تكمن أهمية الرقابة البرلمانية كوسيلة لحماية مصالح الشعب ومنع الانحراف السياسي والالتزام بالسياسة التنموية التي وافق عليها البرلمان وإن الالتزام بالميزانية التي أقرها هو الحفاظ على الأموال العامة من الضياع والفساد، فالبرلمان وهو سلطة رقابية على السلطة التنفيذية يحاسبها ويراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، يستطيع من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها, فضلاً عن مراجعتها وإعادتها إلى مسارها الصحيح إذا انحرفت. ومن خلال تتبع واقع الرقابة البرلمانية في العراق يظهر أن هناك الكثير من السلبيات والتي تعود في الأصل إلى سببين، الأول يتعلق بالثغرات القانونية الموجودة في النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، أما الثاني يعود إلى التركيبة التي يقوم عليها مجلس النواب العراقي.ومن الثغرات القانونية التي تتعلق بالمناقشة العامة أيضاً عدم وضوح الإجراءات التي يجب أن تسير لها، وهذا ما يؤدي من الناحية العملية إلى إنحراف أعضاء مجلس النواب العراقي عن الغاية التي يجب تحقيقها من خلال وسائل الرقابة بشكل عام، ومن الأمثلة على ذلك تلك الحادثة الغريبة عن التقاليد البرلمانية، والتي تحوّلَ من خلالها طرح موضوع عام للمناقشة إلى استجواب ، وهذا ما حصل في جلسة مجلس النواب العراقي رقم (69 )عام 2007 ،والتي كانت مخصصة لمناقشة وزير الدفاع والتي تحولت إلى استجواب بعد أن تعالت الأصوات بين أعضاء مجلس النواب العراقي. وعلى الرغم من أن اعتماد نظام الانتخاب بالتمثيل النسبي في الانتخابات البرلمانية، وذلك على أساس عادل, لكن الاشكالية الاساسية هي توزيع المقاعد على سائر ممثلي مكونات المجتمع العراقي بشكل نسبي ، واعترضت هذا السبيل تمثلت باحتساب المقاعد الشاغرة والتعويضية، إذ خضعت تلك العملية لأمزجة القادة فضلًا عن عدم دقة المعلومات حول عدد السكان نتيجة عدم توفر إحصاء سكاني شامل ، والاهم من ذلك تدني مستوى وعي الناخب وارتهان إرادته وسلوكه الانتخابي بالاعتبارات الطائفية والقومية والعشائرية، وبالتالي لم تكن المؤسسات التي تمخضت عن تلك العمليات الانتخابية مجلس النواب على وجه الخصوص لتمثل مكونات الشعب العراقي تمثيلا حقيقيا مما انعكس سلباً على اداء مؤسسات النظام السياسي برمتها، ومن ثم فأن الرقابة البرلمانية هي الأخرى خضعت لهذه الاعتبارات، ففي اغلب الاحيان يترتب على اتباع نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل النظام السياسي في البلد المعني اعتقادا بأنه يتلائم بشكل افضل مع مصالحهم الحزبية. كذلك أثرت التركيبة التي يقوم عليها مجلس النواب العراقي على الرقابة البرلمانية، فعلى الرغم من التمثيل العادل لكل مكونات الشعب العراقي، ولكن من الناحية العملية هناك تكتلات مبنية على تصنيفات ثقافية أو عرقية أو قومية، مما أدى ضعف الرقابة البرلمانية، وهذا يعود إلى تركيبة الأحزاب السياسية التي يتشكل منها البرلمان، والتي هي أحزاب متعددة، بمعنى أن البرلمان لا يقوم على الثنائية الحزبية التي تقوم بدورها على حزب حاكم وحزب معارض، بمعنى أن الدور الرقابي للأحزاب السياسية في ظل نظام تعددي أقل تأثيراً على الحكومة من نظام الحزبين، لأنه في ظل ثنائية الحزبين يحصل تنافس بينهما للوصول للسلطة، فالحزب السياسي المعارض يجند كل طاقاته في سبيل تشديد الرقابة على أداء الحكومة، بينما في نمط التعددية الحزبية فضلًا عن عدم الثبات والاستمرارية من قبل هذه التعددية تكون الرقابة مبعثرة وغير واضحة بين تلك الأحزاب، معارضا وغداً يصبح مع سياستها وبما تقتضيه ً الأحزاب على موقف محدد، فقد يكون الحزب اليوم للحكومة المصلحة الحزبية، وبالتالي فإن نظام التعددية الحزبية يقر بوجود الرقابة البرلمانية لكنها قد تكون محكومة برغبة الأحزاب السياسية والمصالح التي يحملها أصحابها. ان الممارسة السليمة لكل من الوظيفة التشريعية والرقابية لمجلس النواب العراقي ينبغي أن تبنى على ضرورة إعادة هيكلة المشهد السياسي والتأكيد على الانتماء الوطني والسعي إلى مغادرة النهج القومي أو العرقي الضيق، والعمل على تعزيز سلطة الدولة المدنية وهذا يمكن أن يكون الدافع الأساسي في إيجاد الترابط بين مفاصل النظام السياسي، وبخاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية والعمل على إعادة الثقة بينهما من جهة وتقويتها وتجديدها مع المواطنين من جهة أخرى، وتقديم أفضل الخدمات لهم ومراقبة سيرها بدقة وفقاً للحاجات ومتطلبات المرحلة القادمة بعيداً عن لغة الربح والخسارة بين تلك السلطات المكونة للنظام السياسي فضلًا عن تفعيل فكرة التوازن والتضامن في العمل الرقابي لكي لا تجور إحداهما على الاخرى وتستأثر بالسلطة ومن ثم تهدد مصالح المجتمع وتؤثر سلبا على نظام الحكم.                        

وهناك أسباب تدفع الأنظمة السياسية لاتباع المحاصصة السياسية، ومنها الطموح لاتخاذ السلطة هدفا وغاية باستغلال عواطف طائفة معينة وقصور النظرة إلى مخاطر هذا الاتجاه، و عدم الثقة بين الأطراف السياسية في تعاملها بين بعضها البعض، وتمسك كل طرف سياسي بوجهة نظره حسب ما يراه هو متخندقا بقوة كتلته في هذا الجانب أو ذاك . هناك فرق كبير بين المحاصصة السياسية، وبعض المصطلحات الأخرى، ومن أهمها مصطلح المشاركة السياسية، إذ أن نظام المشاركة السياسية مصطلح أوسع من مصطلح المحاصصة السياسية، لأنه يتيح المجال أمام جميع أفراد الدولة المؤهلين للمشاركة في كل الشؤون السياسية في الدولة دون اعتبار لتخصيص حصص معينة لطائفة أو جنس أو عرق، أما مصطلح المحاصصة السياسية فيقوم كما رأينا على تخصيص حصص معينة في الحكومة أو البرلمان لأفراد ينتمون إلى ديانة، أو طائفة، أو جنس، أو عرق.

أدى تطبيق المحاصصة السياسية في بعض الدول إلى تصاعد في مستوى الفساد الإداري والمالي، سواء لعدم مقدرة هذه القيادات على التمكن من المواجهة وإصلاح الأمور أو لأنغماسها في مصالح شخصية بسبب عدم أهليتها، كما أنها – المحاصصة السياسية- أدت إلى خلل في المنظومة القيمية والأخلاقية يجعل المجتمع يتقبل الممارسات السلبية، مثل الرشوة، والواسطة، وصعود أصحاب النفوذ الاجتماعي في استغلال العلاقات الشخصية لإنجاز أعمال غير قانونية تمس بالمصلحة العامة، وانتشار مثل هذه المظاهر يعجل بظهور الفوارق الطبقية وإحساس الجهات التي لا تستفيد من الدولة والقطاع العام بالظلم والتهميش فتلجأ لانتهاج نفس السلوكيات لأنها تعتبرها الوسيلة الوحيدة للحصول على الخدمات. يظهر أثر المحاصصة السياسية في العراق على أداء مجلس النواب من عدة نواح، وأهمها ً تأثيرها على الأمور التنظيمية لمجلس النواب العراقي، لا سيما من ناحية انتخاب رئاسة مجلس النواب أو إقالتها، والنصاب اللازم لعقد الجلسات، كذلك يظهر تأثير المحاصصة السياسية على ممارسة مجلس النواب العراقي لاختصاصاته المختلفة سواء أكانت اختصاصات تشريعية أو اختصاصات في الرقابة على عمل الحكومة. المحاصصة السياسية أدت إلى العديد من الأزمات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وأظهرت ضعف الدولة العراقية.