يبدو أن الفاشيين واليمينيين المتطرفين والمستبدين العنصريين على اختلاف مشاربهم الفكرية وهوياتهم الثقافية لا يطيقون فكرة التغيير، ويتطايرون من أي نجاح متواضع لقوى اليسار والتقدم، حتى وأن جاء في سياق عمليات ديمقراطية، ليس في بلدان الجنوب، بل في أحد بلدان أوربا، القارة التي شهدت مولد الديمقراطية في العالم المعاصر، فيسارعون لإحياء موروث الإبادة والجريمة والكراهية المكشوفة ضد اليسار، الذي مارسوه في عقود سابقة.
وفي الآونة كتب قرابة 400 ضابط أسباني متقاعد إلى الملك فيليب السادس عدة رسائل. طالبوا فيها باتخاذ إجراءات. وحذروا من “الحكومة الائتلافية الإشتراكية الشيوعية” التي يدعمها أصدقاء منظمة الباسك السرية إيتا و “المستقلون” الآخرون، والتي “تقوض الوحدة الوطنية لإسبانيا”. ومن بين الموقعين أيضا أعضاء في جهاز المخابرات الإسبانية سي أن آي، الذين شاركوا في الحرب ضد حركة إيتا في إقليم الباسك سنوات 1983 – 1987.
الرسالة التي أصبحت معروفة أخيرا، اكتسبت أهمية، لأنها أتت بعد رسالتين مماثلتين نشرتا في وقت سابق. وتتضمن هذه الرسائل دعوات إلى الانقلاب، حيث حث الجنرالات والضباط السابقون الملك، أي القائد العام للقوات المسلحة الإسبانية، على “العمل” ضد الحكومة المنتخبة، مع تأكيد ولائهم للملك في حالة حدوث انقلاب.
وبعد الكشف عن مجموعة دردشة في الواتساب، بواسطة مؤسسة إعلامية ليبرالية، أصبح واضحا كيف يتخيل 70 جنرالا متقاعدا بشكل ملموس “الإجراء”، الذي لا يعني سوى الإبادة الجماعية: “ليس لدينا خيار سوى البدء في إطلاق النار على 26 مليون من أبناء العاهرات”، وكتب آخر: “لا أريد أن يخسر هؤلاء الأوغاد الانتخابات. أريدهم جميعًا ومن حولهم موتى”. ومن متابعة الدردشة يتضح أن المقصود هم ناخبو أحزاب التحالف الحاكم بين الحزب الاشتراكي الإسباني، وكتلة اليسار المكونة من حزب بودوموس، واليسار الإسباني المتحد، الذي يمثل الحزب الشيوعي الإسباني قوته الأساسية، بالإضافة الى الحركة النسوية، وحركة المطالبة باستقلال كتالونيا والباسك.
في غضون ذلك، بدأ مكتب المدعي العام الإسباني تحقيقًا حول الحدث، ولم تعلق العائلة المالكة بعد. وانتقدت وزيرة الدفاع من الحزب الاشتراكي مارغريتا روبلز الرسائل وأصحابها بشدة، لكنها ذكرت بأن الجيش الإسباني لا يعاني من مشاكل هيكلية. إلا أن رئيسة حزب الشعب اليميني المحافظ، الذي أسسه ورثة فرانكو، في منطقة مدريد، إيزابيل أيوسو، أبدت “تفهمًا” لأصحاب الرسائل: “هناك الكثير من الإسبان قلقون بشأن الانحراف السياسي”. وبالمقابل أعلنت النائبة في البرلمان عن حزب فوكس الفاشي: “بالطبع هؤلاء هم ناسنا”. وأشارت مواقع إعلامية الى مشاركة زعيم حزب فوكس سانتياغو أباسكال في دردشة الجنرالات المتقاعدين.
ولوحظ في الأشهر القليلة الماضية أن خطاب حزب الفاشيين الجدد يتم تبنيه من قبل أوساط متسعة داخل الجيش. وخصوصا العزف على التهديد المزعوم “للوحدة الوطنية” في إسبانيا و “الخطر” الذي تشكله “الهجرة الجماعية” المفترضة التي تريد الحكومة بواسطتها “تدمير إسبانيا”. وأصبح الخطر الذي يشكله اليمين المتطرف أكثر وضوحا، خاصة منذ تحالف الحزب الاشتراكي مع كتلة اليسار. ووصلت وقاحة اليمين المتطرف حد المطاردات الشخصية، وخصوصا لنائب رئيس الوزراء الإسباني، وزعيم حزب بودوموس اليساري بابلو إغليسياس وزوجته وزيرة العمل والمساواة إيرين مونتيرو، حيث يتعرض باستمرار لمضايقات مجموعات اليمين المتطرف. وفي الصيف الفائت، اضطر الزوجان إلى قطع إجازتهما في أستورياس، حيث أرادا قضاء بضعة أيام في مسكن صيفي يمتلكه السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسباني إنريكي سانتياغو.

عرض مقالات: