تتعدد مصادر الصورة لدى الفنانة (سعاد العطار) بدءاً من الواقعة الشعبية وتجليات الأُسطورة والخيال ومرموزاته، فضلاً عن الأُوبرا والموسيقى، بيد إن الشعر يُعد أحد مصادر إلهام الفنانة البارزة، فقد استوحت بعض ملامح لوحاتها من الشاعرة الجاهلية ليلى بنت لكيز، المعروفة بليلى العفيفة، كما تعرفت بشكل خاص على أشعار (نزار قباني، وبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وأدونيس، ومحمود درويش وغيرهم)، إذ كانت كلمات القصيدة جزءاً من تكوين اللوحة، وما تقصده هو أنها لا تتخذ الشعر في اللوحة شكلاً تزيينياً يتقاطع مع جوهر الاشتغال الرسومي، بل يجب أن يكون تركيب اللوحة على أساس الشعر، ومن وحيه - بمعنى النفاذ الى دلالة الكلمة والنص من أجل الاستدلال على المضمون والقصد الذي يريده الشاعر، ليصبح جزءاً من العمل الفني، وليس شيئاً فائضاً عن الحاجة، أو مكملاً زُخرفياً.
وبمقارنتها للمقطع الشعري الذي كانت تنتقيه بنفسها، وتحاول صياغته على حد تعبيرها كنصٍ بصريٍ موازٍ، وليس صياغة شرح للنص الشعري، كما اشتغل عليه غيرها من الفنانين. وبهذا فإن خصائص هذه المحاولة قائمة على مزج الصورة الشعرية، أو الذهنية بالتصويرية المرئية منها، وتوصف محاولتها هذه بأنها تمثل نزوعاً لكسر الحواجز المصطنعة بين الكلمة المكتوبة والمرسومة. بمعنى إنها حولت النص الشعري من صيغته اللسانية الى بنية صورية عيانية على وفق (فجوات النص) أو دلالته التي أعتمدتها في ترجمته وتأويله.
وقد شكلت الأشعار الكلاسيكية والمعاصرة هاجساً ألهمها رؤية جديدة في الخطاب المرئي، إذ قدمت عبر هذا التناول تجسيداً صورياً ل "ملحمة كلكامش" بوصفها مرجعية فكرية من منطلق أدبي لتفسيرات (العطار) البصرية في البناء القصصي لحكايتها المرسومة، وتضمين شخصياتها الملحمية، ومخلوقاتها الأسطورية، والمشاهد الخيالية، وما تعنيه الأبيات الشعرية. وقد تستعيد الرؤى القديمة بفعل سلطة الخيال التي تُمعن في استخدامه داخل المنطقة الرسومية، حتى يصطبغ الخطاب بسمات من عالم الأحلام. وبفعل تخصصها في فن الحفر (الكرافيك) تتصف الكثير من أعمالها بالتسطيح، والخطية، والرمزية، إذ تلعب النقوش والتزيينات دوراً محورياً في تركيباتها. إن العطار طورت أُسلوبها بالإستناد الى تحليل بنى المنمنمات الاسلامية. وتتم تفسيراتها للشعر والفنون الشعبية بكونها ذاتية بعمق، واستفزازية أيضاً، حيث إنها متميزة بطبيعتها وتتفاعل مع المشاهد في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن أعمالها يُمكن/ ويجب أن ترى ضمن التقليد الحداثي العراقي، كذلك يتضمن فنها طبيعة استقرائية توحي بأُنوثة كامنة يُمكن تلمسها من خلال شفافية اللون والسطوح المُعبرة عن موضوعات تشغل حيزاً كبيراً من حياة المرأة. وطورت عبر ذلك مجموعة شخصية من الرموز التي تكشف عن ترابط حميمي مع موضوعاتها من خلال الاستكشاف الذاتي والتذكر. تشمل هذه الرموز المستمدة من ذكريات طفولتها لتمثيل قباب المدينة الذهبية، وسمك دجلة، وصراع الديكة، وموجودات حياتية أُخرى ينتعش حضورها داخل الفضاء الشعبي. وبالفعل تمت المزاوجة التوليدية بين الواقع والحلم بما يقود المشاهد الى فهم معنوي للتراث الثقافي العراقي، وهذا الفهم يصل إليه في النهاية من خلال منظار الفنانة الذاتي مشحوناً بالعاطفة تجاه تلك الموضوعات المُصورة.
وفي إحدى المرات وضعت بيتاً من الشعر عنواناً لإحدى لوحاتها "غني لها..حتى نامت الكلمات" وفي الواقع إن المرأة هي التي نامت بفعل معنى التصاحبية التي يكون قدر المرأة فيها قدر الفنانة (العطار) نفسها، أو ما يماثل شخصيتها من خلال بنية استعارية تلجأ إليها باستخدام الترميز وانشطاراته ضمن مساره العلاماتي وتأويلات كل منها المختلف بالتأكيد، ولعل نومها يبدو استغراقاً عميقاً، حتى ليقترب من هدأة الموت. الضفائر السابحة بعيداً تُذكر بموت أوفيليا، حتى أوراق النباتات، والزهرة البيضاء الوحيدة، تبدو كأنها تنتسب لعالم ليلي، أو سفلي- هذا إذا ما شجعتنا اللمسة الأُسطورية السومرية في تخطيط الوجوه والعيون، وتلك الخطوط التي توحي بلفافات تُحيط أجساد الموتى المحنطة، بأن نتخيل المشهد جميعاً وقد انتسب لعالم آخر وراء عالمنا، هذا الذي يُغني فيه العشاق لبعضهم. ربما أرادت اللوحة أن تعرض لعاشقين مستريحين في بستان، ولكن الدوافع الدفينة قادت الى مرمى آخر. فالخضرة الداكنة وخشونة النبات والأوراق التي تعزز الصمت، والعتمة العميقة التي تشكل الخلفية، وانسدال اليد المسترخية التي لا توحي بالاحتضان، كلها تأخذ بيد المتلقي الى اللحظة الخالدة، لحظة يبدو فيها بيت الشعر زوائد لا معنى لها أمام تلك الصورة واسعة المعاني.