يحتفي العالم في الثاني والعشرين من آذار من كل عام باليوم العالمي للمياه لأهمية هذا الموضوع حيث هناك تناقص في نصيب كل فرد في العالم وخاصة في العالم العربي والعراق من الماء وهو تناقص مستمر. وقد حددت منظمة الامم المتحدة هذا اليوم كيوم دولي لأهمية موضوع المياه لحياة الانسان ونشاطه الاقتصادي وللصحة العامة. ويلاحظ ان هناك تناقصا لنصيب كل فرد في العالم عموما وهو تناقص مستمر, علما ان هناك وحسب الاحصائيات حوالي (663 ) مليون نسمة في العالم ممن يفتقرون الى توفر المياه الصالحة للشرب وهذا تترتب عليه آثار مدمرة. كما ان حوالي 80 في المائة من الأمراض في البلدان النامية مرتبطة بسوء نوعية المياه وتلوثها.
في اليوم العالمي للمياه يسلط الضوء على حجم العمل الهائل الذي لا يزال يتعين القيام به في قطاع المياه والصرف الصحي وايجاد الحلول اللازمة. وفي العالم اليوم هناك بحدود (20 ) مليون شخص يواجه خطر المجاعة في كل من الصومال وجنوب السودان واليمن وشمال نيجيريا. ويعتبر الجفاف الشديد احد اسبابها الى جانب سوء ادارة الموارد المائية بشكل عام. وتفيد الأنباء ان اكثر من (100) شخص معظمهم من النساء والأطفال في الصومال قد قضوا نحبهم بسبب اضطرارهم لشرب مياه غير مأمونة بسبب الحفاف . كما ان ثمة صلة مباشرة بين نوعية المياه والصحة حيث تظهر الدراسات ان سوء خدمات المياه والصرف الصحي هو احد العوامل الأساسية المساهمة في التقزم لدى الأطفال.
ان معظم الأنشطة البشرية ينتج عنها مياه عادمة (غير معالجة) يتم تصريف القسم الأعظم منها في كافة انحاء العالم باستثناء الأكثرها تقدما بشكل مباشر في البيئة دون ان تخضع لمعالجة وافية مما يسبب آثارا ضارة على صحة البشر ومعدلات الانتاجية الاقتصادية ونوعية موارد المياه العذبة المتاحة في البيئة المحيطة, وان الحد من كمية المياه العادمة غير المعالجة التي تصرف في البيئة الطبيعية يساعد على انقاذ الأرواح وعلى تعزيز النمو المستدام.
يعتبر الماء عصب الحياة ولا يمكن تحقيق تنمية بدون الماء فكل الفعاليات من زراعة وصناعة ونقل وانتاج الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي تحتاج الى المياه, وتظل نوعية المياه وخدمات الصرف الصحي من العوامل الضرورية للتمكن من توفير سبل العيش الكريم. ويعزى (17) في المئة من حالات الوفاة المرتبطة بالعمل التي يبلغ عددها (2,3) مليون حالة سنويا الى الأمراض المعدية ومياه الشرب غير المأمونة, ولذلك يجب ان تصبح مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي مسألة تحظى بالأولوية في جميع انحاء العالم.
اما بالنسبة للمياه في المنطقة العربية فإنها تتسم بندرة شديدة الأمر الذي يضع المنطقة العربية امام تحديات كثيرة مقارنة بسكان باقي بقاع العالم, فبينما يشكل سكان البلاد العربية ( 5) في المائة من مجموع سكان العالم لا تزيد مواردهم المائية عن (1) في المائة من المياه العذبة المتاحة في العالم كله, ويأتي اكثر من (60) في المائة من هذه المياه من البلاد المجاورة وقد تتعدد الدول المشاركة في النهر كما في حالة نهر النيل الذي تشترك فيه احدى عشرة دولة في الوقت الذي يشكل فيه نهر النيل مصدرا لأكثر من (98) في المائة من موارد المياه العذبة لمصر . وفي الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على المياه من اجل التنمية يزداد عدد السكان باضطراد وهو الأمر الذي جعل كل البلاد العربية تقريبا تقع تحت خط الفقر المائي الذي يقدر عالميا بحوالي ألف متر مكعب للفرد في السنة حيث يقل متوسط نصيب الفرد حاليا في البلاد العربية عن هذا الحد بينما كان بحوالي (3500) متر مكعب في السنة في ستينات القرن الماضي, وان بعض الدول العربية ينخفض فيها نصيب الفرد الى اقل من (200) متر مكعب في السنة . كما يلاحظ في كثير من البلدان العربية ان هناك اسرافا في استخدام المياه والتلوث والقاء المخلفات في المجاري المائية ولذلك فنحن احوج الشعوب لأن نتعامل مع مياهنا العربية بمزيد من الحكمة والحرص والعناية لكل افراد المجتمع دون استثناء . ووضع قضية المياه على رأس سلم الأولويات الاستراتيجية في الدول العربية والسعي الى وضع الدراسات العلمية لإدارة وتطوير المصادر المائية اضافة الى مواكبة التطورات العلمية في موضوع المياه وطرق ترشيد استهلاكها والتعامل معها الى جانب اهمية رعاية وتمويل البحوث والأنشطة التطبيقية في طرق التعامل مع مشكلة المياه بشكل امثل وذلك للوصول الى توصيف دقيق للعقبات والمشاكل التي تتعلق بالمياه واقتراح الحلول الملائمة لحلها وايجاد بدائل مبتكرة للتعامل معها .
اما في العراق فيواجه اليوم ازمة شح المياه حيث مر بأسوأ فترة جفاف عرفتها البلاد منذ عقود بسبب العوامل الطبيعية والتغيرات المناخية اضافة الى سوء ادارة الموارد المائية وموقف دول الجوار واحتكارها لمياه نهري دجلة والفرات مما يهدد أمن وسلامة الموارد المائية بالرغم من ابرام الاتفاقيات الدولية بين كل من دول المنبع ودول المجرى والمصب, فتركيا باعتبارها دولة المنبع لنهري دجلة والفرات فإنها تسيطر بالكامل على كل من هذين النهرين وعلى حساب الحصة المائية لكل من سوريا والعراق , وعملت منذ سنوات طويلة على الاستفادة من هذين النهرين من خلال انشاء عشرات السدود العملاقة لاستغلال المياه وتخزينها والاستفادة منها في الزراعة وتوليد الطاقة وآخرها واكبرها كان مشروع ( غاب ) العملاق الذي يعد اضخم مشروع في العالم والذي يشمل ثماني محافظات في تركيا .ومن اهم سدود هذا المشروع سد اتاتورك الذي دشن في تموز 1992 ويقع على نهر الفرات, وآخرها سد ( اليسو) العملاق الذي اكتمل مؤخرا على نهر دجلة وستتم المباشرة بملئه في شهر حزيران القادم حيث ستكون نتائج ذلك كارثية على العراق في انخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة وفي الأهوار. ويفترض بالعراق ان يربط ملف المياه مع تركيا وايران (التي بنت ايضا سدودا وغيرت مجاري انهارها التي تصب في شط العرب كالكرخة وكارون او بالنسبة للروافد التي تنبع من جبال ايران وتصب في نهر دجلة في شمال شرق العراق) بالملف السياسي والاقتصادي خاصة وان معظم تجارتنا الخارجية مع تركيا وايران.
في اليوم العالمي للمياه ينبغي على العراق تأمين أمنه المائي والمرتبط بأمنه الغذائي وتأمين المياه الصالحة للشرب لمحافظة البصرة حيث ترتفع نسبة الاملاح والتلوث في مياه شط العرب, وضرورة العمل على ترشيد استهلاك المياه وخاصة في الزراعة باستخدام الطرق الحديثة في الري كالري بالرش وبالتنقيط وانشاء السدود والخزانات لخزن المياه والاستفادة منها وايجاد الحلول المناسبة لمشكلة الاستحواذ على المياه من قبل ايران وتركيا واللجوء الى المواثيق الدولية التي تضمن حقوق الدول المتشاطئة والعمل على الحد من مشكلة التلوث ومعالجة مياه الصرف الصحي والمساعدة في حماية بيئتنا والموارد المائية الموجودة فيها وضمان توافر وادارة مصادر المياه وخدمات الصرف الصحي والعمل على خفض نسبة المياه المهدورة غير المعالجة وزيادة اعادة تدوير المياه واستخدامها الآمن.