مضى اكثر من اربعين يوماً على انفجار " ثورة اكتوبرالعراقية " التي غايتهاالتغيير، وقلع الفساد، وانقاذ البلاد. منطلقة بقيادة شباب الحراك الذي ترعرع في ساحات التظاهر، منذ ما يقرب من عقد مضى بسنواته العجاف. ان ايقاع التظاهرات الحالي في مختلف المدن العراقية، يتعاظم متصاعداً بصورة طردية مع العنف السلطوي،  بمعنى كلما زاد البطش كلما اتسع الحراك الجماهيري، مسجلاً خطى ناهضة وماضية نحو الانفجار الكبير، المتمثل بالعصيان المدني المنتظر، الذي بمثابة البيان الاول سيعلن سقوط الطبقة الحاكمة ونهج المحاصصة والطائفية المدمر، ويكنس رموزها الفاشلة الفاسدة.

       هذه هي بنوراما الانتفاضة، التي تهيكلت في حراك الشارع ورموزه الرواد، وتبلورت ارهاصاتها الاخيرة باعتصامات مهنية متعددة. للمهندسين والكوادر الطبية والزراعية والحقوقين والمعلمين ومختلف المهن الاخرى، مثل اصحاب الاكشاك، وعمال المساطر، وكسبة البسطيات. ثم اختمرت بهبة الاول من تشرين الاول القادحة بشرارة الثورة. نرجع للقول : هذه فعالياتتها ومفاعيلها فماذا ستكون تفاعلاتها التي تلتهب في قلب ساحات الاحتجاج؟؟. لاشك ان الترقب الساخن تعتمل فيه اجابة ساخنة يقرأها القاصي والداني، بان الحراك وبعزم الشابات والشباب الثوار لاينتظر من قوى فاسدة ماسكة بالسلطة، ان تستجيب لمطالبه، وبخاصة رئيس الحكومة الذي اتضح للملأ انه يعبد المنصب. اذ انه كلما مضى يوم ببقائه على راس السلطة، ذهبت ارواح اخرى عديدة اغلى واثمن رأس مال في الوطن، وطبقته الحاكمة غير أبه. ولا نذيع سراً بان "عبد المهدي" يصرعلى تمسكه بالمنصب، بل يبدو متعبداً في محراب منصبه. حتى لو اباد مئات الاف اخرى من الاحرار المنتفضين.

       ان الدلالة المريرة على ذلك تتمثل  بقيامه نحر اكثر من اربع مئة شاب  ثائر، وجرح اثني عشر الف متظاهر بدم بارد. وهو يردد بقوله الديماغوجي اللامسؤول: {انه تعامل بابسط الاساليب مع المتظاهرين !! }. كما خرج علينا احد امثاله " عزت الشابندر" وبعد لقائه مع "عبد المهدي " "ليتحفنا" بقوله المستنكر هو الاخر{ بان الوطن اغلى من الدم !!! }. وكأنه يقاتل غزاة اجانب . جاهلاً او متجاهلاً أن الاديان واعظم الفلاسفة اكدوا بان الانسان { اثمن رأس مال }. كما ان "عبد المهدي" قد جرد نفسه من الاتزان وعزة النفس والكرامة، وامسى مهرولاً لاهثاً ومنصاعاً خلف ارادة الذين نصبوه في رئاسة الوزراء. حيث صار كالرجل الذي يؤمر باداء" لعبة الجنبازعلى حافة الهاوية ".وهنا لا مناص من ان يخسر تأريخه السياسي مقابل بقائه في المنصب الذي بات عائماً مما لايحسد عليه، بعد ان تلطخ بدماء احرار الانتفاضة. وعليه يقتضي القول ارحل قبل ان ترحّل باذلال.

           استلم "عبد المهدي " المنصب وهو لم يمتلك كتلة نيابية خاصة به، انما رُشح على قاعدة توافق كتلتين، فتح وسائرون ، وكان عليه ان يبقى محايداً و منصفاً بينهما، غير انه وحينما شعر بان احداهما اقوى من الاخرى سرعان ما مال متكئاً على متنها. وبذلك تولاه العشو السياسي متوغلاً عميقاً  في نهجه الوصولي الرخيص الذي يمتلك باعاً طويلا  به. فهو ذلك" السندباد" الرحالة  المتنقل بين انتماءاته ووظائفه شغوفاً بتحقيق حلمه ّ رئيساً للوزراء "،  كان سرعان ما يستقيل من وظيفته حينما لا يرى فيها وسيلة نافعة يمكن ان يمتطيها، حتى وان كان ذلك على حساب مصالح الشعب والوطن، فذات يوم ترك حزب البعث عندما سقط حكم الحزب المذكور في تشرين عام 1963، وعقب ذلك هرب من انتمائه الماركسي الجديد، الا انه بعد الهجمة السلطوية الشرسة على الشيوعيين واليساريين، هرب الى الخارج وصار اسلاموياً، وحينما سقط النظام الدكتاتوري تبوء اكثر من وظيفة رسمية وعندما وجدها لن توصله الى حلمه بمصب رئيس الوزراء كانت استقالاته مجردة حتى من التبريرات المنطقية، ما عدا الذي يعتمل في نفسه من غاية ملتهبة اصابته بفقدان البصيرة.

                         ولما وصله  المصب على طبق ذهبي ودون عناء تشبث به بعتباره قد مسك عروته الوثقى ومبتغاه وهدفه الاخير. وهو في نهاية عمره الثمانيني.. فلعب لعبته بانشاء " سور صيني " للحفاظ على هذا المصب، بانفتاحه  اولاً على الاكراد لكسب تأييدهم بصورة اقل ما يقال عنها: كانت خارج النص، اذا جاز هذا التعبير، ثم تنصل عن حياديته بميله الى الكتلة الاقوى كما رأها، متحملاً عواقب تردي الوضع الذي تجلى بدكتاتورية دموية قذرة باتت في مهب الريح. وبذلك قد ركب قطار الرحيل لامحالة وغير مأسوف عليه.

عرض مقالات: