بعد الصدمة الكبيرة التي واجهتها أو تَواجَهت بها القوى السياسيَّة الفاسدة المتنفذة في عراق بعد عام 2003 ولحد الوقت الحاضر بكل عناصرها وأحزابها وتياراتها وكتلها العربية والكردية والتركمانية وغيرها من المكونات القوميَّة في البلاد وكذا أحزابها وميليشياتها الشيعيَّة والسنيَّة والمسيحيَّة التي شَكَّلتها وإعتمدت في أعمالها أساليب المحاصصة الرخيصة والفساد المكشوف وذهبت بعيداً في المتاجرة بالبلاد ونهب ثرواتها وإغتصاب مواقع المسؤولية فيها،
* وبعد إن دَوّت أصوات الإحتجاج عالية وإرتفعت رايات الرفض خفّاقة في ساحات التظاهرات التي إمتدت لتشمل مختلف المدن العراقية، وإلتَحقت بها مئات الآلاف من طلائع الشعب المقهورة والمكتوية والمتطلعة لتحقيق أبسط حقوقها المسلوبة بفعل تسلط هذه الزمر الفاسدة على مقاليد الأمور، وبعد أن أيقن الفاسدون بأن هذه الجموع الرافضة لهم مستمرة في تظاهراتها وإحتجاجاتها وإعتصاماتها السلمية من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافها، وأيقنوا من أنَّ ما أبداه المتظاهرون من صمود وبلاء وتحدي يفوق تصوراتهم وقناعتهم وأنهم لم يتمكنوا من كسر شوكتهم وتفريق صفوفهم والنيل من صلابتهم فإنهم لجأوا إلى أساليب وطرق وممارسات غالبا ما لجأت إليها قوى الظلام والعدوان والإنتقام التي يذكرنا بها التأريخ دائماً بدأً بما كان يمارسه الأسياد ضد عبيدهم ومروراً بما كان يطبقه الفاشيون والنازيون ضد الغاضبين على سياساتهم وصولاً إلى ما إرتكبته قطعان الحرس اللاقومي المتوحشة ومن تبعها من أقزام الأمن والمخابرات في تعاملاتهم مع المواطنين وممارساتهم في سجون وزنزانات ومنافي البعث المقبور ونظامه القبيح الذي سبقهم.
* فقد دشنوا هجومهم الأسود على المتظاهرين السلميين الذين إنطلقوا في الأول من تشرين الأول بتظاهراتهم السلمية وشعارهم المركزي * نازل آخذ حقي * * نريد وطن *، وطن يحميهم ويوفر لهم الأمان والعيش الكريم، قابلوهم بإجراءات مخزية فأطلقوا يد القنّاصين وغيرهم من الذين إستخدموا القنابل الخارقة للأجساد والأخرى المسيلة للدموع من أجل تفريق صفوفهم والنيل من إرادتهم،
* وإستمروا في إستخدام هذه الممارسات القذرة رغم السخط الشعبي الذي إرتفع عاليا ورغم الإحتجاجات الوطنية والعالمية ورفض منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وكذا المرجعية الدينية لهذه الممارسات الوحشية،
* وزادوها وقاحة وشراسة حين لجأوا إلى تشديد المضايقات على المتظاهرين ووضع العراقيل أمامهم لمنعهم من الوصول إلى ساحات الإحتجاج وإلى نشر المندسين من الموالين لهم بين صفوفهم ليوقعوا بهم طعناً ووخزاً وجرحاً بالسلاح الأبيض ويسببوا لهم إصابات شديدة بل مميته في العديد من الحالات،
* كما لجأوا إلى إختطاف النشطاء من البنين والبنات من ساحات التظاهر وحتى من بيوتهم ومناطق سكناهم وتغييبهم وتعريضهم إلى الإعتقالات وشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي،
* وإستخداموا السيارات والدرجات النارية بدون أرقام في وضح النهار وظلام الليل لملاحقة ومطاردة وإختطاف المحتجين وتعريضهم إلى الإغتيالات والتصفيات الجسدية،
* وبعد إن عجزوا من النيل من صمود المتظاهرين بدؤا بتشغيل ماكنتهم الدعائية الخبيثة وأخذوا من خلالها يشوهون سمعتهم ويطعنون بأخلاقهم وتربيتهم وسلوكياتهم ويتهمونهم بالخيانة والعمالة والإرتباطات الرخيصة بجهات داخلية وأجنبية مشبوهة لا تريد الخير للبلاد،
* كانت هذه الإجراءات تُتَخَذ بحجة المؤامرة المزعومة التي تقف وراءها جهات أجنبية، وتحت هذا الهوس والجنون الذي وقعت به وربما بتأثير من جهات خارجية القيادات السياسيَّة الموجودة في البلاد والذي يفتقد إلى الموضوعية ويبتعد عن تقدير الأمور التي وصلت إليها أحوال المواطنين المعيشية والصحية والتعليمية والأمنية وغيرها وأمور البلاد العامة وأخذوا تبعاً لذلك يحرضون ميليشياتهم وعصاباتهم الخاصة بهم، كما أنهم سَخَّروا قوى الجيش والشرطة والأمن والمخابرات التي تؤتمر بأوامرهم وتكليفها بمهمات خاصة تتمثل بالإنقضاض على المتظاهرين والمحتجين وغايتها في ذلك الدفاع عن مواقعهم ومصالحهم الشخصية والأنانية وهي في مجملها على الضد من المهمات الموكلة لهذه القوّات حسب القوانين العراقية المتمثلة بحماية المواطنين والوطن، كل ذلك القمع جرى ويجري بشكل ممنهج وبعلم ودراية السلطات الحكومية لغرض تصفية الأحتجاجات والقضاء على التظاهرات بدم بارد وبالرصاص الحي تحت ذريعة المؤامرة المزعومة للإنتقام من المعارضين لهم والمحتجين على أساليبهم في إدارة البلاد وسلب ثرواتها والتجاوز على ممتلكاتها والعبث بمقدراتها. وقد ترتب على هذه الإجراءات القمعية العديد من القتلى والجرحى والمعاقين والمشردين، المزيد من الأيتام والثكالى المزيد من الفواجع.
* ويظنّون من خلال إجرائاتهم التعسُّفية وأعمالهم القمعية اللاقانونية واللاشرعية هذه التي ذهب ضحيتها 700 شهيد و 5000 معاق و 25000 جريح أنهم سيتمكنوا من الحفاظ على مواقعهم والإستمرار في سياسات نهب المال العام والتفرد في قيادة البلاد والتهرب من المسؤوليات التي ستلقى على عاتقهم والمسائلات القانونية التي ستطالهم حتماً، وزاد من حقدهم ووحشيتهم أنهم لم يتمكنو مشاهدة إنهياراتهم المتواصلة والقبول بهزيمتهم الأكيدة أمام الجماهير الثائرة التي أصرَّت وبحق على إدارة ظهرها إليهم وتركهم والتخلي عنهم دون أن تمنحهم شهادة حسن السلوك لما تبقى لهم من حياتهم لجرائمهم البشعة ولأعمالهم الخسِّيسَة التي أقدموا عليها.