السينما تخلّصنا من الوجود الناقص/ صموئيل شمعون (عراقي في باريس)

الخيط والطيارة الورقية (عراقي في باريس) صموئيل شمعون

حكايات شهريار الآشوري( عراقي في باريس) صموئيل شمعون

9/ 11/ 2023

 

خلافا للكتب التي اشتريها. أنا القارئ الثاني لهذه الرواية، الصديق الحميم، الوديع المسالم الشاعر مجيد الموسوي (طيّب الله ثراه) هو القارئ الأول.  يزورني في ضحى كل جمعة في البيت، نرتشف الشاي ويطلّع كل منا على نصوص الآخر. ونتحدث عن آخر الكتب، وقبل مغادرتي الغرفة وضعتُ أمامه الكتب التي اشتريتها في كانون الثاني 2017 ومنها( عراقي في باريس)  حين عدت للغرفة حاملا صينية فيها فنجانيّ قهوة وبعض الجكليت. رأيتُ الرواية بين كفيه.. حين اعاد الرواية في 24/ 1/ 2017 . لم يحدثني عنها فعرفت أنها من الروايات الضرورية بالنسبة لي، لكنني للأسف لم أقرأها في حينها كنت منشغلا بترتيب مخطوطتي (كناية الديالكتيك) ومؤثر ثان أخرّ قراءتي للرواية، هو العنوان الذي يعيدني إلى(بدوية في باريس) فيلم سميرة توفيق ثم اختفت الرواية في تلافيف غابة مكتبتي. قبل أيام نادتني (عراقي في باريس) وما أن تلقفتها حتى تلقفتني عوالمها الثرة. وصرت ُبرفقة هذا الآشوري الجواّب الحاذق في تناول العالم روائيا، وما أن انتهت رحلتي حتى عاودتُ قراءة الرواية ثانية، بدءاً من (البائع المتجول والسينما) الذي يمتد من 195 حتى 306 وهذا القسم   هو الثاني في الكتاب وهو بحد ذاته رواية متكاملة يتناول فيه الروائي صموئيل شمعون طفولته مع السينما.

(*)

القسم الأول من الرواية يبدأ بعنوان فرعي (ملحوظة) والزمن هو كانون 2004 والمكان  هو موديستو في كاليفورنيا أميركا . حيث يلتقيان شموئيل وأمه بعد طول فراق في بيت خال شموئيل/9

(*)

في العنوان الفرعي (الطريق إلى هوليوود ) يتراجع الزمن إلى أشرس سنوات العراق 1979 حيث انشغلت السلطة بتصفية قوى الخير في العراق من يساريين وإسلاميين وديمقراطيين. وكذلك قامت بتصفية قيادات الحزب الحاكم في قاعة الخلد، وحين ينطلق الباص من بغداد إلى دمشق، تبث الأمكنة على البطل أزمنتها في ذاكرته (حين مررنا بالفلوجة، تذكرتُ أنني حين كنت صغيراً، كنت أسرق مع بعض الأصدقاء الأسلاك النحاسية التي تعلق عليها النساء ثيابهن، ونأتي لنبيع النحاس في الفلوجة/ 13) في قراءتي  الثانية للرواية، يعيدني ما بين القوسين للرواية الثانية  (البائع المتجول والسينما) التي تشغل الصفحات التالية (195- 306) من كتاب (عراقي في باريس) والكتاب الثاني يسرد مقاومة البؤس والحرمان من خلال قوة الأمل لدى الطفل العبقري المصابة بلوثة السينما من خلال الخال قرياقوس.

(*)

في الصفحة الأولى من الرواية تخاطبه أمه (هل تعرف، يا شموئيل، بعد لحظات قليلة من تسميتك، شعرت بحزن شديد، وقلت لنفسي أننا، بهذا الاسم الثقيل، نضع الكثير على كتفيّ هذا الطفل/ 9) وبسبب اسمه يتعرض شموئيل للتعذيب في دمشق وحين يتأكدون أنه ليس جاسوسا يهوديا فيطلقون سراحه يخبرنا شموئيل( أقترح عليّ الضابط أنه من الأفضل أن أغيّر اسمي/ 16)

في اليوم الأول لدخول شموئيل المدرسة يخبرنا شموئيل (أكتشفت أن اسمي ليس جويي، وان كيكا ليس اسم أبي فقد ظل المعلم الواقف ينادي أكثير من مرة(شموئيل شمعون) دون أن يسمع جواباً. ثم تقدم مني وبعصاه الخيزرانية،

ربّت على رأسي قائلاً : ما اسمك؟ سأل المعلم: جويي كيكا، أستاذ. / 239)

يقوم المعلم بتوضيح الأمر( لا يا أبني، أن اسمك في المدرسة هو شموئيل شمعون. يمكنك أن تكون جويي كيكا خارج المدرسة، عندما تعمل كبائع متجول).. مؤثرية التسمية المزدوجة للطفل تبث سؤالها، حين يصل البيت يسأل أمه حول أصل التسمية : من هو شموئيل؟ تجيبه الأم : أنه نبي؟ يسأل الطفل لتتسع الطمأنينة: من أختار لي هذا الأسم؟ يعرف من والدته أن قرياقوس زارهم بعد يوم من والدته وعرف من أمه أن مازال بلا تسمية. فأخذ قرياقوس الكتاب المقدس وفتحه ُ ثم سأل الأم عن رأيها في شموئيل فوافقت الأم مباشرة.  ثم ستخبر ولدها بعد فترة أن جارتها العاقر حين رأتها حبلى توسلتها إذا كان ولدا أرجوك سمّه شموئيل ../240) في ص142 يسأله المكلف بأعمال صيانة المجمع هل أنت متأكد أن هذا هو اسمك؟ يجيبه شموئيل :أنه أنا. يرد المكلف بالصيانة: عربي وتحمل أسما كهذا. يرد عليه شموئيل : أنا عراقي ولستُ عربيا. وهنا يصبح التوضيح متاهة ً فيسأله المكلف بالصيانة: ماذا يعني(أنا عراقي ولست عربيا) وسيعيد عليه شموئيل اسطوانة أطياف الشعب العراقي. ثم يضرب مثلا قريبا لأكلة يعرفها المكلف بالصيانة (وكما ترى أن العراق مثل طبق البابيلا الأسبانية) وهكذا وصلت الفكر للرجل الأسباني وصار يستقبل شموئيل بالضحكة والمحبة

(*)

هل رواية (عراقي في باريس) منصتها متأت من فعل تذكرّ؟ أم محاولة باهرة في تحويل المذكرات إلى رواية؟ سؤال منبثق من قول المؤلف المتطابق مع السارد بضمير المتكلم( أخرجتُ قلمي وبدأت ُ أُسجل بعض الملاحظات عن اليوميين اللذين أمضيتهما برفقة مصطفى الحداد في باريس/ 53)

(*)

لا حظت قراءتي خطين متوازيين في الرواية : سرد الحاضر الذي يعيشه شموئيل وسرد الحكايات التي أحيانا تتذكر الماضي

  • شموئيل يحكي للشاب الأفغاني حكايتين واحدة عن طفولته المكتهلة كبائع متجول/38
  • الحكاية الثانية عن قوة قدميه في كرة القدم /39
  • الحكاية الثالثة عن زحزحة الصخرة/ 39
  • الحكاية الرابعة يحكيها للفتاة كاتي عن أبيه والقطار الذي سحت العملة المعدنية بعجلاته /42
  • الحكاية الخامسة ما فعله المخبول زياد مع شموئيل /57
  • حكاية شامل والنساء العربيات/ 66
  • حكاية رمضان التونسي/ 67
  • حكاية الجزائري مراد/ 69
  • حكاية مهدي المغربي وخطيبته الحلبية رشا التي تخونه مع صادق وهو صديق شموئيل/ 70
  • حكاية الإقامة في منزلة السيدة بولين بتوقيت إقامة طالب من الكاميرون يدرس الهندسة/ 73
  • حكاية آلدو ماتشيوني/ 77
  • حكاية شموئيل مع الشاعر آدامس/ 81
  • حكاية السائق الذي ينظر الراكب الذي لا يراه شموئيل/  وهذه الحكاية هي أجمل الحكايات في الرواية  والتي تتشقق منها حكاية الشاب الفرنسي فرانسوا المقتول بالقصف الإسرائلي لمنطقة الفاكهاني في بيروت./ 84-88
  • حكاية الصحفي عبدالوهاب ومشروع الحركة الانقلابية/ 89
  • حكاية جدة فابيان التي سجلت في وصيتها أن يكون منزلها من نصيب فابيان وها هي تواصل الحياة في الثامنة والتسعين. وفابيان يستجدي قوت يومه/ 106
  • حكاية فريد الرّسام الكردي الموهوب الحاصل على الجنسية الفرنسية، سافر لزيارة أهله في تركيا، وبعد عودته بأيام في غرفته شنق نفسه/ 107
  • حكاية العم صالح مع الكاتب المسرحي صموئيل بيكت/ 108
  • حكاية الكاتب الاسباني فرناندو أرابال مع صموئيل شمعون/ 108
  • حكاية جثة في المطر ملقاة بين سيارتين يعيد شموئيل لها الحياة  ولا يكشف  هويته لمن انقذه !! بسبب الحرب العراقية الإيرانية/ 112
  • حكاية القناني الملقاة عند سياج المدرسة والرصيف الملاصق للمدرسة يحوّله ظلام الليل مبغى لسواق الشاحنات الكبيرة/ 118
  • حكاية نادية التونسية/ 119
  • حكاية دينو المهرج الإيطالي مع الفيلسوف والروائي أمبرتو إيكو
  • حكاية الشخصية الفريدة موريس مع صموئيل شمعون/ 125
  • حكاية ساعي البريد المصري وزوجته الاميركية لودميلا / 133
  • حكاية الممثل روبرت دي نيرو مع صموئيل شمعون/ 135
  • حكاية شخير صموئيل النائم في حديقة عامة الذي ايقظ رجلا من نومه في الطابق السادس/ 136
  • حكاية شموئيل مع ساعية البريد/ 142
  • حكاية الممثل جون أشتون مع شموئيل /145
  • حكاية الشاعر آدامس وعلاقته بشموئيل/ 149
  • حكاية أحمد الجزائري الذي لا يحب باريس ولا زوجته ويريد العيش في تولوز/ 159
  • حكاية ميشلين التي فقدت كلبها ثم طردت شموئيل من شقتها/164
  • حكاية الياباني الغريب الأطور وميشلين التي عثرت على كلبها/ 173
  • حكاية مشيلين مع المكسيكي غاسل الصحون في مطعمها/ 174
  • حكاية الرسام جان كلود و شموئيل/ 180
  • حكاية الرجل الذي يريد أن يكتب كتابا عن رجل يكتب كتابا عن أبيه/ 184
  • حكاية الأفعى وشموئيل / 185
  • حكاية ريمون وعصابته الذين جعلوا منزل فابيان جحيماً/ 190
  • حكاية القطار والتفاحة الخضراء والطائر الأبيض/ 194
  • خاتمة الحكايات أعلنها شموئيل في قوله(لقد أنتهت الحكايات، ولم يعد بإمكانك تأجيل الألم/ 180) هذا الجوّاب الآشوري العراقي الأصيل كان يحمل على ظهره ذلك الكيس الأبيض الطويل الذي كنا نستلمه ونوقع على استلامه نحن الجنود وفي هذا الكيس كنا نضع حاجياتنا الضرورية. شموئيل لديه مثل هذا الكيس . كان يدس فيه

هذه الحكايات التي عاشها بمرارة مدهونة بحلاوة الإيمان الذي في روحه الوثابة. وكان علي كقارئ أن افهرس هذه الحكايات واجعل لكل حكاية عنوانا اشتقاقيا منسوجا من قماشة الحكاية وليس مفروضا عليها.  وشموئيل عرف كيف يتدرب على الألم حكائيا

حين يسأله دينو(منذ فترة طويلة وأنت تعيش بلا مأوى، أعتقد أن هذا الوضع يسبب لك الكثير من الآلام، هل يمكن أن تخبرني كيف تتعامل مع هذه الآلام؟) يكون جواب شموئيل كالتالي (أؤجلها.. نعم أؤجل آلامي إلى وقت آخر.. اكتشفت ُمنذ البداية أن الإنسان عندما يجد نفسه ملقى في الشارع، لا يكون أمامه إلا أن يلعب دور شهرزاد، عليه أن يؤجل الألم، على المتشرد أن يكون ذكيا مثل شهرزاد ألف ليلة وليلة/122) يتحول الحكي غواية ً تغمر الشوارع مصاطب الحدائق. دفء المكتبة. صخب الحانات. محطات القطار. قسوة رياح الشتاء. فعل الغواية سيطلي الوحشة بالدفء والوجع بالعافية. ويسخّر قلوب المارة لمحبة هذا المتشرد العنيد المصلوب على حلمه السينمائي المنشود

(*)

مع الحكايات هناك المدن التي تداولت هذا العراقي الآشوري الجميل

: الحبانية. بغداد.  دمشق. عمان. بيروت. نيقوسيا. طرابلس لبنان. نيقوسيا. تونس. فرنسا مدينة مولان. باريس. ميونيخ. تروفيل. باريس

صموئيل شمعون/ عراقي في باريس/ منشورات الجمل/ ط2/ 2006 / بغداد

عرض مقالات: