البصرة  صارتْ (مدينة مضطجعة) خصوصاً، منذ انهيار منازل سكانها الفقراء و الأغنياء ومنذ انهدام  مبانيها و شخصيتها مع بدء الحرب الإيرانية – العراقية عام 1980 ، حتى صار هذا الاضطجاع كتاباً مفتوحاً  امام التاريخ الحديث وامام مطالعته من الجميع . أحياناً تكون المطالعة جادّة وحقيقية واحياناً تكون المطالعة من نوع الترهات السياسية ، موضوعة على وريقات فيها اسرار و فيها خفايا حين نجد بعض او جميع أحزاب الإسلام السياسي تتنهد في أرائك  ذات وسائد فاسدة، مالياً وادارياً،  منذ عام 2003 حتى هذه اللحظة،  التي يرتفع بها شعار بين الفينة و الفينة في ملفة تسمى (إقليم البصرة) حيث ينزرع امامها جدل كثير تُضرب فيها سبابات المجادلين على مناضدهم ، مهددين ، متوعدين او ناشرين بشائر  متلألئة عن حلوى بصراوية بيضاء ، حال تحوّلها الى إقليم مقدس .

لا شك ان قضيةً مثل هذه القضية بحاجة الى حوارٍ،  نموذجي عميق،  لأن الخطأ فيها يمكن أن يكون ساديّاً والصواب فيها يمكن ان يكون فضيلةً سياسيةً صلبة وإلاّ فأن فكرة ( الإقليم) تظل باعثة ، في نفوس سكان البصرة،  كآبة مزدوجة تضعهم  في حبسٍ انفراديٍ،  خاصةً وان درجة الوطنية لدى مواطن هذه المدينة عالية جداً. 

بعض الهلوسات

ربما هلوسات بسيطة صغيرة تصدر عن  أصحاب مهنة السياسة من ناقصي الثقافة  التاريخية،  او ممن يحمل في رأسه ثقافة من نوعٍ نفعيٍ  او ممن ازدهرت احواله المالية بعد عام 2003 او ممن يمارس، خفيةً او علناً،  حفلات الفساد المالي  او أنها تصدر  من وجه تلفزيوني يعاني من مرضٍ فظٍّ عنوانه  : (الاسلام السياسي). مثل تلك الهلوسات  تجعل سكان مدينة البصرة ، جميعهم،  تحت كابوس سياسي واسع المدى ،  من جديد ، مع قضية عنوانها: ( إقليم البصرة)  من دون وعيٍ كاملٍ بأن القضية تعود،  أساساً،  الى طيش حاكم بريطاني احتلت قواته المسلحة مدينة البصرة  عام 1914  اخترع، يومذاك ،  بلا حماسة ،  فكرة (انفصال البصرة) .

في تصريحٍ تلفزيوني شاهدته ، يوم امس ، من على قناة الشرقية الفضائية،  شخّصتُ هلوسةً سياسية،  ذكرها احد أعضاء مجلس محافظة البصرة ، السيد كريم شواك،  مخبراً مشاهدي لقائه،  بفكرةٍ يتيمةٍ،  ليست واعية في معناها وواجباتها و أصول قائليها ، انما أعاد قولها معتبراً انها تحمل فضيلة من الفضائل الفكرية – السياسية قد تساعده بخلق رأي عام في مدينة البصرة،  للمطالبة بتحويل (المحافظة)  الى (إقليم).

 لا اعرف الاتجاه الحزبي او الانتماء السياسي – الإسلامي لهذا الرجل (كريم شواك) ،  لكنني عرفته من كلامه ، انه من المتوهجين بأفكار الإسلام السياسي ومناهجها المطلقة . هذا الرجل صرّح   أن أهالي البصرة طالبوا في اول عشرينات القرن الماضي بالاستقلال التام عن العراق الى حد المطالبة بإنشاء بديل يتضمن قيام (دولة العراق و البصرة)..!

استغرب الكثير من مشاهدي اللقاءات التلفزيونية مثل هذا الأمر الغريب ، متسائلين عن صحة الادعاء و معناه و مغزاه.. كما سألني بعض الأصدقاء الفضوليين:  هل في هذا القول علامة حقيقية من علامات نضال أهالي البصرة ام كانت علامة ميتة من علامات الاحتلال الاستعماري لبلاد وادي الرافدين ..؟

بعثتني تلك الأسئلة الى الجواب عليها بهذا المقال،  إذ وجدتُ ضرورة التداعي مع مثل هذه الصواعق، المرافقة للواقع المتخلف ،  الذي تعيشه جماهير مدينة البصرة،  الغنية بثرواتٍ معدنيةٍ من تحت ارضها السوداء ،  يزداد تراكمها مع توسيع نشاط الشركات البترولية الأجنبية الرابحة ،  بينما ينخفض ،عاماً بعد عام،  عطاء ثرواتها الزراعية الخضراء.

ضرورات التصحيح

لا بد من التصحيح ، هنا. هذا الطلب او هذا الراي لم يرد على لسان ( أهالي ) البصرة لا بنسبة 10% ولا بنسبة 2% ولا بأية نسبة مقدرة عقلانياً،  بل ورد مرتعشاً على لسان مجموعة صغيرة جداً من ناس يعبدون المال و يخضعون لمن يفتح ذراعيه لاحتضانهم على ركبهم الضعيفة  ، المذنبة بحق شعبهم.  ورد هذا الرأي على لسان مجموعة من الطبقيين المنتفعين من الاحتلال البريطاني،  مجموعة من أصحاب المصالح الشخصية،  اطلق عليهم،  آنذاك ، لقب  ( الكومبرادور).  هم مجموعة متكونة من (بعض) و ليس من (كل) تجار البصرة،  مستفيدين من تعاملهم مع  الشركات الاستغلالية الاستعمارية المصاحبة لقوات الاحتلال،  واضعة مصالحها فوق مصالح الشعب البصراوي و العراقي ،كله.  

ورد هذا الراي ، الذي جدّده تصريح السيد كريم شواك،  بتصريحه التلفزيوني ، على صفحات مذكرة سياسية رفعها السادة من تجار البصرة ووجهائها عام 1921 كل من : (1)  طه السلمان و(2) عبد الرزاق النعمة و (3) آغا جعفر و (4) الشيخ إبراهيم ، شيخ الزبير و (5) سليمان الغماس رئيس بلدية البصرة و (6) عبد السيد العويد و (7) كباشي السعد من شيوخ بني سعد في القرنة و (8) احمد الصانع و (9) عبد اللطيف المنديل و (10) عبود حمود الملاك و (11) سليمان الزهير و (12) يوسف عبد الاحد عن المسيحيين و (13) يعقوب نواح عن اليهود .

الخضوع الاستغلالي

هذه المذكرة مرهقة بخضوع موقعيها امام ممثل الاحتلال، السير برسي كوكس،  المندوب السامي البريطاني في العراق بعد  احتلال قواته ارض السواد ، بين النهرين، عام 1914 .  لم تتضمن المذكرة أي مطلب شعبي حقيقي ، بل تضمنت أفكاراً سيئة و رغائب شريرة، مدونة بـ23 فقرة لم يكتبها او يكتب حرفاً واحداً منها أو فيها، أي مواطن بصراوي او عراقي ولا حتى أي واحد يرفض التوقيع عليها،  بل كتبها باللغة الإنكليزية واحدٌ من أصحاب العيون الزرقاء و الشعر الأشقر من المتغطرسين المحتلين هو (المستر براهامس) الذي هدّدَ باعتقال كل من لم يوقع عليها من هذه المجموعة،  التي تحوّلت الى أداة بيد المحتلين لبناء  العراق على أساس (دولة شبه رأسمالية شبه اقطاعية)  يمسك  الكومبرادور بجميع مفاصل اقتصادها.  رُفعتْ المذكرة بعبارة ذليلة جداً من الموقعين عليها تخاطب   الحاكم البريطاني بالقول : (  لنا الشرف في ان نكون خدامكم المطيعين ). تمّ التوقيع على المذكرة في 13 حزيران عام 1921  . كان هدف  المندوب السامي البريطاني  إيجاد طبقة اجتماعية خاضعة لمخططات المستعمرين الإنكليز ، لذلك فأنه  لم يتخذ بشأنها أي اجراء قانوني او عملي،  بل جعلها سلاحاً لتهديد الملك فيصل الأول،  كلما اختلفا بموضوع خطير ، كما أشار المحامي سليمان فيضي بمذكراته الصادرة عن دار الساقي بيروت – لندن.  

لا ادري كيف تأمّل السيد كريم شواك ،عضو مجلس محافظة البصرة  في  قمم مضامين هذه المذكرة السوداء،  التي لا تحمل أية كلمة من بنودها غير انعكاسات الذلّ الاستعماري عليها و على الموقعين في ختامها..  كيف سوّلَ لنفسه هذا القيادي في حركة الإسلام السياسي العراقية ان يتأمل فقرات (المذكرة الانفصالية) ليهدد بها،  بعد ما يقرب من مائة عام،  بكلامٍ مضطرب ٍاصطدم منذ ظهوره في المرة  الأولى عام 1921 بجميع زوايا الواقع العراقي ، يكرر إعلانه في نيسان عام 2019.  كيف سمح السيد كريم شواك، لنفسه،  أن يضع الملح في المربى، من اجل السماح له ولأصحابه بإقامة (إقليم البصرة)..؟  

المجابهة برفض الشباب

هل يعلم السيد شواك او انه لا يعلم ،  ان هذه المذكرة جوبهت برفضٍ عظيم الإحساس بالوطنية وبالروح الإنسانية السامية، من قبل مجموعة صغيرة أخرى قدّمتْ ، على الفور،   مذكرة معارضة الى المندوب السامي البريطاني،  نفسه، وقّعها، بجرأة،  كل  من الشبان البصاروة الأصلاء ، المتميزين بوعي وطني صادق  ،  هم :  محمد زكي و عبد العزيز المطير وعمر فوزي و محمد امين باش اعيان واحمد حمدي الملا حسين. كان هؤلاء الشبان قد وضعوا توقيعهم على ورقة تاريخية عظيمة ،بفرحة عظيمة ،لأن علاماتها تتحد مع مطالب الشعب العراقي في وحدة وطنه .

المعنى الأول و الأخير لتصريحات السيد كريم شواك، العضو الحالي لمجلس محافظة البصرة وهو مجلس لا يمتلك خلال وجوده منذ ما يقارب السنوات الست، أية فضيلة إنجاز عامة.. لم يحقق مجلسه أي انتصار على خراب البصرة و لا على ازبالها ، لكنه سرعان من انتصب واقفاً للإشارة بسبابته إلى  تلك (المذكرة الانفصالية) العقيمة. أتمنى من كل قلبي ان تتغلب عليه وعلى مواقفه روح الجمال الوطني وان لا يسجن نفسه في روح الأجهزة ومسمياتها المختلفة . أتمنى أن يدرك   ان مسميات الأجهزة الإدارية سواء كانت بمسمى (إقليم) او بمسمى (محافظة) فالأساس بتطوير المجتمع البصراوي او العراقي تعتمد على كفاءة الإداريين،  أولاً وأخيراً،  في استغلال جميع مظاهر وأدوات ووسائل اللامركزية الإدارية،  التي اتاحها الدستور العراقي . مع الأسف أن هذه المظاهر والأدوات و الوسائل  لم تستوقف قادة الإدارة في (محافظة البصرة)  في اثناء التطبيق اليومي ،غير الدقيق غير الواعي، للمهام الإدارية،  خلال زمان السنوات اللاحقة لسقوط النظام الدكتاتوري المركزي. 

تخيلات سياسية

يتخيّل بعض دعاة تأسيس إقليم البصرة  مع احترامي لهم بأن الكون ، كله،  لا يمكن ان يستغني عنهم. يصرون على أن لا شيء غير (الإقليم) يطوّر و يحقّق إنسانية انسان البصرة ،  لا وسيلة غير (الإقليم) يمكنها ان تجعل مدينة البصرة متمدنة من الدرجة الممتازة. هذا البعض ينسى أو يتناسى أنه من جيل إداري نشأ و ترعرع ، في السنين الـ15 الأخيرة،  في ظل العوامل السلبية ، المستقرة استقراراً زمانياً و مكانياً،  في جميع دواوين محافظة البصرة و مؤسساتها. بينما هم أيضا بمقدمة المسؤولين عن شلل التعمير والبناء والإصلاح، الذي ضاعف (خراب البصرة) بسبب ضعف الحذر العقلاني من مخاطر الوان الطائفية و التطرف وانعدام الشعور     بالمسؤولية .

لم يكن بين هذا الجيل من لا يعتقد انه عملاق في الفكر السياسي،  حين يظهر متحدثاً على الشاشة التلفزيونية،  لكنه يغفل تشخيص حقيقة  افعاله من اجل خير البصرة و نصرة اهاليها ولا يدرك أنها لا تزيد عن قدر أفعال ذبابة واحدة لا غير.   ليس من بين أبناء هذا الجيل الإداري من يمكن تسميته بـ(الفاعل التاريخي) لتخليص المدينة وتوابعها من (الخراب ) لذا لا يمكن الاقتناع بأن يكون (الإقليم) قوة محركة حقيقية لتغيير واقع مدينة البصرة ،تغييراً جذرياً.

القادة دعاة الاقليم

 احد قادة دعاة (الاقليم)  كان قاضياً ومحافظاً و وزيراً،  لم يترك أي تأثير على ظهر  البصرة أو على وجهها اطلاقاً ولا أي تأثير في الديمقراطية العراقية الحديثة لمناقشة مشكلاتها و تشخيصها ، حتى انهى مناصبه الثلاثة ، بالتحوّل الى (محلل سياسي) منتفضاً على شاشات التلفزيون الفضائي، مرتين باليوم الواحد،  ليخبر أهالي البصرة بالقول الباهر : هذا أنا  موجود إنْ  كنتم تبحثون عني..!

رجل اخر من قادة دعاة تحويل البصرة الى (إقليم) اختار مجده ان يكون  إعلامياً  حالماً بالصعود إلى مستوى الامبراطوريات الفضائية الإعلامية في بلاد العرب ، ثم سربل نفسه بأعمال تجارية صاعدة ليمتلك الدخل والإدارة ، مرة واحدة،  لكنه لم يستطع قراءة أوضاعه، بهدوءٍ عقلاني،  حتى انتهى الحال به الى السجن ضحية الزمجرة التجارية  المحزنة.

رجل ثالث من القادة الدعاة الى إقليم البصرة ليس له أي عطاء حتى في تاريخ الحداثة الطائفية ، التي يدعو مدينة البصرة اليها ولم يبرهن لأي فرد من افراد الإسلام السياسي انه قادر على ترجيح حقوق المواطن البصراوي لأن جميع أولاده واحفاده يعرفون أنه من القائلين: ان المرأة ناقصة في العقل والدين..!

مثل هؤلاء القادة الدعاة لا يمكنهم ان يستدعوا جماهير البصرة الى التوافق مع دعاوى (الإقليم) الذي سيظل جافاً بأيديهم وربما لا يكون غير مجرد هيكلٍ منسجمٍ مع أواني مائدة   القطط السمان..!  ..  مثل هؤلاء لا يعرفون ان التاريخ يتطور من الأسفل ، من القاعدة الجماهيرية وليس من أشياء الغائية السرية، الحزبية و الطائفية، مما يعني انهم لا يفرقّون بين (السلطة) و (التاريخ).

لا يعرفون أن  (السلطة) قوة طبقية تتسلط  من اعلى ، بينما (التاريخ) هو الشكل الارقى من اشكال المعرفة البشرية ينبثق من نشاط الأسفل ، نشاط الجماهير .. لا يعرفون  ان تاريخ ما بعد خراب البصرة لا يعتمد على تقوية الشخصية التسلطية  الطائفية أو الحزبية،  بل بالممارسة الديمقراطية، المتدرجة في التاريخ المتحول لمدينة البصرة ولكل  مدينة عراقية أخرى. بعد خراب البصرة أصبحت  (سوق الأقاليم) فيها مزدحمة بالدعاة والضوضاء السياسية وبطيور المحاصصة  الطائفية ومعزاتها تحت تأثير اضغاث الاحلام الميكافيلية.

القوة الطبقية ليست حلاً

  ان الزمان الوحيد القادر على تحويل  البصرة من  إدارة  (محافظة) الى إدارة (إقليم) لن يأتي بألفاظٍ مرتفعة الصوت، غريبة الأوراق و النوايا ولا بصورٍ ملونةٍ تزيّن اغلفتها،  انما  يأتيّ بالاعتماد على التطور التاريخي ،التدريجي،  و على التحوّل التاريخي ، العميق،  لكي يتحول القادة الإداريون، الشعبيون،  المعتمدون، أنفسهم،  الى صانعين حقيقيين لمصائر أهالي البصرة و مستقبل مدينتهم ومحافظتهم.   

اغلب  الإداريين في  البصرة او في غيرها من محافظات الوطن ، كان يستغل وجوده  القيادي اليومي في المحافظة ، ليظهر نفسه بأعلى اشكال مظاهر ارستقراطية  هلّت عليهم بالمصادفة الانتخابية أو بالمال السياسي أو بالسلاح العشائري وبثغرات القانون الانتخابي المعقدة وبأشياء تزييف نتائجها.  يبدد أولئك الاداريون جهدهم ،كله،  بشقاوة الحمايات المسلّحة وافخم السيارات المصفحة وبتراكم المال في جيوبهم  وفي خزائنهم  البيتية وحساباتهم خارج البلاد ، كل على حسب مزاجه.

كل تجارب التاريخ البصراوي الأحدث ، منذ عام 2003،  تؤكد أن من  اضطرب عمله اللامركزي، الإداري،  على ظهر (مركبة  المحافظة) لا يمكن ضمان عدم اضطرابه على ( مركبة الإقليم)  مهما كانت رفعته الطبقية او الحزبية او الطائفية  ، خاصة إذا لم يدرك أنه مسؤول ، أيضاً،  عن   حجم الانحطاط الاجتماعي – الوطني في بلوغ مرتبة (خراب البصرة). صحيح ان خراب البصرة مستنكر  ، منذ مائة عام، لكن الاستنكار الأكبر موجود ، أيضاً، مهما جرت محاولات تلوينها   بملابس  جديدة ،  اكثر ملائمة، مع دعوات تأسيس (إقليم البصرة) ناسين، بتعمد او من دون تعمد،  ان المقارنة بين المناخ السياسي وظروف العمل الجماهيري في بداية القرن العشرين مختلف اختلافا كبيرا عنهما في بداية القرن الحادي و العشرين بالرغم من تشابه مصالح الطبقة الرأسمالية – الكومبرادورية في الزمنين،  مما يتطلب من الوطنيين العراقيين ان يميزوا الفارق الجوهري بين الفهم الاستعماري و فهم الحرية و الديمقراطية بمنطلقات الوطنية والوطنيين الحقيقيين .

الشكل التنظيمي المناسب

لستُ من خصوم الداعين الى انشاء (إقليم) بأية (محافظة) من محافظات العراق،  لكنني مثل كل الحريصين الواعين على وحدة وطنهم ممن  لا يَهبون صوتهم وقلمهم  لمواقف  التوافق العشوائي  و لا يسمحون  ان يكونوا ضحية لأية دعوة لم ينضج غناؤها، بعدُ.

 مسألة تشكيل (الأقاليم) او أي  شكلٍ من اشكال التنظيم الإداري الراقي إنما يجيء الى الواقع في اعقاب تطور الممارسة الإدارية، اللامركزية، ولا تجيء   كمأثرة طائفية او حزبية او ما شاكل ذلك من الرغائب المجردة .  لا بد من التذكير ،هنا،  ان (إقليم كردستان ) جاء تطوراً قومياً منقذاً لجماهير كردستان التي حاولت ان تخلص ذاتها بـ(الحكم الإداري الذاتي) أولاً عام 1970 ،  لكن ظروف الانتفاضة الشعبية عام 1991 والوضع الدولي وعزلة نظام صدام حسين و سقوطه جعلت الشعب الكردي قادراً على تأسيس (إقليم كردستان) كوسيلة للخلاص من اوجاعه ، التي ما زالت دفاترها مليئة بالندب الكثيرة، نتيجة الصراعات الكثيرة، القومية و الطبقية .

لعبة الابتكار اللفظي

في كثيرٍ من الحالات تكون (الابتكارات اللفظية) حجّة معدلة للبرهنة على صواب (خطاب معين).  هذا ما يلجأ إليه ، عادةً،  كثير من قادة أحزاب و تجمعات الإسلام السياسي..  يرددون على مسامع بعضهم البعض الآخر ليصنعوا منها ألفاظاً جديدة او ابتكاراتٍ وصفيةً جديدةً باستعارة بعض العبارات من التاريخ القديم وترديدها ، بدون معرفة او تفهم للخير او للحق ، خاصة وان بلادنا من أقصاها الى أقصاها تعيش في بؤس وخراب وعطالة،  مما أوجد لدى الكثير من الاحزاب والجماهير المتظاهرة في بغداد والبصرة و غيرهما،  موجةً حماسيةً غيريةً،  من اجل تحقيق تغيير عميق وحقيقي في حياة العراقيين ،كلهم،  للخلاص من العيش بلا خبز ، كما لو كنا نعيش في عصر لويس الرابع عشر.  

على نفس عادات  الإسلام السياسي الشرق أوسطي،  تسعى الحكومة العراقية المتكونة بمواهب ومهارات طائفية ، محاصصاتية، على دعوة (الداخل) ، الشعبي ،العراقي، الى تحمل مصاعب الحياة و الصبر على أوجاعها وانتظار شهوات (الخارج الرأسمالي)  بمبادرات الرأسمالية العالمية و الرأسمالية السعودية و التركية والإيرانية  والأمريكية و الاوربية وغيرها في استثمار خططها  الاقتصادية داخل العراق كأبطال منقذين للشعب العراقي ، في وقت يحاول فيه السيد كريم شواك وصباح البزوني و أصحابهما  تحويل (الابتكار اللفظي) الى (ابتكار تاريخي) من خلال دعاوى المطالبة بتحويل واقع البصرة تحويلاً إدارياً من (محافظة) الى (إقليم) أو التهديد المبطن بالتفكير الانفصالي  ،  شأنهما و شأن أصحابهما،  مثل شؤون دعاوى سابقة لا تختلف سوى بـ(شكل) الألفاظ الفاشلة،  من قبل القاضي وائل عبد اللطيف والنائب البرلماني محمد الطائي ،حيث لم تكن مدروسة لا اكاديمياً  ولا سياسياً ولا اجتماعياً ،  انما محاولة مجردة لتقليد تجربة إقليم كردستان ذات الطابع القومي،  بمعنىً من معاني تجاهل  الخلفية الاجتماعية للقومية الكردية ، التي كانت وراء انشاء (إقليم كردستان ). من الصعب،  حتى الآن ، تقييم النجاح الكامل في هذه التجربة في تحويل كردستان العراقية  وجعلها بلداً ديمقراطياً ، حديثاً و موحداً،  إذ ما زال (إقليم كردستان) يعاني و يواجه الكثير من المشاكل المثيرة للجدل و الصراع والخلاف،  إزاء طبيعة الحكم و الدولة الديمقراطية الفيدرالية،   خاصة بعد الاستفتاء الشعبي الكردي ( 25 سبتمبر 2017) ، الذي جوبه بمعارضة توقيته،  بالرفض و التريث،  داخلياً و عالمياً. كما ان التوتر الدائم في العلاقات الداخلية الكردستانية هو توتر مأساوي ،  هو ضحية من ضحايا التفكير المعقد،  في خضم السياسات الحزبية بين مختلف القوى الكردية ، القائمة على المحاصصة الحزبية و التوافقات التوريثية العشائرية.  كما لا يمكن اغفال تأثر (إقليم كردستان) بالصراع الأمريكي – الإيراني في الشرق الأوسط ، الذي لا يمكن ابعاده عن جنون  آلهة الحرب الواسعة بين الطرفين،  مما جعل و يجعل (إقليم كردستان) ديكاً معرضاً للضرب و الذبح او الجراح في اقل الاحتمالات .

العودة الى القضية

ان العودة الى التاريخ والآداب و السيرة،  بما يتعلق بقضية انفصال البصرة او استقلالها او اتحادها كولاية،  مع (ولاية العراق) ، كما في المذكرة الانفصالية لعام 1921 ، تفيدنا في معرفة مَنْ جاءَ بهذا القول. فالمعروف ، تاريخياً،  ان المذكرة الانفصالية – الاستقلالية ، المقدمة الى السير برسي كوكس ، ليست بأي حالٍ من الأحوال  من عطاء او فنون تدوين التاريخ النهضوي العراقي الخاص،  بل كانت صنفاً خاصاً من أصناف تلاعب الاستعماريين و اذنابهم المحليين بمصالح اهل البصرة والعراقيين عموماً،  إذ كان المسرح السياسي 1920 – 1921 معمقاً بالأفكار الدائرة لتطويق الشخصية الوطنية و فرض الشروط  الاستعمارية على وظيفة الشخصية السياسية العراقية.  

الكومبرادور بنو خربان

كان الكومبرادور (التجار المنتفعين من الاحتلال البريطاني) يريد الانتفاع ، إلى اقصى حد،  من المجالات الهامة، المقصود فيها غرس فكرة حكومة الشخصية السياسية العراقية  الدنيا،  منفذة للمصالح البريطانية العليا.  اما اليوم فقد توسعت الطبقة الكومبرادورية آلاف المرات ، بحجة توسيع عبادة الله،  حين أصبحت أحزاب الإسلام السياسي ، طبقة رأسمالية قوية،  ممثلةً بكثيرٍ من أعضاء مجالس المحافظات وبقيادات مؤسسات الدولة كافة،  وبالسلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية . هذه الطبقة الواسعة ، عددياً ومالياً ،  تملك مائة جناح قادرة على اختراق القوانين وجميع خطوطها الحمراء لتحقيق النفوذ السياسي – الاجتماعي – الديني ، غير المشروع،  على حساب بؤس الجماهير الكادحة.  صارت هذه الطبقة قادرة على اكتشاف النوافذ التي تتدخل عبرها  بكل شؤون الدولة و المجتمع وبشؤون ادارتهما ، مدّعين،  بخيالٍ أيديولوجيٍ ميكافيليٍ،   أنهم يقومون بمهماتهم على ارض العراق بإلهامٍ من سماء الله وملائكته.

خراب البصرة

إذا كان لا بد من وجود مخيلة إسلامية – سياسية فأنها، من دون شك،  ليست مخيلة ديمقراطية وانها ليست، كما قال الكاتب المسرحي الفرنسي  جان كوكتو بأن جميع  المتخيلين  هم من صنف العباقرة.   كثير من هؤلاء المتدينين  يتخيلون ان  التحوّل الإداري من (محافظة) الى (إقليم)  هي كالانتقال من حفظ  الشعر الى قراءة  القرآن .. لا يعرفون انه لا يوجد فرق إذا كان الحكام ، في الحالين،  هم بنو خربان ..!.  إنه خيال عبثي كشف خلال 15 سنة ماضية ،حقيقة الخراب المالي – الاجتماعي – الاقتصادي ، في جميع البنى التحتية لمدينة معتبرة بعدادِ اغنى مدن العالم  . هذا الخيال لا يهيّجهُ  غير الخداع السياسي ، خداع سياسة  لمّاعة  أجاد بعضهم فروسيتها العجيبة الغريبة .

ان الخيال المكثف للحياة الديمقراطية هو موهبة كبرى من مواهب الديمقراطيين الحقيقيين لا يملكها ملائكة الإسلام السياسي ،ليس في البصرة او العراق،  فحسب،  بل بجميع البلدان الإسلامية ، العربية و الأجنبية . ان التخيل بوجود (إقليم البصرة) بديلاً  عن وجود (محافظة البصرة)   كأسلوبٍ للإصلاح بعد فشلهم في حكم مدينة البصرة ، بعد خرابها،  ما زال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأحزاب الإسلام السياسي، الرامي الى استعمال القفزة الى  (الإقليم)  بطريقة تحقق المنفعة الطبقية للرأسمالية الإسلامية الجديدة،  المرتبطة بالهيمنة على إمكانيات المجتمع البصراوي وثرواته غير المحدودة.  

الغرور السياسي

من الملاحظ  ان الكثير من قادة الإسلام السياسي ارتفعوا ،خلال 15 سنة ماضية،  الى اعلى مرتبة من مراتب الغرور السياسي و المالي الى حد التصرف  اليومي بموجة (نحنُ فوقية)  لا مثيل لها في التاريخ السياسي الإسلامي ، فارضين  احترام الناس لهم ، خوفاً من ميليشياتهم المسلحة.  ما زال كل واحد منهم يريد ان يحقق لنفسه و لأولاده وبناته وجميع اقربائه واحفاده من بعده،  تفوقاً،   شخصياً وسلطوياً،  عن طريق التفوق العائلي – العشائري – الحزبي  بالمال و السلاح والتنظيم .  يريد كل واحد منهم ان يتفوق بحمل لقب (الرئيس ) بعد ان تفوّق بلقب (مدير)   او (محافظ) ..  يريد ان يحمل لقب (رئيس وزراء إقليم) مفضلاً ذلك على لقب (رئيس مجلس المحافظة)..  يريد تفوق لقب (الوزير) على لقب (عضو مجلس المحافظة)..!

لا اريد القول:  ان كل واحد من دعاة (الإقليم) هو (مغرض ) ، لكن بالإمكان القول:  ان سماء الدعاة الحاليين بالوقت الحاضر ، بالتحديد، ممزوجة بغيوم سوداء وبيضاء، مختلطة بألغاز الدواخل الميكافيلية وافكارها، حين تكون دعاوى تأسيس (الإقليم)  قائمة بدوافع و تحيزات  طبقية – طائفية.  كل تحيز من هذا النوع  ، في أية قضية،  لا يعبر عن المصلحة العامة  أو عن الحياة المدنية الديمقراطية.

دعاوى ميكافيلية

أي نوعٍ من البلدان سيغدو العراق إذا تمّ السماح للداينميكية الفيدرالية ان تأخذ طريقها الى صعود المحافظات العراقية ، كافة،  حسب النصوص والصيغ القانونية  المتاحة بدستورٍ،  يجمع العراقيون على انه بحاجة الى تعديل أساسي وايراد عناوين تحليلية ديمقراطية حقيقية واقعية،  عن الحجج الفيدرالية وعن ثقافة الفيدرالية الديمقراطية،  التي بها يمكن الوصول الى السلوك الفيدرالي (العاقل) والى حد الوصول الى الشكل (المتطور)  لاستخدام مسطرة واصطفاف نظام (الإقليم) تحت ظروف (النعمة) وليس تحت ظروف (النقمة) ،  كي يكون كل (إقليم عراقي) متحركاً نحو المستقبل،  ليس بدعاوى ميكافيلية،  بل تحت الانبساط الديمقراطي وفوق بساطه.  

نعم انني اقدم السؤال:  أي نوع من البلدان سيغدو العراق اذا ما أصبحت سوق الأقاليم مزدحمة بالدعاة وكثرة ضوضائهم وطيورهم واغنامهم ودجاجهم لإحداث اضغاث أحلام طبقية – طائفية – ميكافيلية ، حين تتمثل   كل عملية تحويلية من ( محافظة)   الى (إقليم) تحولاً مزاجياً،  من دون تشخيص مخاطر التواءاته وتثنياته..؟  أي بلد سيغدو العراق حين تنبثق موجات ،عارمة، متسرعة،  من المطالبات بحجج دستورية،  لتنفيذ عملية التحوّل الى (أقاليم) ،  كما هو الحال في البصرة و الناصرية والانبار وكركوك والموصل وغيرها .. حتى هنالك مطالبة بإنشاء (دولة النجف الشيعية)  على غرار دولة (الفاتيكان المسيحية )..؟  حينئذ يصبح العراق اول دولة متصورة في العالم فيها 20 دستور و 20 رئيس دولة و20 رئيس وزراء و20 برلمان و20 علم مرفوعاً، الى جانب العلم العراقي و بحجمه،   وسيكون هناك آلاف من وكلاء الوزارات والمستشارين وعشرات الآلاف  من السيارات المصفحة و ملايين من الحمايات المسلحة ،  في وقتٍ  يمكن النظر فيه الى قوة تطور النظام السويسري بالاتجاه نحو (تصغير حجم الدولة)  تحت علم واحد ودستور واحد ورئيس واحد وبرلمان واحد ، مع ضمان واقعية كل مواطن سويسري في التعبير الحر عن حقوق نفسه وحقوق  جاره كأنه عضو برلماني حقيقي في اجتماعات (لجان المحلة) ،  التي يعيش فيها من دون ان يرى وجهاً مسلحاً واحداً، متجهماً و مخيفا،  يحمل كمّاشة خشنة تقرض رقبته ، ساعة الخلاف و الاختلاف ،  كما هو الحال في العراق الديمقراطي للكَشر..!

توارث الالقاب

كذلك يمكن رؤية اسباب القوة الإدارية في النظام الألماني بعد تطوره  التدريجي ، المبني على تقليص المناصب والالقاب ، الى حد ان مصطلح (المستشار) هو المتاح على الرئاسة الألمانية بدون( فخامة)  و(سعادة) و(دولت) وما الى ذلك من مصنفات  قاموسية، ارستقراطية ، توارثت  في بلادنا من الزمان العثماني الاحتلالي  . كما قامت قوة النظام الليبرالي الهولندي على اللامركزية،  الإدارية، الانضباطية، النزيهة،  في مؤسسات الدولة الرأسمالية و في  الحياة الاجتماعية الطبقية ، عموماً،  مثل جميع الأنظمة الرأسمالية المتقدمة في أوربا، القائمة على التربية الديمقراطية و التعليم الوسيع للعزيمة الفردية،  وعلى الأمانة  الجماعية،  الدقيقة الصادقة،  استناداً الى المبادئ العامة للمسؤولية الوطنية،  الملقاة على عاتق (الموظف العام) الواعي وعياً مدنياً متميزاً بالشخصية الحداثية القادرة على فصل المسألة الشخصية عن المسائل العمومية لتصبح القوة العقلية الفردية قوة وطنية محضة،  قوة وثيقة الصلة بالوطن غير قابلة للانفصال عنه .

الديمقراطية الإدارية هي الحل

ان الشكل المثالي للديمقراطية العراقية ،  في المرحلة الحالية،  هي تطوير (ديمقراطية متعثرة)    الى (ديمقراطية ممكنة) و( متمكنة) ، وصولاً الى فيدرالية الأقاليم العراقية الديمقراطية،  المتميزة بتحقيق نضارة حقوق الانسان ومساواة المرأة بالرجل،  مساواة سامية جليلة،  تؤمّن مساهمة المرأة العراقية،  في تفادي أي شكل من اشكال إذلالها،  متوحدة بمجد صنع القرار السياسي،  السيادي.  هذا لن يتم إلا باعتماد أساليب ضمان حرية ومستقبل المواطنين و المواطنات العراقيين،  في اسفل القاعدة الجماهيرية وأعلاها. ومواصلة   حوار واسع و دائم ،  لصنع التاريخ الإداري الديمقراطي ، المتجدد والموحد، بمعنى الضرورة  في عدم تخطي المواقف عند الانطلاق نحو تجديدها،  بل ان نقطة الانطلاق الأساسية المشروعة تتضمنها،  أولا (الحداثة الإدارية)    وليس (البيروقراطية السياسية) المتفشية ، الآن بكل إدارات الدولة العراقية ،   معيقة  التحول الاجتماعي ، الأساسي والحقيقي.

ان الجهد الوطني الجماعي هو الطريق المنفتح و المفتوح امام التطور التاريخي الإداري ، بكل بلد ديمقراطي في العالم،  بما فيها بلادنا ، حيث تجارب الشعوب الأخرى ومقاعد فلاسفتها وسياسييها ومثقفيها معتمدة و مستندة على  استقامة مسير  قطار تطوير  المجتمع وادارته .   لا غنى لنا نحن العراقيين عن الفوز بنفس القطار  وركوبه ، من دون ركوب قطار مغشوش ، يقودنا الى أفكار فوضى واضطراب تعيق  تمتعنا  بغبطة الحرية و الديمقراطية.  

غبطة الحرية

غبطة الحرية و الديمقراطية لا يمكن تحقيقها الا بتطبيق فكرة تحليل الدولة الى اصغر كيان تنظيمي و ليس الى اعقد كيان إداري . فكرة التحليل هذه اطلقها أبو الديمقراطية جان جاك روسو ، كما انجز كارل ماركس تصوراته العديدة،  المتكاملة عن تنظيم الدولة ولامركزيتها.  ربما النظام  الستاليني  المركزي الشديد،  كان سبباً رئيسياً  من أسباب انهيار دولة الاتحاد السوفييتي العظمى ودول المعسكر الاشتراكي في شرق اوربا وجميعها كانت مؤمنة بنظام الأقاليم في التشكيلات الإدارية .

أخيرا أتمنى من السيد كريم شواك  واصحابه في مدينة البصرة المنكوبة ان يتجهوا نحو غرس فكرة الحب العام للوطن العراقي ، كله ، باعتماد سياسة تحطيم حب الذات والنرجسية الناهضة في بعض قادة السياسة في  مدينة البصرة مع نهوض المطالبة بتأسيس (إقليم طائفي)  من قبل الكثير من (قادة أحزاب الإسلام السياسي)  وهي دعوات مضادة لصواب  تكوين (الذات الحديثة) وهي (الذات الوطنية الديمقراطية) ،  غير المجزأة ، القائمة على فهم علمي غير مجزأ.  هذا الفهم يتطلب أولا معرفة الفوارق بين السيرة الذاتية للسيد المسيح و السيرة الذاتية للسيد يوسف سلمان يوسف والسيرة الذاتية للسيد محمد باقر الصدر  و السيرة الذاتية للسيد مصطفى البارزاني والسيرة الذاتية للسيد عمار الحكيم وغيرهم ، كي يتعرف قادة السياسة بالبصرة   ان ليس هناك (إله)  للدولة،  بل هناك معرفة ذاتية وعمومية موجهة الى كائن اداري اسمه الدولة،  يشارك فيها كل مواطن عراقي.  مثل هذه المعرفة الذاتية توجه المواطنين بالقدرة العامة المشتركة لمعرفة نتائج كل خطوة،  سياسية او إدارية ، في التجارب الإنسانية وبناء دولتها . من دون هذه المعرفة التشاركية لا يعني غير التفرغ لسماع ما قاله  المغني التونسي لطفي بوشناق في وصيته الغنائية:  خذوا المناصب و المكاسب لكن خلوا لي وطن..!

ـــــــــــــــــــــــــــــ 

بصرة لاهاي في 5 – 4 – 2019     

عرض مقالات: