يعتمد بعض من المسلمين على فتاوى فقهاء الدين التي تيسر لهم حياتهم والتزاماتهم وتساهم في حل إشكالاتهم الفقهية منها والعملية ، ويلتزم منهم وفق ما ترسمه تلك الفتاوى فعلا وقولا ، ولرجال الدين الفقهاء الدور الأساس والمهم في تبسيط تلك الفتاوى والمسائل ، من خلال الدراسات التي تبسط أمور الدين ،وتبصر الناس في معاملاتهم وقضاياهم الشرعية بما ينسجم مع الإطار الإنساني العام للدين ، من خلال الفتاوى والإرشادات التي ينشرها علماء الدين وشيوخه ، بالنظر لما يكنه المجتمع الإسلامي من تقدير لتلك الفتاوى التي يصدرها رجال الدين ، بالإضافة الى مكانتهم المهمة في بث روح الوحدة ولم الصف والدعوة للمحبة والتآخي والسلام ،والإشارة الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

 وجاء في لسان العرب عن الفتوى : أَفْتاه في الأَمر: أَبانَه له. وأَفْتَى الرجلُ في المسأَلة واسْتفتيته فيها فأَفتاني إفتاء.

وفُتىً وفَتْوى: اسمان يوضعان موضع الإِفْتاء. ويقال: أَفْتَيْت فلاناً رؤيا رآها إذا عبرتها له، وأَفْتَيته في مسأَلته إذا أَجبته عنها. وفي الحديث: أَن قوماً تَفاتَوا إِليه؛ معناه تحاكموا إِليه وارتفعوا إِليه في الفتا. يقال: أَفْتاه في المسأَلة يُفْتِيه إذا أَجابه، والاسم لفَتْوى ، والفُتيا تبيين المشكل من الأَحكام.

ومن يتابع مطالعة أقوال ابن الوزير وابن تيمية والهيثمي، يجد أنها تنكر أشد الإنكار، وتحذر أبلغ التحذير من تكفير الناس بذنب أو خطأ ، ويرون أن تلك الفتاوى التكفيرية لا تجد لها سندا من الإسلام .

وأتفق جميع علماء الإسلام دون خلاف على إن الإسلام إنما يثبت بالاعتقاد بالله وبالنبي صلى الله عليه واله وسلم وعدم إنكار ضرورة من ضرورات الدين،ومن قال اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله فقد حرم دمه وماله ، ومن قال الشهادتين وصلى للقبلة فهو مسلم .

ان المسلمين اتفقوا بأنه من جاء بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان فأنه مسلم موحد ولذلك طبقوا قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم، المسلم اخو المسلم، المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه فالأصل في هذه القضية ان المسلمين اتفقوا على اطر عامة منذ فجر التاريخ الإسلامي .

وعلى هذا الأساس فأن كل من يصدر فتواه بتكفير الآخر مهما كانت فرقته اوطائفته أو عقيدته  فإنما يزيد النار حطبا ويساهم في إشعال نار الفتنة والفرقة والأحقاد بين المسلمين  خصوصا وبين الناس عموما ، وبهذه الفتوى التي لا تقرها الشريعة ولا تدعمها الوحدة ولا تقبلها متطلبات الحوار والتقارب بين المذاهب الإسلامية ، ولا تقرها السنة والشريعة وتسهم بشكل أكيد في نشر وتثبيت معالم ثقافة الإرهاب واعتماد الوحشية والأساليب المتخلفة في حل إشكاليات الاختلاف في العقائد والأفكار .

ومن يصف المسلم بالشرك فإنما عليه الإثم ويتحمل وزر جريمته في الدنيا والآخرة وأن عذابه عند الله شديد ، فإذا كان دم المسلم على المسلم حرام وماله وعرضه ، فكيف يمكن تفسير تلك الفتاوى التي تبيح الذبح والقتل وتمهد الطريق للجريمة المنظمة المتطرفة لأسباب مذهبية ؟

كيف يمكن إن يستباح دم الإنسان بجريرة المذهب أوالدين أو العقيدة وتحت تحريض واضح وصريح من رجل الدين مهما كان مذهبه ، مما يجعل ذلك التحريض جريمة شرعية وجنائية يعاقب عليها القانون ، ومخالفة صريحة لنصوص الدستور العراقي .

وإذا كنا منصفين يستوجب الأمر أن تكون تلك الكلمات عمومية لا تخص طرفا معينا ، مع أن الأمر يستوجب التوقف عند من يحاول أن يمتهن الأفتاء ،ويتخذه وسيلة لتمرير رغباته وعقائده ونزعاته الشخصية ، محاولا أن يورط الناس في أشكال من الأفعال التي تهدم الدين الإسلامي وتهدر دم المسلم وتعرض عرضه وماله للحرام وبأيادي مسلمين آخرين .

ويقينا أن الفتاوى المذكورة بصرف النظر عن كونها تشكل تحريضا واضحا وصريحا على القتل ، فأن تلك الفتاوى تشكل دعما للإرهاب الإنساني ودعما للتهديدات التي تقوض دعائم  السلام الاجتماعي العالمي ،وتساهم في نشر الكراهية والحقد بين الناس.

أن الدعوات الإجرامية المتبرقعة بغطاء الفتاوى الدينية هي ما ينتشر هذه الأيام وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط ، حيث نمت بذور الطائفية والكراهية ، مع نمو الإرهاب والفرقة بين المسلمين . 

وتعاقب القوانين الجنائية كل من حرض على ارتكاب الجريمة ووقعت بناءا على تحريضه ، وتلك الفتاوى التي تبيح القتل إنما هي تحريض أعمى للجريمة ، كما أن دفع أي شخص بأية وسيلة ومنها الإيهام بمشروعية العمل وتطابقه مع الشرائع والأديان، يعتبر من قبيل الاشتراك الفعلي في ارتكاب تلك الجرائم ،وهو في كل الأحوال يبتعد عن المقاصد الحقيقية للفتاوى ،ويتعارض بشكل عام مع منهج الإسلام والتعاليم السمحاء .

وتلك الفتاوى البعيدة عن المسؤولية الشرعية والإنسانية تكون مجرد أفعال إجرامية تصل إلى مستوى الاتفاق الجنائي على ارتكاب الجنايات باسم الدين وتحت ستار الشريعة ،وتحت وهم ضمان وصول الجاني ( المجرم والفاعل الأصلي ) إلى الجنة ، أو دعما وحماية للمذهب او للدين ، حتى أصبحت جنان الخلد يمكن أن تصلها البهائم المفخخة والانتحاريين  والمجرمين من القتلة بالجملة مادامت الفتاوى تسهل لهم الطريق ،وتمنحهم بطاقات الدخول بأقصر الطرق ، غير أن العقوبة الجنائية التي شرعتها القوانين تعاقب مطلقي تلك الفتاوى أي كان موقعهم ومنصبهم،وبأي شكل من الأشكال وسواء كان يرتدي رجال الدين او لم يكن منهم ،وفي أي مذهب من المذاهب ، فأن بإمكان المجتمع الدولي والشعوب التي يلحقها الضرر الأكيد من جراء تلك الفتاوى التحريضية ، وأن بالأمكان إصدار القرارات القضائية لملاحقتهم والقبض عليهم ، وتضعهم تحت طائلة القوانين التشريعية وقانون الإرهاب الدولي ، بالإضافة إلى العقوبة التي سيضعها الله سبحانه وتعالى في رقابهم عند الحساب .

عرض مقالات: