تعاون أحزاب اليمين "الديمقراطي" مع النازيين الجدد في ولاية تورنغن الألمانية رغم فشله وتداعياته عميقة الأثر على هذه الأحزاب أعاد الى الواجهة سرعة دخول هذه الأحزاب تاريخ معاداة الشيوعية. وليس الامر بغريب لو تتبعنا مسار معاداة الشيوعية في التاريخ الألماني الحديث. 

الحديث عن تأسيس احزاب قومية ودينية لمواجهة صعود الحركة الشيوعية في العقود الماضية معروف في العديد من البلدان ومنها العراق. ومعروف أيضا ان حزب العمال الاشتراكي القومي الألماني (الحزب النازي)، تأسس قبل قرابة مائة عام كمشروع مضاد لمواجهة الأممية الشيوعية. وقد أدت تجربة جمهورية المجالس في ميونخ 1918، والخوف من النجاح المتصاعد للبلاشفة بعد انتصار ثورة أكتوبر 1917، الى سرعة تبلور المشروع النازي. وكانت معاداة السامية في بداية المشروع النازي ثانوية، ولكنها تحولت لاحقا الى ورقة رابحة، سوقت عنصرية النازيين على انها مناهضة للرأسمالية، دون ان تكون شيوعية. كذبة ان اليهود وقفوا وراء صعود الشيوعية والرأسمالية، وبدونهم كانت الحياة تكون أفضل، كانت كافية، في بلد الفلسفة والفكر والشعراء، لتعبئة الجماهير والاستيلاء على السلطة. كانت الحملة الوحشية المعادية للشيوعية والسامية التي تلت الصعود النازي، في جانب منها ثأرًا لهزيمة المانيا القيصر في الحرب العالمية الأولى، بالإضافة الى ان المراكز الرأسمالية في بريطانيا المتعبة، والولايات المتحدة أدركت ان الشيوعية عدوها المشترك، وبالتالي غضت الطرف عن صعود عدو لعدوها الأساسي. وحتى بعد اندلاع حرب الإبادة النازية، كان تريث البلدين محسوبا الى ان تحول الاتحاد السوفيتي الى منافس خطر وقوي في السوق العالمية. لقد تحمل الاتحاد السوفيتي القصد الأكبر في هزيمة الفاشية، وكان السبب الرئيس في انهيارها، بعد ان غزت الأخيرة الأراضي السوفيتية. ان الحرب المشتركة القصيرة ضد النازية والانتصار عليها، حولت الاتحاد السوفيتي، ولو الى حين، الى قوة مؤثرة امتدت مناطق نفوذها الى وسط أوربا.

لذلك اتخذت البلدان الرسمالية قرارا بعدم تحطيم المانيا بالكامل، بل دعم غربها بخطة مارشال، وعمليات "اجتثاث النازية"، لمواجهة الاتحاد السوفيتي الذي سيطر على برلين. ولهذا بنيت الدولة الألمانية الجديدة في الغرب على أساس دستور موروث من جمهورية فايمر، يتضمن فقرات قومية اشتراكية، واقتصاد السوق الليبرالي، وأحزاب يمينية استوعبت الكثير من كوادر الحزب النازي المنهار، مع الاستفادة من اقتصاد السوق الليبرالي الأنكلو –امريكي. المهم هو الاستمرار في مواجهة العدو المشترك. وبعد ان أصبحت معاداة السامية غير منظورة، لاختفاء الوجود اليهودي المؤثر في الصراع الداخلي الألماني، تم التركيز على قوى اليسار المشبع بمناهضة الأمركة. وهكذا نشأت الديمقراطية الالمانية الغربية على معاداة جديدة للشيوعية مولودة من رحم المعادة السابقة، التحول من معاداة الشيوعية على الطريقة الفاشية الى وليدتها معاداة الشيوعية الليبرالية الجديدة. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أصبحت المهمة ليست مواجهة الخطر الشيوعي، بل العمل على تركيز كذبة كبرى جديدة مفادها ان "الرأسمالية نهاية التاريخ"، وبالتالي تحولت معاداة الشيوعية هذه المرة ضد كل ما هو تقدمي، وضد دكتاتورية اليسار المتخيلة.

وفي مناسبات بدت فيها سياسة الحكومة الألمانية "ليبرالية يسارية"، جرى توجيه غضب معاداة الشيوعية ضد سياسة الحكومة. وفي الوقت نفسه عاش الالمان الشرقيون، ماذا تعني الرأسمالية، بدأوا ينطوون على الذات مبتعدين عن العالم. وعلى هذه الأرضية نشأ حزب "البديل من اجل المانيا" النازي الجديد، كانشقاق من اليمين التقليدي بشقيه الليبرالي والمحافظ، محتويا النمط الفاشي لمعاداة الشيوعية، باعتباره بديلا رأسماليا قوميا، مقابل الرأسمالية الدولية، مستعدا دوما لإكمال ما بدأه حزب "العمال الاشتراكي القومي"، أي النازيون القدامى.

بعد تفكك المنظومة الاشتراكية، أصبح الكثير من المعادين للشيوعية عاطلين عن العمل، في عالم تتصاعد فيه تناقضات الرأسمالية. ولسان حال هؤلاء يقول انه يمكن فقط استعادة المانيا التي نشأت على أنقاض فشل معاداة الشيوعية وفق النموذج النازي، عندما يجري التصالح مع قسم من النازيين الجدد في سياق عمليات استغلال العمل المفتوحة. ولكن كيف؟ يريد الألماني منذ القدم ان يكون سباقا لأقرانه، في امتلاك الأرض والهدوء، أي ما عبر عنه الشعار النازي المعروف "الدم والأرض". وإذا ما تعرض ذلك الى الأضرار او التشويش، عندها يجري الترحيب بمن يقوم بترتيب الاوضاع. وإذا ما مارس الوحشية، فهذا أمر مؤسف، ولكن ليس سيئا لهذا الحد، بعدها يمكن الادعاء بعدم معرفة ما حدث على غرار التبرير الذي شاع في المانيا بعد سقوط النازية.  

عرض مقالات: