نفذت تركيا اخيرا أكبر مناورة بحرية في تاريخها، أطلقت عليها تسمية "ذئب البحر" وشاركت فيها قرابة 130 سفينة. ووفقًا لوزير الدفاع هولوسي أكار، فان المناورة تهدف الى حماية حقوق تركيا في بحر إيجه وشرقي البحر المتوسط وفي جزيرة قبرص. وتريد تركيا الحصول على اكبر حصة ممكنة في حقول الغاز الضخمة، التي تم اكتشافها في عام 2011 في شرقي البحر الابيض المتوسط . وهي تدعي حقوقا في كامل المنطقة البحرية المحيطة بجزيرة قبرص، وخصوصا ما يسمى "الجمهورية التركية في شمال قبرص"، وهو كيان اقامته تركيا بعد احتلالها شمال الجزيرة في عام 1974. ولا يتمتع هذا الكيان عالميا سوى باعتراف الحكومة التركية.
ومنذ بداية شهر ايار الحالي تقوم سفينة "الفاتح" التركية باعمال استكشاف على بعد حوالي 60 كم الى الغرب من قبرص، وداخل المياه الاقليمية القبرصية. وقد أدان الاتحاد الأوروبي التحرك التركي ضد قبرص الدولة العضو في الاتحاد. وعلى الرغم من ذلك لم يتم تنفيذ مذكرة اعتقال صادرة من الحكومة القبرصية بحق سفينة احتلال عسكرية ترافق "الفاتح" في رحلتها الاستكشافية.
وبالتوازي مع الحدث ابرمت قبرص اتفاقا عسكريا مع فرنسا، يتيح للاخيرة استخدام مطار بافوس وقاعدة بحرية بالقرب من العاصمة القبرصية لارنكا. وحسب ما نشرته جريدة "الشرق الاوسط" الصادرة في لندن، التزمت فرنسا، بموجب الاتفاق، بمنع تركيا من القيام بالاستكشاف في محيط الجزيرة. وتسعى باريس لتحقيق مصالحها في الحصول على الطاقة. وفي هذا السياق وسع فريق فرنسي – ايطالي مشترك، يضم شركتي توتال الفرنسية، وإيني الايطالية للطاقة وجوده قبالة السواحل القبرصية.
وفي هذه الاثناء تسعى تركيا الى ايصال حكومة قومية اكثر تشددا في شمال قبرص. ورسميا انفرط عقد التحالف الحاكم المكون من اربعة احزاب بقيادة الحزب الديموقراطي الاجتماعي، بسبب تهم بالمحسوبية واقتصاد القرابة. لكن السبب الحقيقي لتفكك التحالف الحاكم في المستعمرة التركية يعود الى رفض تركيا ضمان تمويل الحكومة المحلية حتى عام 2021. ويرى ميتا هاتاي من مركز قبرص التابع لمعهد أوسلو لبحوث السلام، انه "ان تركيا تتصرف تجاه القبارصة الأتراك كما لو انها صندوق النقد الدولي. حيث تطالبهم بإصلاحات هيكلية مثل تنفيذ خصخصة واسعة النطاق، وهذا ما يثير مخاوف غالبية الأحزاب".
وقد كلف رئيس "جمهورية شمال قبرص" الليبرالي مصطفى أكينشي، غير المرغوب به في انقرة، زعيم حزب "الوحدة الوطنية" اليميني، إرسين تتار، بتشكيل حكومة جديدة. ومعروف ان الحزب المذكور وثيق الصلة بحزب العدالة والتنمية الاسلامي، حزب الرئيس أردوغان. والشريك المستقبلي المفضل لدى حزب "الوحدة الوطنية" هو حزب الشعب المحافظ الذي دعا إلى الخصخصة. وعبرت الصحف التركية الموالية لاردوغان عن سرورها بهذا التكليف مشددة على ان حكومة قومية ثابتة المواقف هي وحدها التي تستطيع الدفاع عن المصالح التركية ومصالح القبارصة الاتراك في قطاع الطاقة، ومواجهة حكومة قبرص. وقد افتتح اكتشاف اغنى حقول الغاز في شرقي الأبيض المتوسط آفاقا جديدة أمام الدول المتشاطئة التي تدعي عائدية هذه الموارد، وقاد الى تعقيدات إقليمية جديدة خطرة في منطقة تعاني اصلا من صراعات اقليمية شديدة التعقيد، كالصراع في الشرق الأوسط، واحتلال تركيا لشمال قبرص. فالدول المدعية بغاز الجرف القاري، وبنفطه في ما بعد، أي إسرائيل وقبرص واليونان وتركيا ولبنان ومصر، يمكن ان تثير نزاعا فيما بينها. ومن هنا يأتي التصعيد السياسي والعسكري التركي غير محمود العواقب. وقد باشرت إسرائيل وقبرص التنقيب في الآونة الأخيرة. وان سرعة العمل تمليها ليس فقط الاحتياجات الداخلية الى خامات الوقود، بل وكذلك مستقبل تصدير الغاز الى أوروبا. وقد أعربت بيروت وأنقرة التي تحتل شمال قبرص مرارا عن الاستياء من "الانتهاكات"، وعن اعتقادهما أنه ليس من حق تل أبيب ونيقوسيا الهيمنة لوحدهما على حقول الغاز في الجرف القاري، لأن جزءا منها يوجد في المياه الإقليمية لدول أخرى. وبات حزب الله يتوعد إسرائيل باستخدام القوة في حال بدأت باستخراج الغاز من دون حل وسط مع الجانب اللبناني. ودخلت مصر طرفا في الجدال مؤخرا. فاقترحت على الأمم المتحدة تشكيل فريق دولي لترسيم حدود الحقول البحرية وملكيتها.
وافادت تقارير عن معلومات تشير الى التوصل الى تفاهمات بين مصر واسرائيل بدعم سعودي في اطار المجموعة الأولى التي تضم كذلك قبرص واليونان، بشأن الاستخراج والتسويق المشترك للغاز. وفي المقابل تتألف المجموعة الثانية من سوريا ولبنان وتركيا وفلسطين. ووفق تقديرات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية والشركات العاملة في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، فإن المنطقة تقوم فوق بحيرة من الغاز تكفي لسد حاجة الأسواق الأوروبية لمدة ثلاثين عاما، والعالم لمدة عام واحد على الأقل.

عرض مقالات: