ذكرتني انتفاضة تشرين الشعبية الجماهيرية بقصة "ام طالب" وهو طالب عبد الجبار أحد المناضلين الشهداء الشيوعيين، اذ اعتقلته السلطات القمعية في انقلاب شباط الأسود عام 1963 وقامت بتعذيبه بأبشع الأساليب للحصول على اعترافه بانتمائه الى الحزب مع اسماء رفاقه، لكنه صمد ورفض كل التعذيب والمغريات، فاستحضروا مكرهم وحيلتهم بإقناع والدته للتأثير عليه، لكي يتم إطلاق سراحه بدلا من الحكم عليه بالموت شنقا.

دخلت الام المجروحة على ولدها في قفص الاعتقال، وتوسلت لإقناعه ببساطتها وشعبيتها، لكنه بادرها بسؤال، ماذا يسموك في الطرف (الطرف: مفردة بغدادية قديمة للإشارة الى منطقة السكن) اجابته، ام طالب، حينها رد عليها، فهل تقبلين ان انزع حبل المشنقة من رقبتي واضعه على رقبة رفاقي الذين يبلغ عددهم عشرين مناضلاً؟ ماذا سيقولون عن تريبتك لي، وهل سيتذكرونك بأم طالب الخائن؟ اجابت "آنه أمك يا طالب، شلون اقبل تعترف على خوتك".

أعدم الشهيد طالب عبد الجبار وظل التاريخ يستذكره نموذجا للشجاعة والتضحية وعاشت والدته رغم حزنها الكبير عليه كريمة في بلدتها والكثير منهم يتذكرها بفخر.

الحكاية ذكرتني بالعراقيات الباسلات اللواتي كان لهن دور فعال في انتفاضة تشرين الحالية، حيث سطرن نماذج رائعة من الشجاعة والبطولة، وفاقت كل توقعاتي وتكهناتي، فوجدت الكثير من الأمهات كن مثالا للصبر والتحمل في ظروف صعبة وقاسية عليهن مثل فقد الابن او الزوج، وهناك زوجات شاركن ازواجهن في الانتفاضة الشعبية وبكل همة وعزيمة، شاهدت وسمعت الكثير من الحكايات والقصص النادرة والأسطورية للمرأة العراقية.

وفوق كل هذا وجدت نساء عراقيات قدمن صورا متعددة للفداء وتلبية النداء، كالمسعفات والمضمدات وناقلات المصابين، ومنهن من يقمن بإعداد الطعام والتنظيف والشاي وعمل أنواع الخبز والسياح (خبز التمن)، وأخريات يغسلن ملابس المتظاهرين، ونساء ينفذن أكثر من مهمة وواجب، والصامدات في مقدمة التظاهرات.

لقد قدمت المرأة العراقية صورا ناصعة عن الشجاعة والايثار ومثالا يحتذي به في سوح التظاهر، فقد كسرت طوق الخوف والتردد وانطلقت بشجاعة لتعاون اخيها الرجل، وعلى الرغم من مرور أيام واسابيع وأشهر على الانتفاضة وتغير الطقس من الاجواء الصيفية الحارة الى فصل الشتاء البارد الا ان العراقية الباسلة مازالت باقية صامدة وقد قطعت شوطا طويلا من صيرورتها التاريخية وعقدت عزمها على ان تهب حياتها للوطن، ولا شيء أغلي من الوطن.

عرض مقالات: