الغلاف والعنوان الثاني للكتاب (التحديق في بئر الطفولة) يجعلني قبل قراءة الكتاب أشعرُ أن رحلتي ستكون مائية ومن خلال الزورق الورقي وقد أرساه الطفل على الشاطئ.

يقول المؤلف في السطر الأول من الفصل الأول (حينما أحدق في بئر الطفولة من هذا البعد الزمني ومن النأي المكاني أشعر بالحنين إلى مائه الراكد في الأعماق/ ص11) وهذا يعني أن الوظيفة الاهم لفعل التذكر هي تحويل الماء الراكد إلى ماء يتحرك في أمكنة وأزمنة المؤلف، كما ان النهر بمثابة نقطة دائرة المكان... (سراي الشرطة لا يبعد عن النهر إلا بضعة أمتار/ ص19)

وفي ص 15 سيكون للماء أهمية عسكرية لدى العشيرتين المتقاتلتين (.. وتمركزهم بين النهر وحقول القمح) وفي ص33 سيكون النهر مخيفا والكل يبحث عن طفل ضائع (أنهم يبحثون عن طفل ضائع، وقد توزع الناس في مهمة البحث عنه، فمنهم من ذهب إلى النهر المجاور وقاموا بتمشيطه للبحث عن جثة الطفل الضائع)..  النهر لم يبتلع الطفل، بل هو الذي سهى في اللعب ونسيّ الوصول إلى مكان عمل أبيه ليدعوه للغداء في البيت..

الرقعة الجغرافية الآهلة بالموطنين تنتهي عند (حافة النهر. / ص99) والأطفال حين يصلون إلى النهر يذوبونه فيه، والنهر كأنه النافذة الواسعة التي يطلون منها أهل القرية، وكأنه المرآة التي تحتوي الكل حيث (يتسكع أكثر الشباب بمحاذاة النهر وكانت أبصارهم تغرق في لجة نهر الشطرة.. / ص122)

وهناك نهر آخر بعيد كل البعد عن نهر مدينة المؤلف هو النهر الذي يرمي نفسه فيه الفارس العربي موسى بن غسان بعد قتاله الضاري

ضد سرية من المحاربين الاسبان وحتى لا يقع أسيرا (وثب وثبة أخيرة باتجاه النهر وغاص سريعا فيه من ثقل أسلحته/ 130)

هنا اختم رحلتي النهرية مع الكتاب الجميل (سويج الدجّة) الصادر ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق/ 2021 وهو من 230 صفحة تتوزع على (21) فصلاً...والكتاب جاء بصيغة ذكريات بأسلوب قصصي شيق تناول فيه المؤلف حقبة هامة في حياته وحياة المكان الذي احتوى طفولته وشبابه والأزمنة التي عاصرها.

* مشاركة في أمسية ملتقى جيكور الثقافي، احتفاء بالأديب رحمن خضير عباس. الخميس/ 17/ 11/ 2022

عرض مقالات: