بدأت في تركيا، ليلة الجمعة الماضية، إحدى أكبر حملات الاعتقالات الجديدة ضد المعارضين. وأصدر مكتب المدعي العام في أنقرة مذكرات اعتقال بحق 82 معارضا. وفقًا لوكالة الأنباء الكردية (أ ن ف)،كانت لكوادر وأعضاءحزب الشعوب الديمقراطي اليساري حصة الأسد فيها. وكان بين المعتقلين عمدة مدينة كارس، أيهان بيلغن، والنائب السابق سيري سوريياأوندروعددمنأعضاء قيادة الحزب. وصدر امر بمنع حضور المحامين لمدة 24 ساعة، وأمر بسرية الاعتقالات لمدة 4 أيام. ولهذا لا يزال عدد المعتقلين غير معروف.
وشملت حزمة التهم الموجهة للمعتقلين، التعبير عن مواقف معارضة للنظام في شبكات التواصل الاجتماعي، و“إهانة الرئيس” و“محاولة الانقلاب”. وكانت تهمة التحريض على العنف هي الأبرز فيما يخص قادة وكوادر حزب الشعوب الديمقراطي، بما في ذلك تضامن الحزب في تشرين الأول 2014 مع مدينة كوباني، التي حاصرها إرهابيو داعش آنذاك. وشهد عدد من المدن حينها احتجاجات حاشدة ضد دعم الحكومة التركية للإرهابيين، قُتل خلالها قرابة 50 مواطنا في معارك شوارع مع قوى الأمن المسلحة ومسلحي حزب (الدعوة الحرة) الإسلامي المتطرف. وفي الوقت نفسه، تعززت الشكوك بقيام الجيش التركي بتعذيب مزارعين كرد، وإلقائهما من مروحية عسكرية في 13 ايلول. وكانا قد اختطفا اثناء العمل قبل أسبوعين، ونقلا لاحقًا إلى المستشفى لتعرضهما لإصابات خطيرة للغاية جراء السقوط من مكان مرتفع. وزعم حاكم المنطقة أن المزارعين أصيبا بجروح أثناء فرارهم، في حين قال شهود عيان إنهما ادخلا عنوة الى مروحية عسكرية. ومعروف ان القاء المعارضين الكرد من المروحيات العسكرية ممارسة تعذيب شائعة ضدهم منذ التسعينيات.

ذهنية عنصرية وحروب توسعية

تعددت الصراعات الدولية التي تورطت فيها تركيا، نتيجة انتهاجها سياسة عسكرة عدوانية، بعد ان كانت حتى سنوات الربيع العربي تنتهج سياسة “عدم خلق المشاكل مع الجيران”. ومنذ عام 2011 وجدت حكومة اردوغان في نتائج الربيع العربي فرصة يمكن ان تحولها الى قوة إقليمة مهيمنة.
منذ توليه منصبه في عام 2003، لم يخفِ الرئيس التركي رغبته في احياء سلطة الإمبراطورية العثمانية، التي كان زوالها أحد نتائج الحرب العالمية الأولى. ويقول معارضوه أن اردوغان يهدف الى استعادة شيء من “المجد القومي” بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في عام 2023.
الى جانب تعدد اشكال التدخل التركي في العراق، جاء التدخل التركي في سوريا بعد انطلاق الصراع داخلها على أثر احتجاجات 2011، ليسلط الضوء أكثر على استراتيجية التوسع التركي. في البداية اقتصر دور أنقرة على الدعم النشط لميليشيات مثل “الجيش السوري الحر” المعارض ولاحقا داعش الإرهابية. حتى ان المخابرات الاتحادية الألمانية كتبت في ورقة لها صدرت عام 2016، لقد تحولت تركيا الى “منصة مركزية للعمل الجماعات الإسلامية”.
وفي عام 2016، وكجزء من عملية “درع الفرات”، غزت سوريا واحتلت أجزاء من البلاد، لمحاصرة قوى سوريا الديمقراطية، التي يلعب فيها الكرد دورا محوريا. وتسيطر أنقرة الآن على أجزاء كبيرة من الشمال السوري، وأنشأت سلطات تركية هناك، والليرة التركية في طريقها لتصبح العملة المحلية الرئيسية.
من جانب آخر دفع اردوغان بمليشيا الجيش السوري الحر الى ليبيا، بعد ان أصبحت عديمة الفائدة في صراع مراكز القوى في سوريا. وفِي ليبيا يدعم اردوغان حكومة الوفاق الإخوانية بزعامة السراج.
من ناحية أخرى، تسعى أنقرة إلى التحول الى أحد مراكز انتاج الطاقة، ووجود مؤثر لها في ليبيا، ثالث بلد مصدر للطاقة في افريقيا، يخدم هذه الاستراتيجية. في تشرين الثاني2019، وقعت أنقرة اتفاقاً بشأن الحدود البحرية المشتركة مع حكومة الوفاق الليبية، وبموجبه اتسعت مناطق نفوذها الاقتصادي لتضم أيضا عدة جزر يونانية. ومعروف التصاعد المستمر للصراع التركي مع اليونان وقبرص بشأن عمليات البحث عن الغاز وإنتاجه في شرق البحر المتوسط. وتخوض تركيا الآن صراعا متعددا في جنوب غرب اسيا وافريقيا، وتعمل السعودية والإمارات على توظيف قدراتهما المالية وعلاقاتهما مع الولايات المتحدة للحد من الاندفاع التركي. في 12 أيلول الحالي صرح وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بان الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء التحركات التركية في شرقي المتوسط. يبدو ان ما يسمى بالعثمانية الجديدة تسير في طريق مسدود.

عرض مقالات: