقي وهي في طريقها لانتزاع حقوقها المسلوبة، لكونه اعتمد التفهم العلمي لحركة تطور قوانين الحياة الاجتماعية لمكوناته العرقية. ولهذا لا يُستغرب ان يضم في صفوفه ابناء كافة المكونات العرقية للمجتمع العراقي، من صابئة مندائيين ومسيحيين وايزيديين ويهود، بالإضافة الى العرب والكرد والتركمان. وبفضل هذا التنوع في عضويته، خرج الحزب بشكل دائم من كافة الازمات والحقب القاسية التي لا حقته منذ نشأته في 31 آذار عام 1934 منتصرا وموحدا لصفوفه.

فصعود مؤسسيه فهد ورفاقه حازم وصارم ويهودا صديق، اعواد المشانق، وهم يهتفون بحياة الشعب والوطن، وصمود سلام عادل والحيدري والمئات من الرفاق امام تعذيب جلاوزة البعثيين، وبطولة اعضائه الخارقة في التصدي لمقارعة الانظمة الرجعية والدكتاتورية، في وثبة كانون عام 1948، وانتفاضة تشرين عام 1952 واضرابات عمال كاورباغي ومعمل السجائر، وفي غيرها من المعارك البطولية ضد الاستغلال ومن اجل وطن حر وشعب سعيد. كلها كانت وراء تراكم اساليب النضال والحراك الجماهيري، الذي تحول لبودقة تنصهر بها كل القوى التي تناضل من اجل الحرية والحياة الحرة الكريمة. فتقديم الحزب، قوافل الشهداء على مر الزمن، قد وضع حدا لاماني القوى الطبقية القائمة، بان تصفيتهم جسديا، ستضع نهاية لوجود حزب يسترشد بفكر الطبقة العاملة من الساحة العراقية. فبصعودهم اعواد المشانق في 14 شباط من عام 1949 وما تلى ذلك من تقديم قرابين وضحايا في 1963 على ايدي القوى العفلقية والحكومات الرجعية والدكتاتورية قد وَضع اساسا متينا لمواصلة نشاطه الجماهيري بين صفوف مكونات شعبنا، مما اقض مضاجع قادة الانظمة التي توالت على حكم العراق، ووضع حدا لتخرصاتهم المعادية له طبقيا، حاملا رايته المحلاة باعتزاز، المنجل والجاكوج، الذي سيضع بهما نهاية، الاستغلال الطبقي، لتتمتع كافة مكونات مجتمعنا بالديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.    

وبحكم شمول عضويته كافة مكونات المجتمع العراقي استطاع الحزب القفز على الطائفية التي زرعت في زمن الدكتاتورية، وتوسع مفهومها المقيت على ايدي الأحزاب الحاكمة والمتنفذة.

 وعلى امتداد صراعه الطبقي الجماهيري الشعبي العام، استطاع الحزب تجاوز التناحرات السياسية، ولم يتبع سياسة مزدوجة. وكان صريحا ولا يزال مع شعبه ووطنه، مربيا اجيالا عراقية الانتماء والفكر، تقود حراكه اليومي بمشاعر وطنية زرعها في نفوس منتسبيه من الجماهير الشعبية في مجتمع ينقسم به الناس الى من يملك ومن لا يملك، مضطهِد ومضطهَد فلم يكن حزبا لإحدى تلك الطبقات بل كان حزبا للشعب والوطن.

فلا غرابة من كون جيل الحداثة بانتفاضته السلمية معبرا فيها، عن مقته لنهج المحاصصة الطائفية والاثنية، ومن اجل وطن تسوده الحياة الحرة الكريمة، يصر على مواصلتها سلميا، حتى يحقق أفضل ما يستحقه الشعب منذ التغيير في 2003، حتى 25 شباط عام 2011 وشباط 2015. بل ان انطلاقته الجديدة في الاول من اوكتوبر2019 التي صعد بها سقف مطالبه الوطنية، واستكمالها في شباط 2020. مما يدل ان حراكه لم يكن بعيدا عن مسار سفينة الشيوعيين منذ ابحارها الطويل، حيث لازمتها العواصف والرياح العاتية، وصادفتها اثناء ابحارها محطات لموانئ متعددة صعد اليها العديد، واختفى بوسائل متعددة الكثير من ركابها الا ان ملاحيها لم ينزلوا للاستراحة بل واصلوا ابحارهم، وبإيقاع وضعه مؤسسها الخالد فهد ورفاقه البررة من القادة الحاليين من ذوي النظرة الثاقبة، والمتحلين بالدراية والصبر والمرونة في التعامل مع الاخرين.

تمر علينا ذكرى تأسيس الحزب السادسة والثمانين، والتي حرمتنا الظروف الموضوعية حاليا من الاحتفال بها جماهيريا كما اعتدنا الاحتفال بذكرى تأسيسه، مهما كانت الظروف السياسية. فعندما كنا في صنعاء شاركنا رفاقنا في عدن الاحتفال بالذكرى الخمسين، وفي سوريا كنا نذهب واياهم بسفرات جماعية، وجرى ذلك حتى في ليبيا. ولأول مرة سيجري احتفالنا بذكرى تأسيسه السادسة والثمانين عائليا هنا في المجر، وبما تفرضه علينا شروط فيروس كرونا.

عرض مقالات: