تفاجأت بسؤاله عن وقت سطوع الشمس في وطني العراق، وعن وقت غروبها، ونحن نتبادل الحديث في شؤون سويدية تبدو دون صلة بموضوع استفساره...

قلت لصديقي السويدي توبياس ،بأني سأجيبه وبكل تفاصيل سطوع الشمس العراقية وغروبها، وفي كل الفصول، ولكن بشرط أن يخبرني عن المغزى من السؤال...واتفقنا، وشرعت في أن أقربه من المشهد في بلاد لا تفارق الشمس سمائها إلا ما ندر، وهي ساطعة وذهبية ومانحة كرمها دون ثمن ومقابل ..

قلت لصاحبي السويدي، وبدا منصتا لكلماتي وهو يجلس قبالتي في الطاولة:

- يمكنك القول أن الشمس في العراق تغطي الفصول جميعها، وخصوصا صيف البلد الطويل، وربيعها الشمسي الدافئ ..

بانت الحيرة والصمت في ملامح وجهه، وكنت ألح في الوصول لغايته من السؤال، لكنه مضى في الاستفهام:

- أين تذهب أشعة الشمس الجبارة الحاضرة في كل الفصول، في بلادكم، كما أسلفت؟

وظننته يمزح معي، موضحا له بأن العراق بلد زراعي، والشمس ضرورة في ذلك، وعداها فهي لا تبدو صديقة،خصوصا حين يفر الناس من أشعتها وحر قيظها، لائذين بأجهزة التبريد والستلايتات والمكيفات والمراوح والمهفات، وما هب ودب من أجل إتقاء حر الشمس ..

توبياس لم يشأ الجواب، لكنه دعاني لمرافقته بزيارتهم في البيت، وشرب فنجان قهوة، وهناك سيكون الجواب ..

ذهبنا بسيارته لدارهم التي لا تبعد كثيرا عن مركز المدينة، وهي دار كبيرة المساحة نوعا ما، وبالأخص الحديقة التي تحيطها من كل الجوانب ..

وحين وصولنا دعاني للنظر صوب سطح السقف الخارجي للدار، هناك حيث تمتد صفائح سود، لم أفطن لسبب وجودها هناك..وأعانني على فك طلاسم حيرتي

- هذه الصفائح التي تراها فوق سقف سطح الدار، هي ألواح الطاقة الشمسية التي تعاقدنا مع شركة أهلية على شرائها وبسعر مناسب، ونصبها، وهي مرتبطة مباشرة مع منظومة الجهة التي تزودنا بالكهرباء، وهي تعمل على تخزين طاقة الشمس وتحويلها لطاقة كهربائية، وستخفف من مصاريف ومبلغ ما ندفعه كل شهر من فاتورات باهظة..

ومضى في حديثه وهو يشير إلى ألواح أخرى أقل مساحة، نصبوها فوق سطح غرفة اللوازم الخارجية :

- صفائح الشمس هذه ستمكننا من بيع الفائض من الطاقة الكهربائية التي تجهزها، إلى الجهة التي تزودنا بالكهرباء، والمرتبطة منظومتها مع الألواح ..

ودعاني وهو يمزح لأن أدعو لهم، بشروق طويل لشمس السويد، وهو يريني صورة برنامج ألواحه الشمسية المثبت في تلفونه الموبايل، والذي يتيح له وقت ما شاء، معرفة ما ينتج من كهرباء في تلك الألواح ..

شربت قهوتي وأنا في لجة الصدمة والحيرة، وودعته شاكرا لضيافته والقهوة اللذيذة، والدروس البليغة التي تعلمتها..

في الطريق كنت حزينا وقد تجمع كل تفكيري في صورة شمس بلادي البعيدة، وأنا أرقبها في مدينتي، منذ غبش الصباحات، وحتى رحيلها مودعة في المساءات خلف نهر دجلة الخالد... الشمس التي جحدنا كرمها ولم نفطن له، وكان يمكن للمليارات التي هدرت في صناعة الكهرباء، أن تعمر أوطانا، وتحسن من أحوال الناس ..

الحكمة من درس صديقي السويدي هي أن الجميع قد ضمنوا الفائدة والراحة وحسن التدبير وضمان القادم من الأيام...صحيح أن توبياس وعائلته قد دفعوا ثمنا لشراء هذه الألواح، ولكنها ستخفف عنهم مصاريف الكهرباء، وسيعود ثمنها مع تقادم الزمن.الشركة التي نصبت الألواح قد استفادت وكسبت وشغلت عمالا...الجهة المجهزة للكهرباء ستتمكن من شراء كهرباء جديدة من صديقي توبياس، متولدة من الطاقة الشمسية، وبسعر أقل من سعر الكهرباء الذي تبيعه، وبذلك تضمن بعض الربح...الدولة والمجتمع هما الرابحان الأكثر، حين يكون الاعتماد على هذه الطاقة البديلة الصديقة المناخ والبيئة، والقليلة الضر على صحة الإنسان وظروف عيشه..

ليس من بد سوى المضي مع كلمات السياب الخالد :

الشمس أجمل في بلادي

من سواها والظلام

حتى الظلام

هناك أجمل

فهو يحتضن العراق

يا لخيباتنا وكيف لم نتعلم حكمة أن الشمس العراقية أجمل من سواها، وسواها هذه قد ثمنها وعظمها الآخرون، وبقينا نحن نحبو في السير عند نهايات القافلة ..

.....

١٥ نيسان ٢٠٢١

 

عرض مقالات: