تُعرف الأزمة الاقتصادية على أنّها حالة يعاني فيها اقتصاد بلد ما من تباطؤ مفاجئ ناجم عن أزمة مالية، ومن المرجح أن يعاني الاقتصاد الذي يواجه أزمة من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ونقص السيولة، وارتفاع أو انخفاض الأسعار بسبب التضخم أو الانكماش الاقتصادي، كما يمكن للأزمة الاقتصادية أن تأخذ شكل الركود أو الكساد الاقتصادي.  إدارة المخاطر في بنك "جي بي مورغان  الأمريكي   تتحدث عن إمكانية نشوب أزمة مالية عالمية جديدة عام 2020، على إثر حالة الركود الاقتصادي المتوقعة خلال الفترة القادمة. " الأزمة تحدث إذا انخفض ناتج الدولة، فمثلا دولة صادراتها قوية هذا يقلل طلبها على الاستيراد بالتالي تتأثر الدول الأخرى سلبا وينخفض ناتجها ".   ويتزايد الخوف  من  شبح أزمة مالية عالمية يطل برأسه من جديد، حيث لفتت شخصيات ومؤسسات اقتصادية مرموقة الأنظار إلى مؤشرات عدة في هذا السياق، وذلك بعد مرور نحو عشر  سنوات على الأزمة المالية الأخيرة.  بات الاقتصاد العالمي يواجه اليوم تحديات جسيمة متراكمة قد تقود لهذا الانفجار، أهمها الحروب التجارية العالمية، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتقلبات أسعار النفط، وتضخم حجم الدين العام عالمياً، وكذلك تراجع البورصات العالمية المستمر، وتراجع معدلات التجارة والتصنيع على الصعيد العالمي، وتعرّض بلدان الأسواق الناشئة لضغوط شديدة في الأسواق المالية العالمية.                                             

كرستين لاغارد، مديرة عام صندوق النقد الدولي، قالت في مقال العام 2018 قصّت فيه تداعيات الأزمة المالية العالمية والدروس المستفادة منها في ذكرى مرور عشر سنوات على إعلان رابع أكبر بنك أمريكي، ليمان براذرز، آنذاك إفلاسه إثر الخسارة التي حدثت في سوق الرهن العقاري، لاسيما بعد أن بلغت الحصة السوقية للقروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة 40% من مجموع سندات الدين المضمونة برهن عقاري بحلول عام 2006، بعد أن كان هذا النوع من القروض شبه معدوم في مطلع تسعينات القرن الماضي: إن الأزمة المالية العالمية لاتزال من الأحداث الفارقة في تاريخنا المعاصر، كما أنها ستبقى علامة فارقة للجيل الذي خاضها.     

  لقد فقدت الدول في كل أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا، ثقتها في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على القيادة في القضايا المتعلقة بالسياسات الدولية المالية والتجارية والعسكرية. وقد أخذت هذه الدول تتخلى شيئاً فشيئاً عن تحالف دام مداه سبعة عقود مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت بتبنّي منظومات بديلة للتجارة الثنائية.  

وقد  كتب أستاذ التاريخ في جامعة ويسكونسن، ألفريد مكوي، أن انهيار الدولار سوف يعني (ازدياد الأسعار، وارتفاع متواصل في معدل البطالة مع انخفاض مستمر في الأجور الحقيقية طوال العام 2020، وسوف تؤدي الانقسامات المحلية إلى اشتباكات عنيفة ومناقشات مسببة لخلافات غالباً حول قضايا رمزية أخرى لا قيمة له).       

ذكرت الكاتبة مارتين أورانج أنه منذ بداية أغسطس/آب 2019، يلوح احتمال نشوب أزمة اقتصادية عالمية جديدة في الأفق، ويعود ذلك إلى سلسلة من الأحداث تبدأ بالتوتر بين الولايات المتحدة والصين والتباطؤ الاقتصادي العالمي، ولا تنتهي بالعملات والأسواق المالية.  وأشارت إلى أن أكثر علامات الخلل وضوحا ظهرت في أسواق السندات التي أصبحت ذات معدلات سلبية لا قيمة للمال فيها.  ونقلت الكاتبة عن مقال نشر مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز للاقتصادي بول كروغمان، قوله فيه "الحرب التجارية لا تثمر ولا تؤدي إلى النتائج المتوقعة من قبل ترامب".   وأوضح الرئيس الأميركي -بحسب الكاتبة- أن هذه بادرة حسن نية على أمل التوصل إلى اتفاق تجاري واسع النطاق مع بكين، إلا أن إدارة ترامب أدركت أن الارتفاع المفاجئ في التعريفات يمكن أن يتسبب في توقف مفاجئ لشركات التكنولوجيا الفائقة.    ومن المؤشرات بنذر أزمة عالمية جديدة أيضا، الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين على مستوى العالم، واشنطن وبكين، حيث أكدت تقارير عدة أن هذه الحرب تلقي بظلالها سلبا على النشاط التجاري العالمي.          

  هناك مجموعة من الأسباب العامة التي قد يؤدي وجودها إلى إحداث أزمات اقتصادية مختلفة التأثير، خاصة على مستوى قطاع المنظمات والقطاع البنكي، والتي تتوسع بعد ذلك لتصبح على مستوى القطاعات الاقتصادية والدول بأكملها، ومن أبرز هذه الأسباب ما يأتي: المبالغة  في تقدير قيمة أصول المنظمات، والذي يؤدي إلى تضخيم قيمتها دون وجود هذه القيمة على أرض الواقع. وجود سلوكيات غير عقلانية من قبل المستثمرين التي تجعلهم يقطعون بتحقيق أرباح من منظمات دون غيرها. حدوث عمليات بيعية متتابعة وغير متوقعة مما يؤدي إلى تخفيض حاد في قيمة الأصول، وسحب المدخرات من قبل المستثمرين. ويستند خبراء اقتصاديون إلى ملامح اقتصادية واضحة، باحتمال حدوث أزمة اقتصادية كبيرة خلال عامي 2019 و2020، ترتكز أولاً على توقعات صندوق النقد الدولي، إذ تراجعت معدلات النمو في العالم العام الحالي مقارنة بالعام الماضي بشكل كبير، سواء بالولايات المتحدة أو بمنطقة اليورو، خاصة في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، التي خفض توقعه لنسبة النمو فيها من 1.9% إلى 1.6%، أو حتى بالدول النامية، أو المتحولة، خاصة الصين وروسيا.            

لهذا يتوقع كثير من المراقبين الاقتصاديين ويحذرون، وآخرهم كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، من أن عام 2020 سيشهد أزمة اقتصادية هبوطية في العالم، وربما تُدخل هذه الأزمة الكبيرة العالمَ فيما يُعرف بدورة الكساد التضخمي، وهي من أصعب الأزمات الاقتصادية التي ترتفع فيها الأسعار وتزداد نسب البطالة ويتراجع حجم الإنفاق الكلي على الاستهلاك والاستثمار.                                         

ويرى اقتصاديون أن الأمر المقلق هو التوترات العسكرية والسياسية بين الدول الكبرى والحرب التجارية وحرب العملات، بين الولايات المتحدة من ناحية، والصين ودول الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى. وهذه التوترات تؤثر على أسعار النفط والبورصات، وإذا استمرَّت فإنها ستشكل تحديات مالية ونقدية وتجارية دولية عميقة.