هناك طبقة فرانكوية سيطرت على ثروات البلاد، نشأت ونمت وكبرت وانتفخت حتى اصبحت من البدانة التي لا تنفع معها اية وصفة لتخفيف الوزن الاّ بأستئصال شحمها الزائد!، وهذا ما خرج من اجله شباب العراق (الاستئصال)!، ومن دونه، لا يمكن الوصول الى مجتمع التنوير والحداثة والنمو الاقتصادي الذي ننشده كبديل لمجتمع الاقصاء والاسترجاع ونهب الخيرات الذي مارسته السلطة طوال السنوات الماضية.

والاستئصال الذي نتحدث عنه، لا يعني المعالجة خارج سياق عدالة انتقالية محسوبة، وليس له علاقة بأنتقام متطرف بمعزل عن الضمانات القانونية والقضائية التي تحمي حياة وكرامة البشر، بل كل ما يعنيه هو اعادة العربة خلف الحصان لنسير بخطى حثيثة نحو مستقبل الأمل والتخلص من الضياع في غياهب الوعود والشعارات ولغة النفاق وضجيج الكذب، الاستئصال، هو محاولة جدية لأرسال (عبارة العراق الاكثر فسادا بين....) الى المتحف بأعتبارها جزءا من ماضٍ حزين.

لكنّ اصحاب السلطة والنفوذ، ومعهم الكائنات الطفيلية التي لا تعيش الاّ في البرك الآسنة، لم يضعوا يوما ايديهم على قلوبهم قلقاً وخوفا على العراق واهله، فالمؤشرات الاقتصادية في الحضيض، والحريات تتقلص، والقتل والخطف في تزايد، والمشهد السياسي من سيء الى اكثر سوءا، وهم ما زالوا يعتقدون، بأنهم قادرون على احتكار انتاج الصورة والحدث، وبارعون في حماية ثقافة الطاعة وتقاليد الخنوع، وعلى هذا الاساس، وبدلا من الاستماع الى صوت المواطنين والتوجه نحو تدشين اصلاحات عميقة لتغيير الجوهر الاستبدادي للنظام السياسي، ركبوا خيولهم، واداروا ظهورهم، ظنّا منهم بأنّ هذه الاحتجاجات مجرد صيحة في وادٍ، وانهم قادرون على الصمود في وجه اية عاصفة من هذا النوع!.

ولما شعروا، بأنّ الشعب استيقظ فعلا، وهو عازم على مصارعة الجن الذي تغلغل في جسد العراق، وانّ شباب الوطن يتمتع بالذكاء والجرأة والشجاعة والاندفاع للتخلص من الاوثان السياسية، ومستعد لمضغ الزجاج حتى (ينقلب السحر على الساحر) ويتغير وجه البلاد، لجأوا الى الطريقة التي لا يعرفون غيرها، وهو السلاح الامني حيث وتيرة القمع والقتل راحت تتسارع يوما بعد اخر، ليثبتوا بأنّ سلطتهم وامتيازاتهم مقدسة واعمار ابنائنا لا تساوي شيئا.

لا، ليس كذلك، ولا مجال للمناورة، ولا جدوى من القفز الى الوراء، يجب ان تدركوا بأنكم تغامرون بمصير البلاد بأستحواذكم على المال والسلطة من دون شرعية ولا خطوط تماس واضحة بينهما، وبالفساد الذي لم يعد مقتصرا على مجموعة من (الايادي الخفية)، بل تحول الى جزء من المعادلة السياسية، واصبحت له قدرة لا يستهان بها وموهبة كبيرة في مقاومة الاصلاح، لذلك لا بدّ من وضع حد لهذا التدهور، وما انتفاضة تشرين الاّ انعطافة غير مسبوقة وفرصة تاريخية لكي يتخلص العراق من السلطوية ويستأصل جذور الفساد الذي يقف عائقا امام تطلعات العراقيين الذين خرجوا من اجل حلم بسيط ومشروع اسمه (العدالة والكرامة).

عرض مقالات: