في مهرجان بغداد الدولي للمسرح بدورته الخامسة ، ختم حفل الافتتاح باوبريت استعراضي اعد حرفيا بتصميم وإخراج الفنان ضياء الدين سامي، بشكل ومضمون مختلف عما قدمه في العام الماضي في أفتتاح مهرجان الهيئة العربية للمسرح بعنوان "مقامات الحب والسلام" . وحسنا جاء، بتسمية مهمة   تمثلت بعنوان  "دجلة والفرات" الرمزان العظيمان في حياة البلاد منذ القدم، ثنائية الحب والجمال والعطاء.. وما تعرضت دجلة للعديد من الانتهاكات التي أحمر ماءها بفعل سكاكين الهمج والدجل والخراب، في هذا  العرض المبهر، كان عيد ميلاد دجلة وهي تحتفل بصفاءها وعذوبتها وزرقة مياهها، عرض  تناول الظرف الذي مرت فيه البلاد من مخاطر وتحديات بدات بقصيدة الشاعر كريم العراقي، التي بالامكان اختصارها والاكتفاء بفلسفة القصيدة كمدخل يراد له ان يفتح افاق فكرة العمل، الذي تناول مواضيع عده، منها عدوان داعش ، فكان الصراع بين دعوات الحياة ودعوات الموت، بين النهوض والتراجع، بين القبح والجمال، بين الحب والكراهية، أذ قاد المخرج فرقته الراقصة  بتصاميم جذابة مثيرة بفعل التوافق والانسجام بين الصورة والصوت بين الحركة واللحن بين تموجات الاضاءة المدروسة وعيا وثقافة،وعلى انساق التوزيع الموسيقي المتنامي إيقاعيا، وكان الاشتغال على عناصر ذات فأعلية مؤثرة في خلق بؤر المشاهدة والانتباه، فظهرت الفرقة في بعض مشاهدها بنكهة فولوكلور شعبي أو قد استمد نكهته من التراث الشعبي،، فضاءات ملئتها فرقة رشيقة ماهرة من الشباب والفتيات يتقنون لغة الجسد في التعبير والحركة والايماءة، وفي فضاء اعتمد على، بنية الديكور وفق التناظر بين الموجودات وبين تشكيل الاضاءة والفراغات المعبرة ، فكان الجزء الاكثر بروزا وطغيانا هو المنبر الذي يعلو السلم، الذي بقي طيلة فترة العرض، وما يحمل من رمزية لربما تخلق اشكالية التفسير في بقاءه على الدوام رغم ان له فائدة محددة بقدر غير مطلق، فضلا عن تعدد حمل الوسائد من قبل أعضاء الفرقة، فالوسادة الراكدة تحت الراس لها من الرمزية في التوظيف لاغراض أخرى، قد لا تصيب المسار المقصود، وكذلك مشهد "(كنس) " النساء لأرضية بلاط المنزل التي فتحت منافذ التأويل، في التخلص والمسح والتنظيف وإزالة الركام، وما إلى ذلك من ايحاء، ورغم هذه الخطوط، الا ان الحان الاغاني والايقاعات المتنوعة المتلاصقة جعلت من الأجساد البهية لغة مرئية في كشف التضامن والتفاعل والحب والسلام والحياة وهي ترتدي أبهى تصاميم الأزياء وتنويعايها اللونية الجذابة،  ففي مشهد راقص مثير تظهر الفرقة بحركات تعبيرية متلاحقة إيقاعيا، تتعالى وتنسجم وتوافق وتتنامى بضربات ايقاعية عالية إلى أن تسكت فجأة فيتلاشىء التكوين الجماعي المتسلق بانخفاض فوري لتظهر البطلة من بينهم شامخة بملابسها الفيروزية  المميزة المضيئة رمزا للنماء والحياة والتحضر، والتي اتت بفعل التنسيق والدقة ورسم الحركات المتوافقة مع الايقاع الصوتي والموسيقي. فاستمتعنا مشاهد المطر، ومياه النهر، والمشاهد الحالمة..

وقد سادت ملامح الرمزية التعبيرية جماليا عند البطلين ضرغام البياتي وايار عزيز، بأسلوب فني حركي مهذب يشع المعنى الحالم في شاعرية الحياة المتناغمة مع تصميم ازياءهما الفيروزية الباهرة، بالحركات المشعة  بالتعبير فرديا وثنائيا وجماعيا، رافقتها الخطوط الضوئية كجزء من الشكل التعبيري لفضاء العرض، واخيرا نكرر ان الاوبريت الاستعراضي دجلة والفرات، قدم بتقنية اشتغال بتنسيق فني واعٍ وحرفي متقن، يجسد بالفهم العميق لمعنى حركة المجاميع وفلسفة الضوء وتناسق دلالات الألوان والتناغم المجرى الصوتي الموسيقي نغما وايقاعا، برمزية عالية التعبير، وجديرة بحمل دور البطين دجلة والفرات. الرمز العراقي الخالد حضاريا..

عرض مقالات: